كتب - كتب أجنبية

تحديات هيكلية تعوق الصعود الروسي عالميا

  • 8-6-2016

الصعود-الروسي---داخلي-داخلي
طباعة
Leon Aran (ed.), "Putin's Russia How it Rose how it is Maintained and how it Might End", (Washington D.C.: American Enterprise Institute, 2015).
 
عرض رغدة البهي: مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية،‮ ‬جامعة القاهرة
 
رؤية واضحة من البداية في كتاب‮ "‬روسيا البوتينية‮: ‬كيف صعدت، وكيف يمكن الحفاظ عليها، وكيف يمكن أن تنتهي؟‮" ‬الذي شارك في تأليفه مجموعة من المتخصصين في الشئون الروسية، وحرره ليون آرون، الباحث المقيم بمعهد أميركان إنتربرايز للسياسات العامة،‮ ‬والباحث في معهد الولايات المتحدة للسلام، وهي رؤية مختلفة عن الكتابات التي تؤكد الصعود الروسي في عالم متعدد الأقطاب، خاصة بعد أن أقدمت روسيا علي ضم شبة جزيرة القرم، وعلي استعادتها لمكانتها الدولية‮. ‬فيؤكد الكتاب في فصوله التسعة أن الصعود الروسي لا يعدو كونه‮ "‬أسطورة تعبوية‮" ‬تخفي،‮ ‬جنبا إلي جنب مع‮ "‬دخان الحرب‮" ‬علي أوكرانيا،‮ ‬العديد من المؤشرات علي ما بات يعتري النظام الروسي من تصدعات هيكلية‮.‬
 
ينطلق الكتاب من أن عدم إجراء موسكو التحديثات والإصلاحات المؤسسية اللازمة،‮ ‬علي نحو ينهي الاعتماد علي النفط والغاز كمصدرين رئيسيين للموازنة، ويعزز مناخ الاستثمار، أسفر عن أزمة اقتصادية قوضت من شرعية الرئيس فلاديمير بوتين الذي حول روسيا إلي دولة شديدة المركزية، خاصة بعد أن أُحكمت قبضة الدولة علي المجتمع المدني، وتفاقمت الاختلالات الهيكلية في العلاقة بين المركز والهامش، فتباينت الشرائح المجتمعية، وتنوعت في الدخل،‮ ‬والتحضر،‮ ‬والتعليم،‮ ‬والترف، وبالتالي اختلفت مواقفها السياسية،‮ ‬وولاؤها لنظام بوتين‮.‬
 
الاقتصاد والجغرافيا السياسية وسياسات الفيدرالية‮:‬
 
تضمن الكتاب دراسة بعنوان‮ "‬الجذور والتداعيات السياسية للأزمة الاقتصادية الروسية‮"‬،‮ ‬سلطت الضوء علي أزمة‮ "‬تباطؤ الاقتصاد الروسي‮"‬، والتي كانت سابقة علي فرض العقوبات الدولية علي روسيا، وعلي خلفيتها توقف الاقتصاد الروسي عن النمو‮.‬
 
ولفهم تلك الأزمة، يقول كاتب الدراسة‮ ‬Sergei Guriev‮ ‬إن الحكومة‮ -‬في البداية‮- ‬ألقت باللوم علي حاجتها إلي زيادة الإنفاق لدعم الطلب الكلي،‮ ‬لكنها سرعان ما بررت الأزمة بالعوامل الخارجية‮. ‬وفي هذا الصدد، سيقت حجتان،‮ ‬أولاهما أن الاقتصاد الروسي مندمج وبقوة في الاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمة هيكلية، لأن‮ "‬الغرب ضعيف‮". ‬أما ثانيتهما،‮ ‬فتري‮ -‬علي النقيض‮- ‬أن الغرب ليس ضعيفا، ولكنه يعادي روسيا،‮ ‬ويقوض صورتها،‮ ‬ويعرقل تنميتها‮.‬
 
وتعزو الأسباب الحقيقية للأزمة إلي عدم جاذبية مناخ الاستثمار الروسي للمستثمرين الأجانب والروس علي حد سواء‮. ‬فالاستثمار لن ينمو بدون إصلاحات جذرية‮.‬ إلا أن ارتباط النظام المالي الروسي الحالي بمصالح النخبة الحاكمة يعد العقبة الرئيسة أمام ذلك الإصلاح الذي يهدد بقاء النخبة الحاكمة في السلطة‮.‬
 
وقد أسفرت تلك الأزمة عن ضرورة الخروج علي‮ "‬العقد الاجتماعي‮" ‬الذي كان سائدا في سنوات الازدهار الاقتصادي‮. ‬وبموجبه، تخلي المواطنون عن حرياتهم السياسية مقابل مثيلتها الاقتصادية، وغضوا النظر عن فساد الحكومة ومحاسبتها،‮ ‬ماداموا حصدوا المكاسب المادية‮. ‬وعلى خلفية سقوط ذلك العقد، تبنت روسيا‮ "‬الأيديولوجية الإمبريالية‮"‬، واتجهت إلي التوسع الإقليمي‮.‬
 
ولا يختلف الواقع الاجتماعي الروسي سوءا عن مثيله الاقتصادي،‮ ‬وهو ما ذهبت إليه‮ ‬Natalia Zubarevich في دراستها التي تضمنها الكتاب بعنوان‮ "‬الروسيات الأربع والواقع السياسي الجديد‮". ‬في هذه الدراسة،‮ ‬تشير الباحثة إلي التمايز الاقتصادي والاجتماعي الذي كان ولا يزال قائما‮. ‬وتضيف أن تقلص الفرص الاقتصادية الوطنية أدي إلي تفاقم الاختلالات الهيكلية في علاقة المركز بالهامش، وتنامي الفجوة الحادة بين شرائح المجتمع‮.‬
 
تتجلي الفوارق في نوعية وطريقة الحياة والقيم بين أربع شرائح من السكان من بين قاطني المدن الكبري،‮ ‬والمتوسطة،‮ ‬والصغري،‮ ‬والمناطق الريفية،‮ ‬وهو ما يمكن معه القول بوجود أربع دول روسية،‮ ‬لا دولة واحدة‮.‬
 
تتكون روسيا الأولي من المدن الاتحادية الكبري التي يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة‮. ‬وقد شهدت نسبة من يعيشون فيها تزايدا مطردا على مر السنين‮. ‬وتشهد تلك المدن مستويات متقدمة من التنمية الاقتصادية‮. ‬وتتصل كل تلك الخصائص اتصالا وثيقا بولاء قاطنيها إلي نظام بوتين‮. ‬ففي انتخابات عمدة موسكو في عام‮ ‬2013،‮ ‬حصلت المعارضة علي‮ ‬27٪‮ ‬فقط من أصوات الناخبين‮.‬
 
وتضم روسيا الثانية المدن متوسطة الحجم، التي يتراوح عدد سكانها بين‮ ‬50‮ ‬ألفا وربع المليون نسمة، والتي تعد موطنا لأقل من‮ ‬30٪‮ ‬من سكان روسيا‮. ‬ولا يرضي قاطنو تلك المدن عن الوضع السياسي في البلاد،‮ ‬مقارنة بقاطني المدن الكبري‮. ‬فقد انخفضت نسبة من صوت لمصلحة حزب‮ "‬روسيا الموحدة‮"‬،‮ ‬وهو الحزب الحاكم،‮ ‬في العديد من المدن الصناعية،‮ ‬خلال الانتخابات البرلمانية في عام‮ ‬2011،‮ ‬لكنها كانت الأكثر تصويتا لبوتين في انتخاباته الرئاسية في عام‮ ‬‭.‬2012
 
وتشمل روسيا الثالثة القلب الريفي الخامل والتقليدي، جنبا إلي جنب مع المجتمعات المحلية في القري والبلدات الصغيرة التي يبلغ‮ ‬عدد سكانها قرابة‮ ‬20‮ ‬ألف نسمة‮. ‬وتقل فيها مستويات التعليم،‮ ‬والخدمات إلي أقل مستوياتها‮. ‬وعادة ما يصوت هؤلاء المواطنون للسلطات المحلية‮.‬ ذلك أن التحديث والانتخابات السياسية لا‮ ‬يتصدران أولوياتهم‮.‬
 
أما روسيا الرابعة، فتضم الجمهوريات المختلفة في شمال القوقاز، والتي يمثل سكانها‮ ‬5٪‮ ‬من إجمالي عدد سكان روسيا‮. ‬وتشهد تلك المناطق عملية مبكرة من التحديث، لذا تختلف عن المناطق الأخري، فلا تزال معدلات المواليد مرتفعة، في ظل خلل حاد عرقيا ودينيا‮.‬
 
وتشير التقديرات إلي أن روسيا الأولي هي الخاسر الأكبر، في ظل مساعي السلطات إلي تطويقها من ناحية، وتعبئة روسيا الثانية والثالثة من ناحية أخري‮. ‬ففي حين تطالب الأولي بالتحديث السياسي، تنادي الثانية والثالثة بالحفاظ على الطبقة العاملة دون المساس بأجورها‮.‬
 

الصعود-الروسي---داخلي-داخلي
وقد استهل‮ ‬Evgeny Gontmakher دراسته المعنونة‮ "‬الفيدرالية الروسية‮: ‬حقيقة أم أسطورة؟‮" ‬بالإشارة إلي حقيقة كون الاتحاد الروسي‮ -‬بموجب الدستور‮- ‬دولة فيدرالية ديمقراطية ذات حكم ديمقراطي،‮ ‬في ظل سيادة القانون‮. ‬غير أن تولي بوتين للسلطة في عام‮ ‬2000‮ ‬دشن لمرحلة جديدة من تاريخ الفيدرالية الروسية،‮ ‬قسم بموجبها البلاد إلي‮ ‬78‮ ‬منطقة فيدرالية، وعالج التضارب بين القوانين الإقليمية،‮ ‬والقواعد الاتحادية، وعدل إجراءات التعيين في المجلس الاتحادي‮. ‬ولكن سرعان ما تحول النظام الروسي إلي نطام شديد المركزية، تتمركز معاقل قواه في يد بوتين، وتُتخذ قراراته من أعلى إلي أسفل، وصولا إلي السلطات الإقليمية والبلدية،‮ ‬بوصفها المسئولة عن تطبيق تلك القرارات، وقد لا تحسن فهم وتطبيق جوهرها بالضرورة، خاصة مع افتقار المسئولين المحليين إلي أي إشراف،‮ ‬وهو الأمر الذي يشير إلي‮ ‬غياب الدولة الموحدة بالمعني الصحيح للكلمة‮.‬
 
وبحلول عام‮ ‬2018،‮ ‬لا يتوقع حدوث أي تغيرات جذرية في أساس الدولة الروسية الحديثة، وهو ما يعود إلي طبيعة وتكوين النظام الإداري والسياسي الحالي‮. ‬فالعديد من المناطق في الاتحاد الروسي يفتقر إلي الاستقلالية في مصادر تمويلها، نظرا لاعتمادها على التحويلات المالية الحكومية،‮ ‬والدولية،‮ ‬والإعانات،‮ ‬والمنح‮.‬
 
ورغم أن السخط الشعبي لا يصل لمستويات يمكنها تهديد الاستقرار، فإنه من المتوقع تزايد الوعي بوجود أزمة نظامية،‮ ‬ليس فقط من قبل النخبة الحاكمة الروسية والمعارضة السياسية فحسب، ولكن من قبل الشركات الخاصة الكبري،‮ ‬وبعض الأفراد داخل وحول الحكومة الاتحادية أيضا‮.‬
 
قمع المجتمع المدني وشرعية النظام السياسي‮:‬
 
أشارت دراسة‮ ‬Lev Gudkov‮ ‬المعنونة‮ "‬سياسات بوتين المحافظة‮" ‬إلي الحرب الروسية على المجتمع المدني في عام‮ ‬2013،‮ ‬على خلفية الاحتجاجات الحاشدة ضد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزورة في عامي‮ ‬2012‮ ‬و‭.‬2013‮ ‬فقد نظرت السلطات والمواطنون إلي تلك المظاهرات بوصفها مناهضة لبوتين، خاصة أنها نجحت في تقويض الصورة المزعومة للاستقرار السياسي التي كثيرا ما عول عليها نظام بوتين السياسي والكرملين‮.‬
 
شرع نظام بوتين في تطبيق سياسات وقوانين محافظة تزيد من قبضة الدولة على المجتمع، دون أن تُساءل الحكومة أمام المواطنين‮. ‬فقد هدفت القوانين التي صدرت من قبل الدوما في‮ ‬2012‮ ‬و2013‮ ‬إلي تعزيز قبضة الحكومة على أنشطة القطاع‮ ‬غير الحكومي،‮ ‬ومنظمات المجتمع المدني،‮ ‬فضلا عن التضييق على شبكة الإنترنت،‮ ‬والمنظمات‮ ‬غير التجارية، علاوة على تغيير الهيئات التحريرية لعدد من وسائل الإعلام بأخري تدعم السلطة الحاكمة‮.‬
 
كما شن عدد من المدونين الموالين للكرملين حملة شرسة لتشويه سمعة الليبراليين،‮ ‬والمعارضة السياسية‮. ‬وبذلك، سُدت القنوات أمام الطبقة الوسطي وغيرها ذات التوجهات الليبرالية لممارسة الاحتجاج،‮ ‬أو التعبير عنه‮.‬
 
يحاول بوتين تعويض‮ "‬عقم نظامه‮" ‬بقمع المنافسة السياسية،‮ ‬وتزوير الانتخابات،‮ ‬واستخدام النفوذ الإداري، ليقود الرأي العام إلي الاعتقاد بعدم وجود بديل للنخبة الحاكمة، ومن ثم الحاجة إلي الحفاظ على النظام الاستبدادي‮. ‬تلك السياسات وإن كانت علاجا قصير المدي،‮ ‬فإن الأوضاع الاقتصادية قادرة على تهديد السلطة المركزية وصولا إما إلي الانهيار المفاجئ،‮ ‬أو الاضمحلال البطئ، وتفجير السخط الجماهيري، سعيا إلي الإطاحة ببوتين‮.‬
 
وقد ذهب‮ ‬Mikhail Dmitriev‮ ‬في دراسته عن تطور القيم السياسية إلي‮  ‬المعني ذاته،‮ ‬حينما أشار إلي انتهاء التوازن السياسي الروسي في عام‮ ‬2011،‮ ‬بعد أن تراجعت شعبية القيادة الروسية،‮ ‬وحزب روسيا الموحدة بنسبة‮ ‬20٪‮. ‬ولكن تباطؤ النمو الاقتصادي‮ -‬جنبا إلي جنب مع تغير القيم والأولويات‮- ‬أسفر عن تراجع الدعم الشعبي للقيادة السياسية، فصار الطلب على الديمقراطية هو الاتجاه السائد،‮ ‬خاصة خارج موسكو‮.‬
 
وخلافا لاحتجاجات عام‮ ‬2010،‮ ‬يكمن التحدي الأكبر في تضافر المحتجين الاقتصاديين والسياسيين طلبا لتغيير القيادات السياسية الحاكمة‮. ‬ومن المرجح أن تؤجج الخلافات والصراعات العرقية تلك الاحتجاجات‮. ‬لذا، تسعي الحكومة جاهدة لتوجيه أنظار المواطنين خارجا، وهو ما تحقق مع اندلاع الحرب الأوكرانية،‮ ‬حين تحول اهتمام المواطنين تلقائيا صوب أجندة السياسة الخارجية الروسية‮.‬
 
ولا يذهب‮ ‬Kirill Rogov‮ ‬في دراسته حول الآليات التي ضمنت الاستقرار لنظام بوتين،‮ ‬والتهديدات التي تواجهه،‮ ‬والتي تتطلب إعادة النظر جذريا في الشئون الداخلية والخارجية،‮ ‬بعيدا عن تداعيات ضم شبه جزيرة القرم،‮ ‬وقمع المعارضة الداخلية،‮ ‬على شرعية الرئيس التي صارت محلا للشك،‮ ‬على خلفية الأزمة الاقتصادية‮.‬
 
يعتقد الخبراء الاستراتيجيون في الكرملين بأن ضم شبه جزيرة القرم،‮ ‬وقمع المعارضة الداخلية يمكن أن يضمنا لبوتين عقدا من الاستقرار‮ "‬الجديد‮" ‬الذي يتأسس على رغبته في مواجهة الأعداء الداخليين والخارجيين، وذلك بعد أن تأسست شرعيته على عاملين يكملان بعضهما بعضا،‮ ‬هما‮: ‬العامل الاقتصادي،‮ ‬والتعبئة السياسية‮.‬
 
إن الأغلبية المطلقة التي حظي بها بوتين تمكنه من تغيير قواعد اللعبة لتوطيد هيمنته بتقييد حقوق المعارضة،‮ ‬وإضعاف المؤسسات التي تضطلع بالرقابة على المؤسسة الرئاسية‮. ‬ورغم ذلك، فشل بوتين في التعبئة الفعالة لحملته الرئاسية في عام‮ ‬2012،‮ ‬في ظل ما طرأ على الرأي العام من تحولات منذ عام‮.‬2010‮ ‬ولعل تدهور الأداء الاقتصادي في النصف الثاني من عام‮ ‬2012‮ ‬وعام‮ ‬2013‮ ‬يمثل تحديا يقوض دور بوتين‮ "‬كمدير للثروات‮"‬،‮ ‬في ظل العقبات التي تعتري قدرته على التعبئة السياسية‮.‬
 
كان ضم القرم الذي دشن لحلقة جديدة من حلقات الصراع مع الغرب يهدف بالأساس إلي إعادة تشكيل الفضاء السياسي الداخلي، وتشكيل قاعدة شعبية جديدة تهمش دور النخبة الموالية للغرب،‮ ‬وتخلق إطارا جديدا من شرعية النظام،‮ ‬فتصبح مادة جديدة للتعبئة السياسية،‮ ‬قوامها‮: ‬النجاح في ضم شبه جزيرة القرم، والنجاح في أوكرانيا، ومعاداة الغرب‮.‬
 
خلص كل من‮ ‬Boris Makarenko  وDmitry Oreshkin‮ ‬في دراستين منفصلتين عن المجتمع المدني إلي أن أي إصلاحات هيكلية أو مؤسسية،‮ ‬من شأنها أن تحسن مناخ الأعمال والاستثمار،‮ ‬ستؤدي إلي تفعيل آليات الحراك الاجتماعي للأشخاص ذوي الثقافة المدنية‮. ‬ذلك أن مستقبل البلاد ومسارها السياسي ليس مرهونا بالحكومة فحسب،‮ ‬ولكن بالمواطنين أيضا‮.‬
 
التحديات الخارجية أمام روسيا‮:‬
 
على الرغم من تعدد التحديات الداخلية التي تواجهها روسيا،‮ ‬فإن التحديات الخارجية لا تقل ضراوة عنها، ومنها‮ -‬على سبيل المثال‮- ‬التحدي الإسلامي من القوقاز إلي نهر الفولغا والأورال، الذي كان موضوعا لـ‮ ‬Alexey Malashenko‮ ‬في دراسته التي تساءل فيها عن حقيقة التهديد السلفي في منطقة الفولغا والأورال لروسيا‮. ‬يشير الباحث إلي أن هناك وجهتي نظر في هذا الشأن،‮ ‬تري أولاهما أن التهديد مصطنع، ولا يعدو كونه ذريعة لسحق المعارضة في نهاية المطاف‮. ‬بينما تري الأخري أن التهديد ينمو بسرعة ويتكاثر بفعل عوامل خارجية من شمال القوقاز والشرق الأوسط، مما يزعزع استقرار المنطقة بأكملها‮.‬
 
وأيا كانت الحقيقة، فلا يمكن إنكار تأثير الربيع العربي في المسلمين في روسيا، والذي يجبر السلطات على وضع وتنفيذ سياسة متماسكة تجاه الإسلام والمسلمين، خاصة مع الآثار المحتملة للأزمة الاقتصادية على العلاقة بين الأعراق والأديان التي هي بالفعل متوترة، لاسيما عقب ضم شبه جزيرة القرم‮. ‬فالتوتر بين تتار القرم والسلطات الروسية حقيقي، ومن المرجح أن ينمو‮. ‬والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هو‮: ‬هل سيصبح الهدوء النسبي،‮ ‬الذي ترسخ في أوائل‮ ‬2014‮ ‬في منطقة الفولغا والأورال وفي روسيا ككل اتجاها مستداما،‮ ‬أم مجرد هدوء مؤقت يعقبه عدد من التوترات الدينية والسياسية؟‮.‬
 
ختاما،‮ ‬يمكن القول إن عام‮ ‬2012‮ ‬كان عاما فاصلا، إذ لم يكن نهاية التوازن السياسي، الذي تأسس على النمو الثابت للدخل الفردي من جهة، ومحدودية المشاركة السياسية من جهة أخري، لكنه كان تحولا حادا،‮ ‬ونقلة نوعية في أسس شرعية النظام السياسي، من النمو الاقتصادي إلي ما سُمي‮ "‬التعبئة الوطنية‮". ‬وهو التغير الذي تعددت مسمياته لتشمل‮: "‬الانعزالية‮"‬،‮ ‬و"الثورة المضادة‮"‬،‮ ‬و"التقليدية‮"‬،‮ ‬و"الموجة المحافظة‮"‬،‮ ‬و"الحرب على المجتمع المدني‮".‬
 
أدي تفاقم الأزمة الاقتصادية إلي تفاقم التصدعات في نظام بوتين، على نحو استتبعه بالضرورة تغيرات عدة في أسلوب إدارته،‮ ‬وكيفية عمله، والتي تجسدت فيما سمي‮ "‬متلازمة ما بعد الإمبريالية لدعم الشرعية‮". ‬ذلك أن السياسة الخارجية العدوانية التي انتهجها النظام لا تعدو كونها حجة لتبرير الوضع الاقتصادي المتأزم‮. ‬وبهذا المعني، فإن احتمال وقوع حرب موسعة على أوكرانيا‮ -‬أو على الأرجح دول البلطيق‮- ‬لا يمكن استبعاده، خاصة في ظل ما تواجهه روسيا من مشكلات حقيقية قد تنمو وتتفاقم إلي أن تتحول إلي أزمات متلاحقة، وهي المشكلات التي يحجبها ضباب الآلة العسكرية الروسية،‮ ‬وطبول الحرب‮.‬
طباعة