تاريخ النشر 26 يوليو 2015
عرض: أحمد محمود مصطفي- باحث في الشئون العربية
Frederic M. Wehrey, Sectarian Politics in the Gulf: From the Iraq War to the Arab Uprisings, (New York: Columbia University Press, 2014)
يقدم فريدريك ويري في كتابه تحليلا تاريخيا وثقافيا للطائفية في دول الخليج العربي، والعوامل المؤثرة في التوترات والصراعات الطائفية القائمة بالمنطقة، فضلا عن تنقيحه للتفسيرات المطروحة من قبل الباحثين والمحللين الغربيين حول هذا الصراع الطائفي. ويناقش الكتاب العوامل الداخلية والإقليمية المتشابكة، وأثرها علي الانقسام الطائفي الخليجي.
السياسات الطائفية والتوترات الخليجية:
بداية، يشير الكاتب إلي أن الانقسام المذهبي الشيعي - السني لم يكن في حد ذاته محددا ذا أولوية لما يحدث من صراعات وتوترات في منطقة الخليج العربي، لكن المحدد الأبرز في هذه التوترات والصراعات كان الهوية الطائفية علي مر التاريخ، فاستخدمتها النخب السياسية كأداة من أدواتها. كذلك، يعرف المواطنون العاديون أنفسهم علي أساس الهوية الطائفية لإقصاء الانتماءات الأخرى.
وأوضح فريدريك أن الهوية الطائفية تضرب - علي عكس الافتراضات المطروحة بالمنطقة - بجذورها في السياق الداخلي، علي الرغم من التدخلات الخارجية، والثورات والحروب التي كان لها بكل تأكيد تأثير في الصراعات والتوترات الخليجية. كما أن قوة الهويات الطائفية العابرة للحدود الوطنية في العالم العربي، في ظل ضعف النظم السلطوية والاستبدادية، جعلت لقيام الثورات والاضطرابات في أي منطقة بالإقليم تأثيرا قويا في باقي المنطقة.
الشيعة ما بين الطائفية وتخطي الحدود الوطنية:
ناقش فريدريك في كتابه الانتماءات الشيعية العابرة للحدود الوطنية كأحد أهم العوامل المؤثرة في سوء فهم طبيعة المذهب الشيعي والطائفية الشديدة بمنطقة الخليج العربي. فأوضح أن كل دول مجلس التعاون الخليجي تُحكم بنظم ملكية سنية - باستثناء عُمان - وثلاث دول من مجلس التعاون - وهي البحرين، والسعودية، والكويت - تضم نسبة لا يمكن إغفالها من السكان الشيعة، الذين يعانون مستويات مختلفة من التهميش السياسي، والحرمان الاقتصادي والاجتماعي، والتمييز الديني، والنفوذ السياسي. وأشار إلي أنه في كثير من الأحيان، نظرت الطوائف الشيعية في منطقة الخليج إلي الخارج بحثا عن الدعم والأيديولوجيات الثورية لتغير النظم الملكية، مثل الناصرية، والشيوعية، والبعثية، والثورة الإسلامية بإيران. وقد استفادت الطوائف الشيعية في منطقة الخليج بالروابط العائلية والدينية - التي تربطهم بنظرائهم في لبنان، والعراق، وإيران - والتي دعمت بدورها نشر الفكر الشيعي في محاولات التخلص من النظم الملكية.
ويطرح فردريك أحد العوامل الأكثر تأثيرا في فهم طبيعة المذهب الشيعي، ألا وهو المؤسسة الدينية الشيعية "المرجعية التقليدية". نظريا، سلطة المرجعية غير محدودة، ولا تتقيد بالحدود الوطنية، لذا كان لها تأثيرها في إشكالية تكامل واندماج الشيعة في مجتمعاتهم، حيث تولدت لدي الطوائف السنية شكوك بعدم ولاء الشيعة لدولهم. ويكمن داخل هذه الشكوك تساؤلات تطرق إليها المؤلف، وهي: هل للمؤسسة المرجعية العابرة للحدود سلطة توجيهية، أم إرشادية؟ وهل يتخفي وراء المطالب الدينية والاجتماعية أهداف سياسية؟.
أظهر المؤلف أن هناك العديد من الكتاب الشيعة ناقشوا هذه التساؤلات بهدف تحقيق اندماج فعلي وحقيقي للشيعة في مجتمعاتهم، فطالبوا بإصلاحات وجوبية مسبقا بالمؤسسة الدينية الشيعية "المرجعية التقليدية" لمواكبة متطلبات الدولة الوطنية الحديثة. ولا يزال الجدال قائما بين الطوائف الشيعية ذاتها، مما ألقي بظلاله وتأثيره العميق في الأحداث الإقليمية.
الوجود الشيعي بالخليج والاضطرابات الإقليمية:
عرض فريدريك في كتابه إحدي الظواهر التي يساء فهمها، والمتعلقة بالمسألة الطائفية بمنطقة الخليج، وهي تأثير الاضطرابات الإقليمية. فأخيرا، كان هناك عدد من الاضطرابات التي أثرت بشكل أو بآخر في الطائفية بالخليج، أهمها: الثورة الإيرانية عام 1979، وغزو العراق عام 2003، وحرب لبنان عام 2006، وأخيرا ثورات الربيع العربي عام .2011 وبعكس النقاشات الدائرة في العالم العربي، وبعض المحللين الغربيين، يري الكاتب أن هذه الأحداث أسهمت في تعزيز الطائفية، ولم تكن سببا لها. وتناول المؤلف الاضطرابات الإقليمية سالفة الذكر وآثارها الطائفية علي النحو الآتي:
أولا- الثورة الإسلامية في إيران: ذكر المؤلف أن المحللين العرب يرون الثورة الإيرانية منبعا للطائفية والصراع المذهبي. فالثورة الإسلامية -وفق رؤية المؤلف - شكلت الانقسام المذهبي الحاد بين السنة والشيعة، من خلال طرح الثورة الإسلامية بالخطاب الديني الشيعي كمسألة ذات حساسية شديدة، فضلا عن تبني النظام الإيراني الجديد سياسة خارجية عدوانية رفضت الاعتراف بشرعية الأنظمة الخليجية، بينما قدم الدعم المعنوي والمادي للطوائف الشيعية بالمنطقة. ويبين فريدريك أنه قد يكون أحد أهم أسباب الطائفية - التي انتشرت في ذلك الوقت- التعبئة المضادة من الجانب الآخر "الجانب السني"، حيث واجهت دول المنطقة تحديات الثورة الإيرانية - خاصة السعودية- بنشر مفهومي العروبة والسلفية كجزء من استراتيجية التعبئة المضادة لمنع انتشار عدوي الثورة الإسلامية.
ثانيا- غزو العراق (3002): يري فريدريك أنه بسقوط نظام صدام حسين، تحطمت التوازنات الإقليمية، وعاد الانقسام الطائفي من جديد كإحدي سمات السياسة الخليجية. فقد أسهم سقوط الرئيس العراقي في ظهور شبح سيطرة الشيعة علي العراق، وخلق سبل اتصال بإيران، مما يخل بالتوازنات الإقليمية، ومن ثم يكون الأمر الأكثر سوءا في الدعم الذي سيحصل عليه الشيعة بالسعودية، والبحرين، والكويت لإثارة الاضطرابات. وفي السياق ذاته، اتخذت إيران في سياساتها الخارجية مواقف أكثر حدة، خاصة مع صعود التيار المحافظ بقيادة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، الذي تبني لهجة شيفونية حادة تجاه دول الخليج. لذا، بدأت النظم الحاكمة بدول الخليج - بقيادة السعودية - الحشد من جديد علي أسس طائفية لنشر السلفية في مواجهة المد الإيراني المنتظر.
ثالثا- حرب لبنان (6002): في سياق متصل، يبين المؤلف أثر حرب لبنان الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل علي زيادة حدة الانقسام الطائفي، حيث أشادت الدول العربية عبر المنطقة بأكملها بأداء حزب الله في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي. إلا أن أداء حزب الله المثير للانتباه، وانتماءه للمنافس التاريخي للدول الخليجية -إيران- كان أمرا مقلقا. فظهرت الطوائف الشيعية في الخليج بموقف الفائز بالمعركة، والذي أثر في شرعية الحكام العرب، لذا أصبحت الدول الخليجية في حالة عدم ارتياح لما شهدته من استيلاء إيران علي دورها في القضايا الإقليمية.
رابعا- ثورات الربيع العربي والدعم المعنوي للطوائف الشيعية: تناول فريدريك ثورات الربيع العربي، والتهديدات التي شعر بها الخليج إبان هذه الثورات، حيث عززت رياح التغيير العربية مواقف الطوائف الشيعية، فخرجت في احتجاجات متفرقة للدفاع عن مطالبهم. وتعبر المستويات المختلفة لهذه الاحتجاجات في كل دولة عن درجة اندماج الشيعة في مجتمعاتهم، وعن مشاركتهم في الحياة السياسية، وحيازتهم للثروة. ويري المؤلف أن أصوات الشيعة في الخليج لم تكن مدفوعة من قبل الطوائف الشيعية في الخارج، وإنما نتيجة عدوي الثورات العربية، فتجسدت بشكل ملحوظ في مزيج من إحباط الشباب والشعبوية، ولم تكن طائفية بالأساس. وقد استعادت أنظمة هذه الدول ومؤيدوها التكتيكات التقليدية العتيقة - حسبما يشير المؤلف - باتهام هذه الاحتجاجات، كونها جزءا من مؤامرة إيرانية، بالإضافة إلي أن الحرب الأهلية في سوريا منحت النظم الخليجية الفرصة لاستخدامها كفزاعة من الصراع الطائفي، وإلهاء شعوبها، حيث قال أحد الإصلاحيين في السعودية في أوائل 2013 ساخرا: "الحرب السورية أخرت الربيع العربي في المملكة العربية السعودية لمدة عامين".