منذ إعلان تنظيم "داعش" عن قيام دولته في شمال العراق في 10 يونيو 2014، تردد في عدد من الدوائر الأكاديمية مقولة، مفادها أن الفرقاء في العراق قفزوا علي خلافاتهم السياسية، وتوحدوا من أجل محاربة تنظيم "داعش"، والحيلولة دون توسع المناطق التي يسيطر عليها. واستند أصحاب هذا الرأي إلي عدد من التطورات السياسية التي صاحبت هذا الحدث، منها الاستقرار علي اسم حيدر العبادي كرئيس وزراء للعراق، خلفا لنوري المالكي، علي نحو عكس توافقا إقليميا ودوليا علي حكومة العبادي، رغم عدم اختلاف تركيبتها السياسية عن سابقتها، حكومة نوري المالكي. وهذا الدعم عبر عنه مؤتمر جدة الذي عقد في سبتمبر 2014 من أجل تنسيق الجهود الإقليمية في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، والذي أعلنت عن تشكيله الولايات المتحدة منذ نهاية أغسطس في العام نفسه. شارك في هذا المؤتمر وزراء خارجية كل من دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلي الولايات المتحدة، والأردن، ومصر، والعراق، ولبنان، وتركيا. وكان تمثيل العراق في هذا المؤتمر من خلال وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، الذي ينتمي لتحالف القوي الشيعية، مؤشرا علي دعم هذه الدول للحكومة الجديدة، وهو موقف لا يختلف عما أعلنته إيران حينها. فضلا عن أن مشاركة قطر وتركيا في هذا المؤتمر، في الوقت الذي كانت فيه الأزمة الدبلوماسية بين السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر لم تحل بعد، والعلاقات مع أنقرة متوترة بسبب موقفها من جماعة الإخوان المصرية، تفيد بوجود توجه بين دول الخليج لفصل القضايا الخلافية عن القضايا محل التعاون، والتي تمثلت حينها في محاربة "داعش" في العراق وسوريا.
وتجادل هذه الورقة بأن التطورات السياسية التالية علي 10 يونيو 2014 تكشف عن أن القوي العراقية سعت لتوظيف الحرب ضد "داعش" لتحقيق مكاسب سياسية محددة، وأن ما بدا ظاهريا من تحول التنظيم إلي مصدر تهديد مشترك للقوي العراقية المختلفة، سواء السنية، أو الكردية، أو الشيعية، لم يعن توحدها في الحرب ضد "داعش" بقدر ما عني توظيف هذه القوي للحرب من أجل تعظيم مكاسبها السياسية، وهو ما يمثل استمرارا لتقويض فرص تشكل دولة وطنية متماسكة، ذات هوية جامعة في العراق.