تسبب إعلان كوريا الشمالية عن إجراء تجربة على قنبلة هيدروجينية، موجة استنكار عالمي، فقد اجتمع مجلس الأمن الدولي على الفور، وأعلنت الدول الأعضاء بالإجماع، خمس عشرة دولة، ومن بينها الصين حليفة بيونغ يانغ: «إنها بصدد إعداد إجراءات إضافية ضد بيونغ يانغ»، ورغم أن البعض لا يزال يشكك في حقيقة أن يكون التفجير ناجماً عن قنبلة هيدروجينية، إلا أن المخاوف قد تكون جدية، خصوصاً أن هذه الدولة تمتلك سلاحاً نووياً، إضافة إلى قيامها في السابق بتجارب لقنابل ذرية انشطارية، لكن تصنيع قنبلة هيدروجينية أمر معقد للغاية، ويحتاج إلى تقنيات متطورة، نظراً لأن الاندماج النووي لا يحدث بسهولة، فيجب أولاً: تخطي ما يسمى «الحاجز الكولمبي»، أي: أن تتمكن النواتان من تخطي التنافر بين شحنتيهما الموجبتين، وبعد ذلك ينبغي أن تكون هناك حرارة مرتفعة للغاية، أو حركة سريعة جداً للذرات، لكي تندمج الأنوية ببعضها بعضاً.
ويعتقد العلماء أن الحرارة التي تنتجها الشمس هي بسبب اندماج الهيدروجين المؤين عبر مراحل ما يؤدي إلى تولد الهليوم، ويحدث ذلك في ظل حرارة تقدر ب15مليون درجة مئوية، وضمن تفاعلات مختلفة بين نظيري الهيدروجين وهما: «الديتريوم» و«التريتريوم». وكلا النظيرين موجود بشكل نادر في الطبيعة، لكن العلماء توصلوا إلى تحضيرهما عبر التحليل الكهربائي للماء، حيث يعد الهيدروجين بصيغته البسيطة مكوناً رئيسياً في الماء إلى جانب الأوكسجين، وعن طريق التحليل يتم فصل العنصرين عن بعضهما بعضاً، ومن ثم تحويل الهيدروجين إلى نظير مشع.
ويحتوي الديتريوم على بروتون واحد ونيوترون واحد، أما التريتريوم فهو يحتوي على بروتون واحد ونيوترونين اثنين، ويحدث الاندماج عندما تتحد أنوية هذين العنصرين المشعين، ما يؤدي إلى إنتاج طاقة هائلة، كما أن العنصر الناتج عن الاندماج، وهو الهيليوم، غير مشع . ولذلك، يعد الاندماج الذري آمناً، وغير مؤذ للطبيعة مثل الانشطار الذري الذي يتسبب في انطلاق سحابة من الأشعة الضارة التي تؤدي إلى حدوث الأمراض المختلفة.
وإذا ثبت أن كوريا الشمالية توصلت إلى إنتاج هذه القنبلة، فهذا يدل على أنها دولة قد قطعت أشواطاً بعيدة في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي، على الرغم من شح المعلومات المتوافرة عن هذه الدولة اليوم كأنها لا تنتمي إلى كوكب الأرض.
والواقع أنه تم تسجيل هزة أرضية بلغت 5.1 على مقياس ريختر عقب التفجير، كما أن سكان الصين وكوريا الجنوبية شعروا بتلك الهزة، ومع أن القنبلة الذرية الانشطارية العاملة بطاقة اليورانيوم المشع تحدث هزة مماثلة، إلا أن هذا ليس معياراً لتحديد ما إذا كان الانفجار ناجماً عن قنبلة اندماجية أو انشطارية.
وما زالت هيئات البحث العلمي بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تعمل على تحليل الموجات الصوتية التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، لتحديد ما إذا كان الانفجار ناجماً عن قنبلة هيدروجينية أم لا، فمن خلال الصوت يمكن معرفة الحقيقة، لأن عملية الاندماج تحدث صوتاً مهولاً، فمثلاً، صوت الرعد القوي الناتج عن اندماج الهيدروجين، قد يؤدي إلى إحداث زلزلة للأرض، برغم حدوثه على ارتفاع أكثر من خمسة كيلومترات في الجو، فكيف هو الحال بحدوث هذا الصوت على الأرض؟ ويقدر العلماء أن انفجار قنبلة واحدة من الهيدروجين يعادل انفجار قُرابة 20 مليون طن من مادة "تي إن تيTNT".
إن أهم عملية اندماجية نووية في الطبيعة هي التي تحدث في الكواكب والنجوم، فالشمس التي تمد كوكبنا بالدفء والضياء هي خير مثال على عظمة المنافع المتأتية من طاقة الاندماج، ويكمن التحدي الحقيقي في إمكانية استخدام هذه الطاقة للنفع العام، ذلك أن مصادرها، وهو الهيدروجين، لا تفنى من الطبيعة، وإنشاء مفاعل ذري اندماجي سيؤدي إلى توليد طاقة كهربائية لا نهائية وآمنة تماماً؛ نظراً لعدم وجود مواد مشعة خطرة في نظائر الهيدروجين والمواد الناجمة عن اندماجها، وخاصة هيليوم 4، كما يمكن إنتاج الحديد وهو العنصر الناري الذي يتولد من جراء حرارة تبلغ 6 ملايين درجة.
إن الصدمة التي تلقتها الدول الغربية من جراء إعلان كوريا الشمالية امتلاك قنبلة ذرية اندماجية، ليست ناجمة عن خطورة القنبلة الاندماجية التي تعتبر أقوى بمئات المرات من القنبلة الانشطارية، بل لأن دولة صغيرة من العالم النامي قد امتلكت ناصية التقنية، لكن ماذا يمكن للدول الغربية أن تفعل مع كوريا الشمالية التي ترتبط بتحالف قديم مع الصين وروسيا؟ الواقع أن الخيارات المتاحة أمام الدول الغربية ضئيلة جداً، فرغم أن مجلس الأمن أعلن أنه سيتخذ إجراءات ضد كوريا، لكن من المؤكد أن الصين وروسيا لن تسمحا بفرض المزيد من العقوبات المفروضة عليها أصلاً بموجب قرارات سابقة، كما أن الصراع بين الكوريتين هو صراع دولي بين الدول الغربية من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، وما زال هذا الصراع مجمداً منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953، لكن مع ارتفاع حدة المواجهة بين المحورين في الآونة الأخيرة، وخاصة في الشرق الأوسط ، كان من المتوقع أن يتم تحريك الملف الكوري لإحداث حلحلة تغيير الوضع المجمد منذ سنوات، ويبدو أن الصين غير مرتاحة إطلاقاً لبقاء كوريا الجنوبية التي تعد قاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة في عمق مجالها الحيوي، وهي تريد تفكيك هذه القاعدة بأية وسيلة وإقصاء الولايات المتحدة عن حدودها.
ولن تتمكن الصين من الوصول إلى ذلك عن طريق المفاوضات مع الولايات المتحدة التي تواصل تقديم الدعم لكوريا الجنوبية. ولهذا تدفع الصين كوريا الشمالية إلى مراكمة القوة النووية الخطرة، والتهديد المستمر باستخدامها من أجل دفع الطرف الآخر إلى الاستسلام والقبول بإعادة توحيد الجزيرة الكورية تحت مظلتها، ولكن مع ذلك تبقى كوريا الشمالية ساحة مفتوحة على مفاجآت قادمة، بعدما أعلنت عن امتلاكها للقنبلة الهيدروجينية، وبعد أن لاحظ العلماء لجسيمات ذرية تعادل سرعتها سرعة الضوء؛ فالكوريون قد اختاروا المواجهة النووية لدواع استراتيجية مختلفة، وقد خرجوا من العالم ولا عاقل في العالم يسعى لامتلاك هذا النوع من السلاح الفتاك الذي لا يقدم حلاً للمشكلات الإيديولوجية.
وقد فشلت هذه الدولة في تحقيق العدالة والرفاهية لشعبها، وجعلت من اللاعقل واللاحل هو لغة الحل في عرف المجانين.
-----------------------
* نقلا عن دار الخليج، 17-1-2016.