تحليلات - عالم عربى

حزب التجمع اليمني للإصلاح.. وعاصفة الحزم

اليمني-للإصلاح---داخلية
طباعة
تاريخ النشر: 17-5-2015
 
 "اقتنص الفرصة فالوقت لا يعود"، ينطبق هذا المثل على حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي واتته الفرصة مرة ثانية ليكون ضمن المشهد السياسي اليمني كفاعل له مكانته، وليس كمفعول به ينتظر ما يصنعه به الآخرون. فمع بداية هجمات "عاصفة الحزم"، كان متوقعا أن يشارك حزب التجمع بكل قوته في نصرة الشرعية المدعومة عسكريا من دول عربية.
 
  لكن التردد كان السمة الأساسية لحزب التجمع. فبعد صمت دام أكثر من أسبوع، لم يؤيد خلالها، أو يرفض عاصفة الحزم، نطق بتأييده لها، ولكن بدون مشاركة فعلية في الحرب الدائرة رحاها في اليمن، رغم البيان القوي الذي أصدرته أمانته العامة، وجاء فيه أن "تعنت الحوثيين وانقلابهم على الحوار، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي المنتخب وأعضاء حكومة الوفاق، وتعطيل مؤسسات الدولة الرسمية، واجتياح المناطق، دفع الرئيس هادي إلى البحث عن دعم ومساندة، تعيد الحياة إلى مسارها الصحيح". "وعبر البيان عن الأمل فى أن تعيد هذه العملية (عاصفة الحزم) الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح، وإخراج البلاد من الأزمة التي تسبب بها الحوثيون وحلفاؤهم، الذين يتحملون كامل المسئولية عن كافة النتائج المترتبة على هذه العملية". ولكن هذا الكلام الواضح لم يقترن بفعل من أي  نوع.
 
وأرجع البعض ذلك إلى قيام الحوثيين باختطاف العديد من قيادات الإصلاح، وعلى رأسهم أربعة من القيادات العليا، إضافة إلى العشرات من القيادات الشابة في الحزب، بدعوى أن الإصلاح يؤيد "الحرب على الشعب اليمني".
 
غير أن بعض شباب الحزب وأنصاره في محافظات مختلفة أبوا ذلك الموقف السلبي، فشاركوا ضمن مجموعات المقاومة الشعبية، بل وقُتل منهم العديد. ويتطلب تفسير سلوك الحزب في الأزمة الراهنة عودة إلى خلفيته وارتباطه بجماعة "الإخوان" منذ تأسيسه. فما إن تحققت الوحدة اليمنية، حتى استطاعت حركة الإخوان إبرام تحالفات مع رموز قبلية، وشخصيات اجتماعية، لتأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح رسميا في 13 سبتمبر 1990.
 
ويثبت البون الكبير بين موقف الحزب الرسمي وبين شبابه، وجوب ضخ دماء جديدة شبابية، بجانب الخبرات المتواجدة، تكون سريعة التجاوب والتفاعل مع معطيات وأطروحات المشهد اليمني، الشديدة التغير بين الحين والآخر.
 
نجاحات حزب الإصلاح وإخفاقاته
 
جمع الحزب في نسيجه التكويني ثلاثة روافد مهمة ومؤثرة، الأول هو الرافد الديني المتمثل في معظم التيارات الإسلامية، والثاني هو القبيلة، متمثلة في انضمام بعض رموز القبائل ووجهائها لحزب الإصلاح، من أمثال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي صار رئيسا للحزب، ورئيسا لمجلس النواب، وهو شيخ شيوخ قبيلة حاشد. ولما اجتمع للحزب الخطاب الدعوي الديني المؤثر مع السلطة والوجاهة القبلية، كان لابد أن يكون هناك رافد ثالث للحزب، هو رافد التمويل الاقتصادي، وتم ذلك بضم عدد من كبار التجار وأصحاب رءوس الأموال للحزب. ونرى هنا أن حركة الإخوان حاولت أن تتجنبت ما سقط فيه غيرها من الجماعات والتيارات الإسلامية الأخرى التي افتقدت رافد التمويل الذاتي الذي جعلها أسيرة لوجهات ورؤى خارجية عجلت بضعفها، ومن ثم فقدانها للتفاعل مع البيئة والمشهد اليمني المختلف عن غيره في البلدان المجاورة، وسلبها كذلك القدرة على أخذ قراراتها الفارقة من داخلها دون فرض آراء ووجهات نظر خارجية(1). 
 
لكن حزب التجمع واجه معوقات عدة، منها طبيعة الشعب اليمني وتقاليده التي لم تجد حركة الإخوان أو حزب التجمع بسببها جديدا  يقدمانه في هذا الشأن.
 
وكذلك، لم يستطع حزب الإصلاح تجنب الصدام مع مكونات الشعب الفكرية، سواء في المناطق الشمالية، حيث الوجود الشيعي الزيدي، أو في المناطق الجنوبية والشرقية، حيث الوجود الصوفي. 
 
مر حزب الإصلاح بمراحل متعددة، بين موالاة السلطة ومعارضتها، وإبرام التحالفات والاتفاقيات، التي تأثرت بشكل مباشر بحالة الحزب الداخلية، والمشهد السياسي العام لليمن.
 
ومع حدوث أول عملية فرز فعلي داخل التجمع بعد حرب صيف 1994،  بدأ الحزب فى تخليص نفسه ممن يخالف آراءه واتجاهاته السياسية والحزبية، فشارك حزب الإصلاح في تحالف مع المؤتمر الشعبي العام  في حرب 1994م ضد الحزب الاشتراكي اليمني، ودخل معه في حكومة ائتلافية، للإطاحة بالحزب الاشتراكي من المشهد السياسي اليمني،  ثم حدث الانشقاق بين الحليفين، وذلك بعدما كسبت السلطة معركتها مع الحزب الاشتراكي، فخرج حزب الإصلاح من الائتلاف في عام 1997م، وانضم إلى صفوف المعارضة، وتحالف مع خصوم الأمس القريب، الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب الحق "ذى العقيدة الزيدية"، والحزب الناصري، وحزب البعث. حيث انضم الحزب لتكتل أحزاب اللقاء المشترك عام 2003م ، رغم وجود اضطرابات في العلاقة مع هذه الأحزاب. ومع وجود خلافات كبيرة مع هذه الأحزاب، كان من الطبيعي أن يكون تحالفه معها صورياً، وبالتالي لم يضف جديداً على الساحة السياسة اليمنية، ولم يمنعه هذا التحالف من إبرام الصفقات السياسية مع حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبد الله صالح.
 
موقف الحزب من الثورة اليمنية
 
ومع قيام ثورة الشباب في  15 يناير 2011، خرجت جموع الطلاب تنادي بتغيير النظام، آملة فى أن تستطيع تحقيق ما حققته ثورة الياسمين في تونس بإجبار علي زين العابدين على ترك البلاد، وضمت مجاميع الطلاب الثائرة كل شرائح الشعب اليمني تقريبا، ولم يكن لحزب دون آخر الفضل في إشعال هذه الثورة، بل كانت نابعة من كل قطاعات الشعب اليمني،  وكان هتاف الثوار "لا حزبية ولا أحزاب، ثورتنا ثورة شباب".
 
وشارك أعضاء من حزب الإصلاح في الاحتجاجات في العديد من المدن كصنعاء، وتعز، وعدن، وغيرها، ولكن ظهرت أزمة ثقة بين الثوار والقيادات القبلية والعسكرية التي أعلنت تأييدها للاحتجاجات، خاصة تلك المرتبطة بحزب الإصلاح. فقد رأى فريق من الثوار أن قيادات حزب الإصلاح لا تريد نصرة الثورة قدر ما تسعى لمكاسب سياسية جديدة، وزادوا على ذلك بأن أي دور مستقبلي لحميد الأحمر، وعلي محسن الأحمر، وصادق الأحمر، وعبد المجيد الزنداني سيكون أسوأ من حكم علي عبد الله.
 
وزاد مؤيدو حزب الإصلاح من نفوذهم داخل مخيمات الاعتصام، وظهر الشيخ عبد المجيد الزنداني في ساحات الاعتصام معلنا قيام "دولة إسلامية"، وردد أعضاء حزب الإصلاح هتافات غير التي رددها الثوار المستقلون، فقالوا: "لا حوثية ولا إيران ثورتنا ثورة إخوان"، في حين كان شعار الشباب المستقل "لا حزبية ولا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب"، رافضين أن يستحوذ حزب أو جماعة على ثمرة تحققت بدماء الشعب اليمني الحر، متهمين حزب التجمع للإصلاح بالتردد، وأنه يمثل الماضي بكل سلبياته.
 
فحزب الإصلاح تعامل مع الثورة بشيء من التردد بين إسقاط النظام كليا، أو التخلي عن علي عبد الله صالح وإسقاطه وحده، ففضل الحزب الاختيار الثاني، وهو إسقاط علي عبد الله صالح وحده، مع الإبقاء على بعض أجهزة ومؤسسات الدولة التي يبسط الحزب نفوذها عليها، وهذا ما اعترض عليه بشدة الشباب المستقل.
 
علاقة الحزب بالتنظيم الحوثي
 
لم تكن هناك مشكلة كبيرة بين جماعة الإخوان بوجه عام والثورة الإيرانية، بل على العكس كان هناك إعجاب وتأييد للثورة الإيرانية، ثم  لحزب الله، ذراع إيران في لبنان في حرب 2006م مع إسرائيل.
 
غير أن إخوان اليمن يختلفون كثيرا عن إخوان مصر ولبنان، فهم أقرب للسلفية في بعض رؤاهم، فلم يكن هناك هذا الترحيب بالحوثيين، الذراع الإيرانية في اليمن. بل على العكس، كان حزب الإصلاح وحركة الإخوان يريان أن التنظيم الحوثي هو العدو الأخطر لحزب الإصلاح، ولليمن ككل، فحدثت مواجهات سياسية وعسكرية بين حزب الإصلاح والتنظيم الحوثي، خصوصا مع تصاعد نفوذ التنظيم في كل اليمن، وسعيه الدائم في السيطرة على مزيد من المحافظات والمدن اليمنية، وعمله المستمر في بسط نفوذه، وفرض وجوده في كثير من أجهزة الدولة السيادية وغيرها. كل ذلك عجل بصدامه مع الأجنحة المسلحة لحزب الإصلاح لخوض عدة معارك معه، وجمعت هذه المعارك بين المظهر الطائفي، والشكل السياسي، وكذلك كانت ترتبط بشكل وثيق بتوازنات القوى في المشهد اليمني.
 
 ورغم توقف الحرب السادسة رسميا في 2010م ، فقد كانت هناك اشتباكات صغيرة ومتقطعة بين حزب الإصلاح والحوثيين داخل مخيمات الاعتصام الثوري في صنعاء 2011م، وزادت الخلافات في 2012م، واشتدت مع اقتراب موعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني. ومع دخول الحرب السابعة حرب محافظة عمران، عمد الحوثيون إلى استغلال الفترة بين الحرب والأخرى بتوسيع قاعدتهم الشعبية في المحافظة بشتى الأساليب، وكان رد فعل اللواء علي محسن الأحمر، القريب من الإخوان، إصدار تحذير من سرطان الحوثيين الذي ينهش في جسد الشعب اليمني على حد زعمه، وحذر كل من يناصرهم أو ينشر أفكارهم باستحلال دمه وماله.
 
وعادت الصدامات مرة أخرى مع دخول الحوثيين صنعاء وتدميرهم لمقر حزب الإصلاح، واقتحامهم لمنازل مسئولين فيه.
 
هدنة واتفاق
 
وفي 28 نوفمبر، 2014م، اتخذ حزب التجمع للإصلاح خطوة فاجأت البعض، حيث قام وفد رفيع المستوى من الحزب بلقاء عبد الملك بدر الدين الحوثي، قائد التنظيم الحوثي في صعدة، من أجل طي صفحة الماضي، وإعادة بناء الدولة اليمنية من جديد، وإجراء محادثات سرية فسرها البعض بأنها لعبة سياسية جديدة لحزب الإصلاح، لتحقيق مصالحه. فيما رأى البعض الآخر أنها خطوة اضطرارية بسبب تنامي قوة الحوثيين، فضلا عن الوضع الإقليمي الصعب لتنظيمات الإخوان المسلمين، ومن ضمنها حزب الإصلاح، الأمر الذي جعل من الهدنة مع الحوثيين أمرا واجبا وقتيا وكأنها فترة "استراحة محارب"، على حد زعمهم.
 
غير أن الحوثي لم يُمكّن حزب  التجمع للإصلاح من الاستفادة بتلك الهدنة المؤقتة، بل قام باقتحام مراكز الحزب في كل مكان سيطر عليه، وقتل العديد من أعضائه وشبابه، واعتقل البعض، وفرض الإقامة الجبرية على البعض الآخر.
 
عودة من جديدة
 
ومع تواصل المملكة العربية السعودية مع حزب التجمع، وإجراء بعض الاتصالات مع علي محسن الأحمر، بدت بوادر انفراجه للأزمة التي يعانيها الحزب ليعود من جديد للمشهد اليمني، عبر المشاركة في مواجهة التنظيم الحوثي، لكن الحزب لم يتحرك لاستثمار هذه الفرصة حتى الآن، الأمر الذي يثير سؤالا مهما، ستحمل الأسابيع القادمة إجابة عليه، وهو: هل يعني ذلك ضعفا في قدراته، أم رغبة في الحفاظ على هذه القدرات ليصبح الرابح الأكبر بعد انتهاء الحرب؟.
 
الهوامش:
 
(1) تعتمد جمعية الحكمة اليمانية في جزء كبير من تمويلها المالي على جمعية إحياء التراث الكويتية، وشيخها عبد الرحمن عبد الخالق . أما جمعية الإحسان، فترتبط ارتباطا وثيقا أيضا بجماعة المنتدى الإسلامي في لندن، التي تمتلك مقدرات مالية هائلة من خلال العديد من الاستثمارات والتبرعات. وتعتمد جمعية الإحسان على تمويلها أيضا، وكلتا الجمعيتان تتبع المنهج السلفي. 
طباعة

تعريف الكاتب

جمال الدين إسماعيل أبوحسين

جمال الدين إسماعيل أبوحسين

باحث بمؤسسة الأهرام، نائب مدير تحرير مجلة السياسة الدولية.