مضى أكثر من عام ونصف العام على خلُوِّ منصب رئيس الجمهورية في لبنان. وقد عقد مجلس النواب خمسة وثلاثين اجتماعاً بقصد انتخاب الرئيس، ولم يفشل فقط في التوصل لذلك، بل فشل حتى في بلوغ النصاب اللازم لإجراء الانتخاب، لأن حوالي النصف من نواب الأحزاب لم يأتوا لاجتماعات المجلس خوفاً من اختيار الأكثرية مَن لا يريدونه للرئاسة، ثم قالوا بوضوح إنهم يريدون مرشحهم الجنرال ميشال عون رئيساً أو لا أحد!
وقع ملفُّ رئاسة الجمهورية منذ أواخر الثمانينيات تحت وطأة إعاقتين: الإعاقة السورية، ثم الإعاقة الإيرانية عبر «حزب الله». السوريون أرادوا تطويع المسيحيين اللبنانيين الذين كانوا العنصر الأكثر استعصاءً على سيطرتهم منذ عام 1978، وقد تمكنوا من ذلك أخيراً وجاؤوا بإلياس الهراوي، وعندما انتهت مدته عام 1995 مدَّدوا له ثلاث سنوات، جاؤوا في نهايتها بقائد الجيش إميل لحود رئيساً، وعادوا فمدَّدوا له ثلاث سنوات حتى 2007. وعلى هامش التجاذُبات حول التمديد عام 2004 اغتيل رفيق الحريري، فاضطر السوريون للخروج من لبنان بالقرار الدولي رقم 1559 لعام 2004.
وبتضاؤل تأثير الإعاقة الأولى (السورية)، تطورت الإعاقة الثانية (حزب الله) لتشمل صَون ثلاث مصالح: المصلحة الإيرانية، والمصلحة السورية، ومصلحة الشيعة في لبنان. وفي أواخر 2013، وقد نشبت الثورة في سوريا، وتدخل الحزب لمساعدة الأسد عسكرياً، قتل اللواء وسام الحسن والدكتور محمد شطح، وهما من أنصار آل الحريري، وعرض من جهةٍ أُخرى التخلِّي عن حكومة ميقاتي لصالح حكومة توافقية. واستجاب سعد الحريري لذلك وأجرى حوارات مع الجنرال عون وممثلين لـ«حزب الله»، أفضت إلى تشكيل حكومة وفاق برئاسة تمام سلام. وكانت اعتبارات «تيار المستقبل» في الاستجابة لإشارات الحزب عدة أمور: أنَّ التوافق على الحكومة قد يؤدي للتوافق على رئيس للجمهورية الذي كانت مدته قد شارفت على الانتهاء.
أما توجهات السياسيين المسيحيين فليست أهوَن، ذلك أنّ كلاً منهم يريد أن يكونَ رئيساً للجمهورية، ثم إنهم إذا التقوا زايدوا على بعضهم في طرح أفكار مستحيلةً حتى لا يقال إن أحدهم أقل حرصاً على «مصلحة المسيحيين». وجرى تقارُبٌ بين عون وجعجع (العدوين اللدودين) على تعطيل عمل مجلسي الوزراء والنواب لحين انتخاب رئيس للجمهورية. وقيل لهما: بدلاً من الغياب لتعطيل المؤسسات، اتفقوا على الرئيس ونحن معكم فيمن تختارونه، لكنهما يتفقان على التعطيل ولا يتفقان على تنازل أحدهما للآخر. وفي الوقت نفسِه يقولان عن الرئيس السابق أمين الجميل إنه ضعيف وهم يريدون رئيساً قوياً.
لكن لماذا طُرح اسم سليمان فرنجية الآن؟ وما حظوظه؟ لا شك أن الرجل فكَّر بنفسه منذ وجد أن «عون» و«جعجع» لن يفوزا بالترشيح. وقد سأل ولا شك جنبلاط وبري فأقرَّاه، وهما يستطيعان إلى جانب حليفه ميقاتي توزيع الأدوار بحيث يتصل بعضهم بسوريا والبعض بـ«حزب الله» والبعض بالدوليين. إنما يبقى الفريق الكبير الآخر الذي أرغم على عدم انتخاب عون، وهو تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري. وقد افتتح فرنجية اتصالات معه منذ ثلاثة أشهر، ولم يرشَحْ منها شيء إلاّ في الأيام الأخيرة. وبالطبع هناك بون شاسع بين الرجلين في الموقف من نظام الأسد، فهذا حليف وذاك خصم، ثم إن فرنجية وعون معاً جزء من 8 آذار، فلماذا معارضة عون ومبايعة فرنجية؟ كما أن الحريري إن ظلَّ على ترشيحه لفرنجية سيُغضب حليفه جعجع وجزءاً من جمهوره!
أنصار فرنجية بين المسلمين يقولون إنّ «سعد» يستطيع أخذ ضمانات من المرشح الذي هو ليس في قوة عون وجعجع، ثم إن نصف جمهوره الانتخابي من السنة!
إن العقبة تبقى في عون وجعجع الطامحين للرئاسة بشدة، واللذين يمكنهما التحالف ضد غيرهما. فهل يستطيع «حزب الله» التأثير على عون باتجاه القبول؟ وهل يستطيع الأميركيون والسعوديون إقناع جعجع؟ إذا حصل ذلك فإن عقبةً كأداء وكبيرة تكون قد أزيلت، أو يبقى الحال هو الحال، وإن يكن دوام الحال من المحال!
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 29-11-2015