هل تذكرون فيلم «عايز حقى» (بطولة هانى رمزى وهند صبرى وإخراج أحمد نادر جلال) الذى ناقش أكبر أكذوبة فى التاريخ السياسى والاقتصادى المصرى: إن الشعب المصرى يملك القطاع العام. قفز إلى ذهنى الفيلم فور تولى الدكتور أشرف الشرقاوى وزارة «قطاع الأعمال العام» وتصريحاته التليفزيونية- وفقاً لما جاء فى «المصرى اليوم»- «إن الدولة والمواطن هما المالك الحقيقى لشركات قطاع الأعمال، ومهمة الوزارة هى إدارة أصول الشركات... إن الهدف من بيع الشركات سابقًا كان يتمثل فى تغطية خسائرها، لكن الآليات والأسلوب الذى تم عن طريقه بيع الشركات لم يحقق هذا الهدف». سوف أترك غريزة تقليد الأستاذ هانى رمزى وأطالب السيد الوزير، باعتبارى مواطناً، بنصيبى فى قطاع الأعمال العام، لأننى أعرف مصير هذه المطالبة وهى أنها لن تفضى إلى شىء. فالمسألة ببساطة هى أن الملكية لا يمكن أن تكون للشعب ولا للمواطنين من أعضائه فرادى ولا جماعات. وطالما أن أحداً لن يدير أصوله، ويمكنه أن يبيعها أو يشترى منها أو يورثها لأنجاله، فإنه بالتأكيد لا يملكها وليس له فيها نصيب، وأن ما اعتبرناه ملكية عامة إما أنه أكذوبة كبرى لا أساس لها فى الواقع، أو أنه تعبير يستخدم على سبيل المجاز اللغوى الذى يشوه حقيقة أن الحكومة، أو جهازها البيروقراطى، هى التى تملك لأنها تدير وتبيع وتشترى، كما أنها يمكنها توريث المناصب والعوائد الكبرى لأصل ما هو مملوك.
لكى لا نحيد كثيراً عن الموضوع، فإن ما نتحدث عنه ليس هو كل «الاقتصاد العام» فى مصر، وإنما عن ١٢٥ شركة (الرقم على الأرجح أكثر من ذلك، ولكن ذلك هو ما قال به الوزير) بقيت من ٣١٤ شركة قطاع عام تقرر فصلها عن الوزارات الحكومية ووضعها فى إطار قطاع الأعمال العام كحزمة واحدة للسياسات العامة. هذه الشركات فى مجموعها لم تكن فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى تزيد فى قيمتها على ١٥٪ من الاقتصاد العام الذى تملكه الحكومة وتشمل الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ والصحف القومية وغيرها الكثير. الآن فإن قيمة ما تبقى قياساً إلى الاقتصاد المصرى الكلى (عام وخاص)، أو الاقتصاد العام، سوف تكون أقل بكثير مما نتخيل، إلا إذا قيست قيمة هذه الشركات بحجم النزيف التى تسببه للاقتصاد القومى. المعضلة التى نواجهها هى أن البيروقراطية واليسار المصرى فى عمومه نجحا فى خلق عقدة كبيرة اسمها «الخصخصة» ظهرت فوراً فى أحاديث وزير قطاع الأعمال العام، الذى أعلن أن «الوزارة لا تعتزم خصخصة شركات قطاع الأعمال العام، وإنما تستهدف إعادة هيكلتها... وهو ما لا يعنى بيعها».
المدهش أن السيد الوزير أعلن أن إعادة الهيكلة لن تثقل على الحكومة، وإنما سوف يتم تمويلها عن طريق «بيع الأصول» مثل الأراضى وزيادة رأس المال عن طريق البورصة، وهى أنواع من الخصخصة لا ندرى لماذا تقتصر على الأصول ولا تنطبق على الشركات. السبب فيما يبدو هو التحكم الحكومى، أو الملكية الحكومية، لأن إعادة الهيكلة سوف تتضمن أدوات غير مصرفية «مع بقاء ملكية الشركة للحكومة». ولكن إذا علمنا أن هذه الشركات فى مجموعها خاسرة فسوف تظل معلقة فى رقبة الحكومة تستنزفها وتزيد من الدين العام. فالحقيقة أن ما جرت خصخصته خلال العقود الثلاثة الماضية كان أساساً لشركات «رابحة»- وليست خاسرةـ شكلت تقريبا فى عام ٢٠١٠ نصف عدد الشركات الأصلى، ونجح الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار آنذاك، فى تصفية ديون هذه الشركات (٣٢ مليار جنيه)، والبدء فى إعادة هيكلتها التى أعلنت كل حكومة بعد ثورة يناير المباركة أنه سبيلها لإنقاذ القطاع العام. ولكن ذلك لم يحدث، لأن هذه الشركات عادت مرة أخرى إلى الاستدانة حتى بلغ دينها ٦٣ مليار جنيه فى عام ٢٠١٣، ولعله أصبح أكثر تضخماً الآن. فهل يوجد لدى هذه الشركات من الأصول المسموح بخصخصتها ما ينقذها من ديونها فقط وليس إعادة هيكلتها؟ الأرجح أن الحكومة سوف تتورط مرة أخرى فى إنقاذها بتكاليف باهظة تزيد الدين العام دون عائد حقيقى على الاقتصاد القومى.
الأمر يحتاج إلى نظرة أكثر جدية وأكثر شجاعة مما اعتدنا عليه، بل إن الأمر يحتاج مراجعة لكل الاقتصاد العام فى مصر، تبدأ من وضع نهاية لما يقال إن قطاع الأعمال العام ملك المصريين، وتنتهى بملكية عموم المصريين لهذه الشركات. فهذه الشركات لن تكون كذلك فعلاً إلا إذا كان للمصريين فيها أسهم أو سندات أو حتى شهادات استثمار، كما حدث مع مشروع قناة السويس الجديدة، أو أدوات أخرى تباع وتشترى وتورث وتمنح. حين يحدث ذلك، فإن رقابة الرأى العام سوف تكون ممكنة، ويستطيع كل المساهمين أن يحصلوا على حقوقهم كاملة. ولماذا لا نكون أكثر طموحاً ونجعل ذلك جزءاً من عملية «استثمار» واسعة فى مصر تشمل الأصول الحكومية والخاصة معاً، يعود بها الاقتصاد إلى حيث يجب أن يكون.. فى يد المصريين؟!.
---------------------
* نقلا عن المصري اليوم، 3-4-2016.