مقالات رأى

لماذا رفض النواب قانون الخدمة المدنية؟

طباعة
لم يكن مستغرباً أن تثار كل هذه الضجة حول قانون الخدمة المدنية فى البرلمان، وكان من المتوقع أن يرفض النواب القانون عند عرضه عليهم، أما الغريب حقاً فهو استغراب البعض من رفض القانون. وربما يكون السؤال البديهى الذى يتبادر إلى ذهن أى أحد هو: لماذا رفض النواب قانون الخدمة المدنية؟ والإجابة تتلخص فى ثلاث كلمات هى: غياب مفهوم العدالة.
 
سبق أن كتبت محذراً من تعامل الحكومة مع القانون باعتباره طريقة لجنى الضرائب أو زيادة موارد الدولة، أو الترويج له بهذه الطريقة، وقلت إن مشكلة القانون فى عدم خروج أى مسؤول كبير ليشرح للمواطنين أهمية هذا القانون، وما الذى سيحققه لهم.
 
هناك أخطاء حدثت ولم يتم تداركها وقت الحديث عن القانون، خلقت صورة ذهنية لدى المواطنين والنواب بأن هذا القانون ليس فى صالحهم، مثل إشعار المواطنين بغياب مفهوم العدالة فى القانون وعدم تطبيقه على الجميع، وهو ما دفع البعض للتظاهر أو المطالبة بإلغاء القانون، وسبب ذلك راجع إلى أن الدولة لم تقم قبل إقرار القانون بتسويقه وشرحه، فلم يخرج أحد ليتحدث عن الهدف من القانون، وما الذى سيعود على المواطن منه، وما فائدته للدولة، كما بدت الدولة وكأنها تعاند الموظفين، فلم تخرج لتتحدث معهم أو تشرح لهم القانون، أو حتى ما يمكن اعتبارة استجابة منها لمطالب الموظفين، وبدا أن هؤلاء فى واد وأولئك فى واد آخر، كما تحدثت بعض أطراف الدولة عن أن قانون الخدمة المدنية سوف يزيد الضرائب 15 مليار جنيه، وكان طبيعيا أن يسأل الموظفون: كيف ستزيد الضرائب؟ وأن يربطوا ذلك بما تردد عن الخصومات من رواتبهم، وأن يستجيبوا للشائعات التى يروجها البعض ضد القانون، كما خرج بعض الوزراء أو المسؤولين ليعلنوا بفخر أن وزاراتهم أو هيئاتهم معفاة من تطبيق قانون الخدمة المدنية، وهو ما أعطى انطباعاً لدى الموظفين بأن القانون عقاب.
 
هذه الأخطاء مازالت تتكرر حتى الآن، حتى مع الجدل المثار حالياً فى البرلمان حول القانون، مثلما حدث أن خرج أحد المسؤولين ليتحدث عن أن رفض القانون سيؤثر على ميزانية الدولة للعام المقبل، وهو ما سيدفع المواطن المشغول بميزانيته الشخصية، وليس ميزانية الدولة لأن يسأل عن سبب هذا التأثير، وهل ستستغل الدولة القانون لمزيد من الضرائب والخصومات فى راتبه.
 
لا أناقش هنا فكرة إقرار القانون أو عدم إقراره، فبالتأكيد هناك مشكلة كبيرة تعانى منها الدولة وهى تضخم الجهاز الإدارى، وهى المشكلة التى تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى حتى خلال فترة ترشحه للرئاسة، وهى المشكلة العويصة التى تحتاج إلى حل عاجل، ربما يكون قانون الخدمة المدنية أحد الحلول، لكن الإشكالية ليست فى الحل ولكن فى كيفية تطبيقه، فى كيفية طرحه على الناس، فى إشراك المواطن نفسه بأن يكون جزءاً من الحل، بدلاً من إشعاره بأن الدولة تعاقبه.
 
لا أريد أن أجزم بشىء، لكن من المؤكد أن هناك عدداً كبيراً جداً من المواطنين رفضوا القانون لأنهم لا يعرفون شيئاً عنه، ولأنهم استمعوا فقط إلى الشائعات التى تركتها الحكومة تنتشر دون رد رسمى واضح، ولاشك أن انطباع عدد من النواب رفضوا القانون بانطباع مسبق عنه، والسؤال هنا: أين الحوار حول القانون؟
 
غياب الإحساس بالعدالة فى القانون تزامن مع غياب الحوار المجتمعى حوله، وهو الحوار الذى أنصح بأن يبدأ الآن، وأن نصل فى النهاية إلى طريق واحد، سواء رفض القانون أو إقراره، لكن المهم أن يكون بموافقة الجميع ولما فيه صالح الوطن، وهذا هو الأهم.
 
------------------------------
* نقلا عن المصري اليوم، 21-1-2016.
طباعة

تعريف الكاتب

عبد اللطيف المناوي