رفض رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي لدفع عملية السلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» مطالباً بمفاوضات مباشرة بين الطرفين. وكان نتنياهو كرر مؤخراً دعوته للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة، لكنه يعلم مسبقاً أن الرئيس الفلسطيني لن يرد على دعوته تلك، حيث سبق له أن حاول لقاء نتنياهو سراً إلا أن الإدارة الأمريكية كانت تتدخل وتمنع نتنياهو من لقاء الرئيس الفلسطيني بحجة أن الأخير سيفجر الموقف السياسي وسيطالب نتنياهو بتحمل أعباء الاحتلال أي تسلم صلاحيات السلطة الفلسطينية والعودة إلى إدارة شؤون الأراضي المحتلة مباشرة.
وكان أبو مازن أبلغ ذلك رسمياً إلى الوزير الأمريكي جون كيري في العام الماضي،ولهذا عندما تعثر اللقاء السري عمدت السلطة الفلسطينية إلى محاولة تنفيذ توصيات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الداعي إلى إعادة النظر في العلاقات مع الكيان، وبادرت إلى إرسال وفد أمني للاجتماع مع «الإسرائيليين» مطالباً باحترام سيادة المناطق المصنفة «أ» ووقف اقتحامات المدن لتنفيذ عمليات هدم واعتقال بحق الفلسطينيين، وعقدت عدة جلسات بين قادة الأمن الفلسطيني ونظرائهم «الإسرائيليين» لكن أقصى ما عرضه «الإسرائيليون» هو وقف الاقتحامات في مدينتي أريحا ورام الله وهو ما رفضه الفلسطينيون مطالبين باحترام سيادتهم على المدن كافة طبقاً لاتفاقات أوسلو.
وكانت الفكرة هي أنه في حالة التزام سلطات الاحتلال باحترام المنطقة «أ» فإنه يمكن بحث الملف السياسي، وفي حالة العكس فإن التنسيق الأمني سيكون موضع بحث لوقفه. ولهذا ركز التحرك السياسي الفلسطيني على إنضاج الفكرة الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولي لبحث سبل دفع عملية السلام ووضع جدول زمني لتنفيذ حل الدولتين.
وكانت الإدارة الأمريكية طلبت تأجيل طرح مشروع قرار لإدانة الاستيطان وطلب حماية للفلسطينيين في مجلس الأمن ربما مقابل صمتها أو عدم عرقلتها للمبادرة الفرنسية وهو ما حدث حتى الآن، ويبدو أن الرئاسة الفلسطينية وجدت نفسها مكتفية بالمبادرة الفرنسية التي حظيت بموافقة أكثر من عشرين دولة لحضور مؤتمر باريس للسلام في نهاية الشهر الجاري لبلورة خطة دولية لتنفيذ حل الدولتين وعدم دعوة طرفي النزاع أي الفلسطينيين و«الإسرائيليين» في البداية. وهي في الأصل فكرة الرئيس الفلسطيني لتشكيل لجنة دولية على غرار اللجان التي شكلت لحل أزمة الملف النووي الإيراني والأزمات السورية والليبية واليمنية. فالسلطة الفلسطينية حالياً لم يعد لديها حبل نجاة في خضم استمرار تدهور الوضع العربي المحيط وعلى ضوء تعثر حوار تنفيذ المصالحة الذي جرى في الدوحة وينتظر جولة أخرى خلال شهر مايو/أيار الجاري، لكن حركة فتح تشترط وجود ضمانات من الراعي للحوار وهي دولة قطر وحركة حماس بالمسارعة إلى تنفيذ بنود المصالحة وليس مجرد إعادة بحث هذه البنود ووضع تفسيرات إضافية لها. وتعتبر الخطوة الفرنسية أول خطة جادة لتوسيع المشاركة الدولية في مفاوضات السلام حيث احتكر الأمريكيون بطلب «إسرائيلي» رعاية المفاوضات منذ البدء ولم تفلح هذه الرعاية في إلزام «إسرائيل» باتفاقات أوسلو، بل إن السياسة الأمريكية المنحازة ل«إسرائيل» شجعت الكيان على تدمير كل ما تبقى من اتفاقات أوسلو سواء في مجال التهويد وهدم المنازل وعدم الالتزام بسيادة السلطة على مناطقها وتوسيع رقعة الاستيطان لتشمل كل شبر في القدس المحتلة وتحويل منطقة الأغوار التي تشكل قرابة ثلث أراضي الضفة إلى مزارع للمستوطنين، ومطاردة الفلسطينيين وحرمانهم من المياه وفلاحة أراضيهم. فالسياسة «الإسرائيلية» عملياً تأتي بكل ما من شأنه تيئيس الفلسطينيين ودفعهم إلى الإحباط وفقدان الأمل وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، والتركيز على السلام الاقتصادي أي حشر الفلسطينيين في المنطقة المصنفة «أ» وتحويلهم إلى مجرد مستودع للأيدي العاملة بلا أية مظاهر سيادية، أي إقامة سلطتين على الأرض نفسها إحداهما السلطة الاحتلالية التي تحكم وتتحكم بكل مناحي الحياة والسلطة الفلسطينية الصورية. وفي المقابل يراهن الفلسطينيون على قيام فرنسا ودول أخرى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً في حالة استمرار «إسرائيل» في التنكر للحقوق الفلسطينية ورفض التفاوض على أساسها، فالاعتراف الدولي بفلسطين كدولة تحت الاحتلال يضع «إسرائيل» في موقف المساءلة الدولية وينسف كل الممارسات الاحتلالية منذ سنة 1967.. لكن إلى أي مدى ستمضي دول أوروبية وغيرها في مثل هذا التوجه؟ وهل ستقف الإدارة الأمريكية موقف الممتنع في مجلس الأمن ولا تهب لنجدة «إسرائيل» لحمايتها كي تبقى فوق القانون الدولي؟ أم سيفاجئ الرئيس الأمريكي أوباما المجتمع الدولي بمشروع نهائي لتنفيذ حل الدولتين قبل انتهاء ولايته؟ كلها تساؤلات مطروحة، لأن المستقبل يبدو حرجاً بالنسبة للفلسطينيين فلا مشروع «حماس» نجح في غزة، ولا مشروع التفاوض نجح في الضفة.
--------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 3-5-2016.