عرض: أميرة البربري - باحثة إعلامية
(القاهرة: دار الجمهورية للصحافة، 2015)
اتسمت العلاقات المصرية - الأمريكية، منذ بداية الخمسينيات وحتي الآن، بالتأرجح بين الشد والجذب، والتعاون والصراع. وارتبط هذا التجاذب في العلاقات بطبيعة القضايا التي مرت بها المنطقة العربية، خلال تلك الفترة، وموقف الدولتين منها، إلي جانب التوجهات الفكرية، والسمات الشخصية لزعماء مصر المتعاقبين، وتأثيرها في حدود الدور المسموح به للولايات المتحدة للتدخل في تلك القضايا.
وعلي الرغم من التوترات التي سادت العلاقات المصرية - الأمريكية، والتي تضاعفت بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، فإنه لحسابات كثيرة، ستظل هذه العلاقات من المحاور والاهتمامات الرئيسية للبلدين لما يربطهما من مصالح مشتركة، ومجالات تعاون، وتأثير كل منهما في محيطه.
وفي هذا الإطار، أصدر المؤلف السفير د. السيد أمين شلبي، أحد أبرز الخبراء في العلاقات الدولية، وفي السياسة الأمريكية، كتابه الجديد، في محاولة لتتبع مسار العلاقات المصرية - الأمريكية منذ ثورة يوليو وحتي الآن، وطبيعتها، والعوامل الحاكمة لهذه العلاقات، وصولا إلي طرح رؤية استشرافية لمستقبل هذه العلاقات.
العلاقات بين التوقعات والقيود:
يشير المؤلف في كتابه إلي أن تتبع العلاقات المصرية - الأمريكية، منذ الخمسينيات حتي عام 2011، يوضح ارتباطها بأمرين رئيسيين، الأول موضوعي يتمثل في السياقين الإقليمي والدولي الذي أديرت فيه هذه العلاقات، والآخر ذاتي ارتبط بطبيعة السمات الشخصية والفكرية لزعماء مصر الثلاثة، خلال هذه الفترة. وعن طبيعة العلاقات المصرية - الأمريكية بين ثورتي يوليو 1952، ويناير 2011، يوضح شلبي أنها تعرضت لتقلبات بدأت بتوقع مصر تعاون الولايات المتحدة معها، سواء في إنهاء الاحتلال البريطاني، أو الاستجابة لمطالب تسليح الجيش المصري. إلا أن هذه التوقعات أحبطت بفعل موقف قادة ثورة 23 يوليو تجاه مخططات الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما أخذ مجري متوترا انتهي بحرب 1967 التي انعكست فيما بعد علي العلاقات بين البلدين، وانتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية. وبلغ التجاذب بين الجانبين مستوي حادا، حيث رأي النظام المصري أن واشنطن قد تواطأت مع إسرائيل في عدوانها.
وبعد حرب أكتوبر 1973، بدأت العلاقات بين البلدين تأخذ طابعا استراتيجيا، بالتوازي مع التوصل إلي اتفاقية كامب ديفيد التي تمت برعاية أمريكية، حيث دعا السادات إلي فتح قنوات اتصال مع الدبلوماسية الأمريكية لتتولي دورا محوريا في تسوية مخلفات الحرب، في الوقت الذي تراجعت فيه العلاقات مع الاتحاد السوفيتي إلي حد التدهور والقطيعة. وكان هذا التطور هو الأساس الذي سمح برفع العلاقات بين البلدين إلي مستوي المشاركة، أولا، في البحث عن السلام في الشرق الأوسط، ثم التعاون والتنسيق الكامل، ثانيا، في شكل المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر التي كانت نتيجة مباشرة لاتفاقيات كامب ديفيد.
وعلي الرغم من أن رحيل السادات لم يؤثر في جوهر العلاقات المصرية - الأمريكية، فقد سعي خلفه حسني مبارك إلي سياسة خارجية متوازنة لمصر في محيطيها الإقليمي والدولي. وربما كان هذا التوجه وراء عدد من التباينات حول بعض القضايا التي بلغت مداها في عهد الرئيس الأمريكي بوش الابن، حين تبنت إدارته نظرية الترويج للديمقراطية في الوطن العربي، الأمر الذي فسرته الإدارة المصرية بأنه محاولة لتقويض النظام في مصر. إلا أن اختلاف الرؤية حول هذه القضايا لم يؤثر في جوهر العلاقات، وبدت مصر حريصة علي علاقاتها مع واشنطن.
بين التردد والتأييد:
كانت ثورة يناير 2015 في تصور المؤلف بمنزلة نقطة الاختبار لإدارة الرئيس باراك أوباما. فعلي الرغم من تردده في الأيام الأولي للثورة، فإنه حسم هذا التردد بالإعلان عن تأييده لتطلعات الشعب المصري، في الوقت الذي اقترن فيه هذا الموقف بعملية بحث جرت، ولا تزال تجري، عن مستقبل
الثورة المصرية، وطبيعة القوي السياسية التي سوف تتبلور، خاصة الموقف من التيار الديني الذي أصبح ينظر إليه بعدِّه أكثر القوي تنظيما في الحياة السياسية المصرية. وفي هذا الشأن، تجادل تياران، الأول ينصح بفتح حوار وبناء جسور معه، والآخر يحذر من ذلك.
وقد كان من المعتقد أن الثورة ستؤسس لنظام ديمقراطي يفرغ العلاقات المصرية - الأمريكية من إحدي نقاط التوتر، وهي الديمقراطية. إلا أن هذا الشاغل عاد ليتردد، خاصة بعد تسلم المجلس العسكري إدارة شئون البلاد، وشهدت القاهرة زيارة عدد من المسئولين الأمريكيين استهدفت التأكد من اتجاهات العهد الجديد من قضيتين أساسيتين للولايات المتحدة، وهما مدي الالتزام باتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، واستمرار التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. وقدم المجلس العسكري تطمينات حولهما، كما امتدت هذه التطمينات في عهد حكم "الإخوان".
جاءت ثورة 30 يونيو لتخلق نقطة تحول في العلاقات بين الطرفين المصري والأمريكي، خاصة أنها اقترنت بتدخل الجيش لتأييدها. ويري المؤلف أن هذا التدخل كان وراء الغيوم التي سادت العلاقات بين البلدين، خاصة بعد 3 يوليو 2013 وحتي أغسطس 2014، لتبدأ بعدها مؤشرات إيجابية علي العودة لطبيعة العلاقات الطبيعية بين البلدين بشكل تدريجي.
ويتصور المؤلف أن العلاقات بين البلدين ستظل يتجاذبها أمران: أولهما الرغبة المشتركة للبلدين في علاقات إيجابية، استنادا للمصالح المتبادلة بينهما، والآخر ما تثيره المؤسسات الأمريكية بشأن مدي مراعاة النظام المصري الجديد لقضايا حقوق الإنسان، والحريات، وهو ما يمكن أن يؤثر في مجري العلاقات، وفي أي خطوات إيجابية تتحقق.
استشراف مستقبل العلاقات:
يوصي الكاتب في نهاية كتابه بأن تحرص مصر علي تأسيس حوار استراتيجي مؤسسي ومنظم، يتم من خلاله مناقشة العلاقات الثنائية والإقليمية. وتنبع أهمية هذا الحوار من تقديم مصر لنفسها في ضوء تطورات الواقع الداخلي، وخطوات بناء نظام ديمقراطي سليم، وتوضيح العديد من المفاهيم الملتبسة التي ترتبط في الذهن الأمريكي بهذه التطورات، علاوة علي موقف مصر من القضايا الإقليمية.
وهو يري أن بناء علاقات مستقرة وبناءة بين الدولتين يرتبط بثلاثة عوامل:
1- تحتاج الولايات المتحدة إلي تطوير العلاقات مع مصر أكثر من أي وقت مضي. فإلي جانب السلام مع إسرائيل، أصبحت واشنطن في حاجة إلي مصر في محاربة الإرهاب.
2- إن التهديد بقطع المساعدات أو تجميدها ليس في مصلحة العلاقات الثنائية، فقد ثبت أنه لا يساعد علي تغيير مسار الأحداث في مصر، ولكنه يؤدي فقط إلي التوتر في العلاقات.
3- لابد لكل طرف تخفيف سقف توقعاته من الآخر لضمان استقرار أكثر للعلاقات، خاصة في ضوء التحولات التي طرأت علي النظام السياسي المصري بعد 30 يونيو، وتبني سياسة خارجية مصرية تهدف إلي تحقيق وتوازن العلاقات الدولية.
ويخلص المؤلف إلي أن العلاقات المصرية - الأمريكية كانت وستظل مرتبطة بحقيقة أن الولايات المتحدة "قوة عالمية" لها مصالحها الواسعة في مختلف المناطق، بما فيها منطقة الشرق الأوسط، وأن مصر "قوة إقليمية" لها التزاماتها ورؤيتها لقضايا المنطقة. ولذلك، فإن الاعتراف بهذه الحقيقة يجعل العلاقات تنطوي علي كل من ضرورات التعاون، وكذلك إمكانات الاختلاف، وهو الواقع الذي يفرض أهمية التشاور والحوار الاستراتيجي المستمر بين الجانبين.