30 إبريل 2015
عرض باسم راشد - باحث في العلوم السياسية
Juan Cole,
The New Arabs: How the Millennial Generation Is Changing the Middle East, (New York: Simon & Schuster, July 2014)
لم تكن موجة التغيير التي اجتاحت العالم العربي، والتي عرفت بـ "ثورات الربيع العربي"، وليدة لحظة تاريخية معينة، بل هي تراكم لجهود وإسهامات الشباب العربي الذي استطاع إسقاط الأنظمة السلطوية في كل من تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، مستخدما في ذلك أداته الفعالة، وهي شبكات التواصل الاجتماعي، لتوحيد الجهود وتنظيمها لتحقيق هذا الغرض.
في هذا الصدد، يسلط كتاب خوان كول -المدون والخبير في شئون الشرق الأوسط- المعنون "العرب الجدد .. كيف يغير جيل الألفية الشرق الأوسط؟" الضوء علي دور الشباب العربي في إحداث هذا التغيير، وبالتحديد في كل من مصر، وتونس، وليبيا، بالتركيز علي ماهيتهم، ومطالبهم، وحدود تأثيرهم في السياسات الدولية.
الفيسبوك .. أداة الثورة الفعالة:
يصف كول الشباب العربي في كتابه، الذي جاء في تسعة فصول، بـ "جيل الألفية" الذي نجح، علي عكس الأجيال السابقة له، في إسقاط الأنظمة المستبدة في الوطن العربي، مرجعا ذلك النجاح إلي اعتمادهم علي شبكات التواصل الاجتماعي الناتجة عن الثورة التكنولوجية.
ففي تونس، علي سبيل المثال، تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت بنسبة 1.7 مليون بين عامي 2006 و2008، ثم تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت خلال السنوات التي سبقت الثورة، كما بلغ عدد من يمتلكون أجهزة موبايل 90٪ من إجمالي عدد السكان البالغ 10 ملايين نسمة، وكان منهم نحو مليون من مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك". وفي مصر، كان نحو 46٪ من السكان يستخدمون شبكة الإنترنت، ونحو 40٪ لديهم أجهزة موبايل تتيح خدمة الإنترنت في عام .2012 وكذلك الوضع في ليبيا، حتي وإن كان شبابها أقل تواصلا وتفاعلا من خلال تلك الشبكات.
ويشير الكاتب إلي أن التواصل بين الشباب من خلال تلك الشبكات، سواء بنشر صور تعذيب الشرطة للمواطنين، أو تنظيم المظاهرات والمسيرات، أو حتي المشاركة في كتابة كلمات أغنيات الثورة، قد أسهم في توحيد صفوف الشباب، والتغلب علي خوفهم من النزول للميادين لمواجهة قوات النظام.
وبرغم تأكيد الكاتب أهمية شبكات التواصل الاجتماعي كأحد العناصر التي ساعدت في حشد المواطنين في الميادين في الدول المذكورة، فإنه يرفض وصف الإعلام الغربي لها بـ "ثورات الفيسبوك"، مؤكدا أن الشباب احتل بالفعل المجال العام، مثل ميدان التحرير، ولم يكن تفاعله افتراضيا عن طريق الإنترنت.
لذا، فإن هذا الجيل الجديد من الشباب، المتعلم أكثر من سابقيه، والمتحضر والأمهر تكنولوجيا عن سابقيه، هو المحرك الرئيسي لتلك الثورات، خاصة في ظل حالات الإحباط التي يعانونها جراء البطالة، والظلم، وغيرهما من المشكلات. بل يمكن القول إنهم أصبحوا أحد الفاعلين الرئيسيين في المجال السياسي العام بحيث لا يمكن تجاهلهم، بل إنهم سيسهمون في تغيير مستقبل سياسات هذه المنطقة.
اليسار الليبرالي الجديد:
أطلق كول علي هذا الجيل الجديد مصطلح "اليسار الليبرالي الجديد"، مؤكدا أنه يتميز عن اليسار القديم بعدة خصائص، ليس علي المستوي الفكري فقط، بل أيضا علي المستوي التنظيمي. فعلي سبيل المثال:
أ- يؤمن اليسار القديم بالشخصيات أكثر من الإيمان بالأفكار، وبالتالي كان فقدان الشخصيات يمثل انزواء للأيديولوجية نفسها. فالناصرية في مصر بهتت بعد رحيل عبدالناصر، وكذلك حزب البعث في سوريا مع حافظ الأسد، وفي العراق مع صدام حسين. أما اليسار الجديد، فلا يقلل من قيمة الأشخاص أنفسهم، ولا من أهمية القيادة، بقدر ما يفضل الابتعاد عن الهيراركية الحزبية الصارمة، ويحبذ التعامل في إطار شبكي يتيح تفاعلات أوسع وأنشط. ونتيجة لذلك، تلعب النساء دورا أكثر فاعلية، خاصة في مجال الفضاء الإلكتروني، علي عكس اليسار القديم الذي كان يعطي مساحة أكبر للرجال عن النساء.
ب- يتبني اليسار القديم النظرية اللينينية بحيث إن الطبقات العاملة الناجحة تحتاج إلي طليعة من المثقفين والبيروقراطيين للتعبير عن تطلعاتها دون انفصال، فضلا عن أنهم برغم عدم انخراطهم بشكل كامل داخل الأطر البرلمانية، فإنهم يفضلون نظام الحزب الواحد المسيطر. أما اليسار الجديد، فيبدو أنه ربما غير مهتم كثيرا باللينينية. بل إن الشباب اليساري، بدلا من ذلك، يؤمنون بإمكانية اشتراك العمال مع المواطنين بشكل أكثر ديمقراطية دون تفرقة، كما يتبنون الديمقراطية التعددية بدلا من نظام الحزب الواحد بما يتيح الفرصة لعرض أكثر من وجهة نظر مختلفة، وذلك عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة.
ج- علي عكس اليسار القديم في الستينيات، يؤمن هذا الجيل الجديد من الشباب بأفكار الحرية والديمقراطية، وما قد يتبعها من تداعيات، خاصة أن تاريخ اليسار القديم لم يترك لهم سوي العديد من مظاهر الفساد داخل قطاعات الخدمة المدنية بجانب التفاوت الطبقي الكبير داخل المجتمع. لذا، يؤمنون أكثر بأهمية الرقابة والمحاسبة علي جميع الأجهزة من أجل تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين.
ويسوق الكاتب العديد من النماذج علي هذا اليسار الجديد، سواء في شكل حركات اجتماعية، مثل حركة كفاية، و6 أبريل، وتمرد في مصر، أو بعض الحركات الاجتماعية التي ظهرت في تونس وليبيا، أو حتي شخصيات عامة كان لهم عظيم الأثر في تعزيز الإيمان بضرورة تلك الثورات، مثل الدكتور محمد البرادعي، أو الناشط المصري وائل عباس، أو النشطاء التونسيين، أمثال زهير يحياوي، وطارق بوعزيزي وغيرهما، مستعرضا، في إطار تاريخي، السياق العام للأحداث والخصائص العامة لكل حركة من تلك الحركات، بالإضافة إلي بعض الإنجازات التاريخية التي حققتها في المجال العام، وقدرتها علي التأثير في مجريات الأحداث.
رؤية نقدية:
أشار كول في خلاصة كتابه إلي أن "الشباب العربي استطاعوا تغيير مجتمعاتهم إلي الأبد، كما ألهموا نظراءهم حول العالم بأفكارهم عن الحرية والعدالة الاجتماعية، فضلا عن أساليبهم الجماعية في الاحتجاج والتعبير عن الرأي". وكتب أن "الحركات الأصولية التي سعت إلي الاستفادة من هذا الانفتاح السياسي بعد الثورات لفرض أشكال جديدة من الاستبداد الثيوقراطي تعرضت لنكسات شديدة علي أيدي النشطاء الشباب أنفسهم".
واجهت أفكار الكتاب عددا من الانتقادات، تمثل أبرزها في كونها أولا: لم تعط معلومات كمية دقيقة حول السمات الأساسية لجيل الألفية، وهل جميعهم متشابهون أم بينهم اختلافات، وما طبيعة تلك الاختلافات. علي سبيل المثال، يختلف شباب حركة 6 أبريل في مصر عن شباب حركة تمرد. وقد صعب ذلك الأمر من إمكانية فهم أفكار تلك الحركات بدقة، وتقييم قدراتها، ومدي تنوعها السياسي، في ضوء التوزيع الجغرافي الحالي.
كذلك من ضمن الانتقادات التي وُجهت للكتاب أنه أرجع الثورات العربية للشباب فقط، متجاهلا دور العناصر الأخري، سواء من كبار السن، أو الطوائف التي ضمتها ميادين الثورات، بالإضافة إلي أنه حين أكد الكاتب أهمية ومحورية دور المرأة المتسع في إطار الثورات، فإنه لم يأت علي ذكر نموذج واحد لدور المرأة في أي من الدول التي يدرسها في كتابه، واقتصر فقط علي دور بعض النماذج من النشطاء السياسيين.
وأخيرا، وليس آخرا، فقد تغاضي الكاتب عن المشكلات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي، والتي لم يستطع شباب "جيل الألفية" التعاطي معها، ولم يعرفوا كيف يفوزون في الانتخابات لكي يحكموا بالفعل، ويعالجوا تلك المشكلات، وهو ما اعترف به الكاتب بنفسه، حين أكد أن "العديد من النشطاء كانوا يعتقدون أن الديكتاتوريات الفاسدة هي العقبة الرئيسية أمام التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي، فإن إزاحتهم ستسهم مباشرة في تحسين الاقتصاد"، الأمر الذي يصفه البعض بقلة النضج والخبرة السياسية في التعاطي مع مرحلة ما بعد الثورات.