تاريخ النشر: 31 مايو 2015
عرض: عمرو عبد العاطي - محرر مشارك بمجلة السياسة الدولية، باحث متخصص في الشئون الأمريكية
Colin Dueck, " The Obama Doctrine: American Grand Strategy Today", (New York: Oxford University Press, 2015)
مع مرور أكثر من ست سنوات على تولي إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قيادة الولايات المتحدة رسميا منذ العشرين من يناير 2009، ظهرت كتابات عدة تُقيم سياسته الخارجية، لا سيما أن أوباما قد عُلقت عليه الآمال لإحداث تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية بعد عسكرتها، خلال السنوات الثماني للرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، وسيطرة تيار المحافظين الجدد على صناعة القرار، والتي شهدت تدهورا وتراجعا في الصورة والمكانة الأمريكية عالميا، فضلا عن فقدان واشنطن العديد من حلفائها التقليديين حول العالم.
انقسمت تلك الكتابات حول تقييم السياسة الخارجية الأمريكية لأوباما حول ما إذا كانت لديه رؤية متماسكة للسياسة الخارجية الأمريكية تُشكل عقيدة يسعي إلى تطبيقها وتنفيذها على المسرح الدولي، أم لا. فيري عدد منهم أن أوباما ليست لديه عقيدة في مجال السياسة الخارجية على غرار الرؤساء السابقين، في حين رأى آخرون أن لديه عقيدة، ولكن اختلفوا حول مرتكزاتها.
وفي هذا السياق، يأتي كتاب كولن دوك، أستاذ الشئون الدولية بجامعة جورج مايسن الأمريكية، بعنوان "عقيدة أوباما: استراتيجية أمريكا الكبرى اليوم The Obama Doctrine: American Grand Strategy Today"، ويحدد الكاتب معنى "عقيدة أوباما" بنسق ثابت في سياسات الرئيس الأمريكي، وليست مجرد ردة فعل على التطورات الدولية.
محورا "عقيدة أوباما"
يُشير دوك في كتابه إلى أن عقيدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي كانت وليدة بحث ودراسة من قبله تقوم على محورين رئيسيين، هما:
المحور الأول: تقليل الانخراط الأمريكي في الشئون الدولية، المقابل التركيز على الداخل الأمريكي من أجل بناء الولايات المتحدة، وتمرير مشاريعه الليبرالية، حيث يرى الرئيس الأمريكي أن حفاظ الولايات المتحدة على مكانتها العالمية، في ظل المتغيرات الدولية، وصعود قوى دولية جديدة تُنافسها على المكانة والنفوذ على الصعيد الدولي، ينطلق بالأساس من الداخل الأمريكي. وهو التوجه الذي أكده باراك أوباما في استراتيجيته للأمن القومي الأمريكي لعامي 2010 و2015.
تلك الرؤية لأوباما لتقليل الانخراط الأمريكي في القضايا الدولية ترتبط بقضية بمساعيه هو وأعضاء من حزبه (الحزب الديمقراطي) في الكونجرس(مجلسى النواب والشيوخ) إلى تقليص ميزانية الدفاع الأمريكية، وإنهاء التزامات الولايات المتحدة الخارجية المكلفة ماليا، والتي يأتي في إطارها سحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، وعدم الدفع بجنود أمريكيين في النزاعات والصراعات الدولية إلا في أضيق الحدود، وبمشاركة حلفائها ليتقاسموا مع الولايات المتحدة المهمة والتكلفة.
يقول الكاتب إن تقليل الانخراط الأمريكي غير المأمون في قضايا دولية، حسبما يري الرئيس الأمريكي، سمح له التركيز على قضايا الداخل الأمريكي، مثل: قضايا الهجرة، والرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، التي تُعد أولوية أولي لأوباما. ويُشير دوك إلى أن نجاحه في إحراز تقدم في تلك القضايا الداخلية مكنه من الفوز بفترة رئاسية ثانية.
المحور الثاني: السعي لاحتواء الخصوم (الصين، وروسيا، وإيران)، وتقديم التنازلات لهم على أمل تغيير سلوكهم المعادي للولايات المتحدة على الصعيد الدولي.
يرى الرئيس الأمريكي - حسبما يشير الكاتب - إلى أن تلك العقيدة القائمة على تقليل الانخراط والوجود الأمريكي المباشر في الساحة الدولية، وانتهاج سياسة أكثر استيعابا ومرونة للأخطار الدولية والخصوم، من شأنها أن تجعل العالم أكثر أمنا عكس ما يردده أنصار التيار التدخلي في الشئون الدولية، والذي يركز على زيادة الانخراط الأمريكي في الشئون الدولية من أجل استقرار وأمن النظام الدولي.
إخفاق الاحتواء
في تقييم لعقيدة الرئيس الأمريكي، يرى الكاتب أنها لم تُحقق ما كان يصبو إليه باراك أوباما، بل إنها أوجدت من المشكلات أكثر من عملها على حل الأزمات التي واجهتها الولايات المتحدة مع خصومها على المسرح الدولي، حيث أدت سياسة تقديم التنازلات، واحتواء منافسي الولايات المتحدة (الصين، وروسيا، وإيران) إلى أن فقدت واشنطن عددا من حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وآسيا، ووسط أوروبا الشرقية.
ويرى الكاتب أنه على الرغم من تقديم الإدارة الأمريكية تنازلات لخصومها الثلاثة، فإنهم لا يزالون يرون فى الولايات المتحدة الأمريكية عائقا أمام طموحاتهم الإقليمية. ويشير إلى أن تلك الدول الثلاث قد تبنت سياسات أكثر حزمًا وعداءً خلال فترة أوباما.
ويضيف دوك أن النهج الذي تبناه أوباما، القائم على تقليل الانخراط في الشئون الدولية، مقابل التركيز على الداخل الأمريكي، جعل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين على اقتناع بأنها تتراجع عن دورها التقليدي، وهو الأمر الذي شجع على اشتعال الصراعات، وتعقدها، وتأزمها، وفقد حلفاء واشنطن التقليديين الثقة في أي التزامات أمريكية، والسعي لإعادة النظر في تحالفاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتحدث الكتاب عن فجوة بين خطاب أوباما في السنة السادسة من حكمه، والحقائق الدولية. ففي بداية إدارته، تعهد الرئيس الأمريكي بالعمل على القضاء على الأسلحة النووية من كافة أنحاء العالم. لكنه في إدارته الثانية، تخلى عن هذا الهدف بقبول امتلاك إيران برنامجاً نووياً قد يُمكنها من تخطي العتبة النووية، والذي من شأنه أن يُشعل سباق الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن كوريا الشمالية - إحدى الدول المارقة - اختبرت حكم الرئيس أوباما بتحدي أسلحة نووية وصورايخ بعيدة المدى.
ويري الكاتب أن الرئيس أوباما بالغ في نجاحاته لمكافحة الإرهاب العابر للحدود، قائلا إن تنظيم القاعدة في نمو، وتنتشر فروعه في كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وإن الإدارة استخدمت أكثر بكثير من إدارة "بوش" الابن الطائرات بدون طيار لاستهداف الجهاديين. وعلى الرغم من أن استخدام الطائرات بدون طيار - وفق دوك - عنصر حيوي في مكافحة الإرهابيين، فإنه يُثير إشكالية حول الالتزام الأمريكي بتحقيق الأمن الأمريكي والعالمي، مقابل احترامها لقيم حقوق الإنسان التي تدافع عنها.
تراجع في الشرق الأوسط
يرى دوك في كتابه أن "عقيدة أوباما" أحدثت تراجعاً في الدور والصورة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفقدان حلفائها بالمنطقة الثقة في الولايات المتحدة، وتعهداتها بحمايتهم. فأشار إلى أنه على الرغم من محاولات أوباما للتواصل مع العالم الإسلامي في بداية إدارته، فإن الصورة الأمريكية في المنطقة في تراجع، مقارنة بإدارة بوش الابن. وأَضاف أنه بعد ست سنوات من خطاب أوباما في جامعة القاهرة للعالم الإسلامي، تزدري جميع الأطراف في مصر (الليبراليون، والعلمانيون، والإخوان المسلمون، والجيش) الرئيس الأمريكي، كما دعمت الولايات المتحدة من الخلف قوات الناتو للإطاحة بـمعمر القذافي في 2011، تاركة ليبيا دولة فاشلة، وملاذاً آمنا للتنظيمات الإرهابية، وأمراء الحروب، والجريمة المنظمة الإسلامية، وأن الانسحاب الأمريكي من العراق تركه - أيضا - ساحة للتنظيمات الإسلامية المتطرفة.
ينتقد الكاتب السياسة التي تبنتها إدارة أوباما الهادفة لإقامة توازنات إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، مع تأكيد عدم سعي أي قوى شرق أوسطية للسيطرة والهيمنة على المنطقة بما يسمح للولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة، وعدم التدخل إلا للحفاظ على توازن القوى، حيث يرى أن تلك السياسة أدت إلى عكس ما توقعته الإدارة بأن اختل ميزان القوى لمصلحة إيران بصورة تمكنها من السيطرة والهيمنة على المنطقة.
وينتقد دوك أيضا سياسة الرئيس الأمريكي تجاه إيران، والتي أعلن عنها أوباما، خلال حواره مع توماس فريدمان، عقب التوصل إلى اتفاق إطاري بشأن البرنامج النووي الإيراني في الأول من أبريل الماضي، والتي تتلخص في أن سياسة الاحتواء وتقديم التنازلات لإيران، خلال المفاوضات بشأن برنامجها النووي، قد تدفعها إلى تغيير سياساتها التقليدية المعادية للولايات المتحدة الأمريكية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وقال دوك في كتابه إن النظام الإسلامي الإيراني المراوغ استفاد من التنازلات الأمريكية دون تغيير جدي في سياساته الإقليمية التي تزعج حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تستغل إيران التنازلات الأمريكية بتفكيك البرنامج النووي الإيراني، مع إمكانية الحفاظ عليه، مع رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها بشأن برنامجها النووي، والتي من شأنها العمل على تحسن الاقتصاد الإيراني في تعزيز سياساتها التدخلية في قضايا المنطقة.
خلاصة القول، أدت "عقيدة أوباما" القائمة على تقليل الانخراط الأمريكي خارجياً، مع التركيز على الداخل لتنفيذ سياساته الليبرالية، إلى تدهور المكانة والدور الأمريكي عالميا، لتصبح السياسة الخارجية الأمريكية للرئيس باراك أوباما، في فترته الرئاسية الثانية، غير شعبية، بل أضحت مصدر قلق له ولحزبه.
ولذا، فمن المتوقع أن تكون سياسة الرئيس أوباما الخارجية، ومواقفه من القضايا الدولية، محل انتقاد وهجوم شرس، ليس فقط من قبل مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، ولكن أيضا من قبل المرشح الديمقراطي الذي يتوقع أن يتبرأ منها.