لم تكن استقالة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيجل الأسبوع الماضي إلا أحدث تجليات الأزمة التي تواجه إدارة أوباما في حربها الجديدة على الإرهاب.
ويفيد السياق الذي جاءت فيه هذه الاستقالة أنها ترتبط بالشق المتعلق بسوريا في هذه الحرب، وتعود إلى ارتباك الموقف الأميركي تجاه نظام بشار الأسد، وإن لم يكن هذا هو سببها الوحيد.
وإذا كان تمدد تنظيم «داعش» في غرب العراق وشمال شرق سوريا خلال الصيف الماضي أنهى تردد الإدارة بشأن مستوى انخراطها في أزمات الشرق الأوسط، فإنه لم يضع حداً لحيرتها تجاه الوضع في سوريا وكيفية التعامل معه، فقد ظلت هذه الحيرة مستمرة، بل ازدادت على نحو حال دون إبقاء الخلافات المعبّر عنها داخل الإدارة طي الكتمان.
وكان خروج الخلاف بين البيت الأبيض وهيجل إلى العلن قبيل استقالة الأخير مؤشراً على ذلك،
فعندما نشرت «نيويورك تايمز»، ما يفيد بأن هيجل طالب بمراجعة الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا، لم ينف ذلك في رده على سؤال بشأنه في مؤتمر صحفي.
وكان سهلاً استنتاج أن الخلاف بين هيجل والبيت الأبيض يدور حول تداعيات شن غارات على مواقع «داعش» في سوريا، لكن التعارض الذي ظهر في تصريحين متزامنين لهيجل ورئيس الأركان مارتن ديمبسي في 19 نوفمبر الماضي أكد ذلك.
فبينما تحدث ديمبسي عن أن مهمة التحالف هي هزيمة «داعش»، وليس إسقاط الأسد أو قيادة عملية تحول في سوريا، نبَّه هيجل إلى أن هذا النظام هو الذي خلق الفوضى وفتح الباب للمتطرفين،غير أن هذا الخلاف ليس إلا جزءاً من حالة الحيرة التي تعانيها الإدارة الأميركية تجاه سوريا.
فقد كان ممكناً تغيير سياسة هذه الإدارة في شقها المتعلق بعدم التورط في حروب جديدة، عندما تبين أن خطر الإرهاب في الشرق الأوسط أكبر مما كان يُعتقد، لذلك حسم قرار شن غارات جوية على مواقع «داعش» تردد إدارة أوباما في هذا المجال، غير أن هذا الحسم لم يقترن بمثله على صعيد السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، وظلت المسافة الواسعة بين الخطاب الرسمي والسياسة الفعلية، تعبيراً عن حيرة تشتد حين تنطوي الخيارات كلها على مخاطر آنية أو مستقبلية.
فقد صار الوضع في سوريا معقداً منذ أن نجح نظام الأسد في تحويل مسار الانتفاضة التي بدأت سلمية، ودفعها إلى التسلح لمواجهة الاعتداءات الهائلة ضدها.
وازدادت الأزمة تعقيداً مع دخول الإرهاب على خطها، بدءاً بتسلله في ثنايا الحرب الأهلية، وتناميه تدريجياً إلى أن صار هو ونظام الأسد الطرفين الأقوى في الصراع على سوريا، في الوقت الذي تراجع حضور القوى المعارضة المعتدلة وانتشارها.
وهكذا أدى التأخر في اتخاذ موقف حاسم على الأرض تجاه نظام الأسد، أو حتى رأس هذا النظام فقط، إلى وضع شديد التعقيد فرض على إدارة أوباما التعامل معه بحذر، لكن إفراطها في هذا الحذر أضعف قدرتها على التأثير في مسار الصراع السوري، في الوقت الذي تنامى دور إيران ومليشيات لبنانية وعراقية تابعة لها.
وربما تكون هذه الحيرة أشد الآن في ظل عدم قدرة أوباما على معالجة المفارقة التي ظهرت بوضوح عندما حسم موقفه باتجاه الانخراط في حرب جديدة ضد الإرهاب، فقد اقترن هذا الحسم بمُحَّددين هما عدم التورط في حرب برية، والعمل لتغيير البيئة التي أتاحت تمدد الإرهاب وتناميه مجدداً.
ورغم أن المحدّد الثاني ينطبق على كل من العراق وسوريا، فقد تعامل أوباما معه بشكل انتقائي، فهو يلتزم به في العراق فقط منذ أن ربط بدء العمل العسكري الجوي ضد «داعش» بتشكيل حكومة معبرة عن المكونات السياسية والاجتماعية الأساسية وملتزمة بإنهاء الانقسام المذهبي الذي أتاح ملاذاً لـ«داعش» في المناطق السُنية.
وإذا صح أنه لم يكن ممكناً الشروع في مواجهة «داعش» بدون استبعاد نورى المالكي وتغيير حكومته، فهذا صحيح أيضاً فيما يتعلق بالأسد ونظامه.
لذلك نطق أوباما بنصف الحقيقة فقط عندما قال، خلال قمة مجموعة العشرين في بريزبن الشهر الماضي، إن التعاون مع الأسد ضد «داعش» يُضعف التحالف، فيما أرجأ نصفها الآخر إلى أن يجد مخرجاً من حيرته.
---------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الخميس، 4-12-2014.