تواجه مصر في الفترة الأخيرة، وبالنيابة عن العالم، إرهابًا شرسًا يباغتها بين الحين والآخر بعمليات نوعية ومتطورة في آلياتها، وطرق تنفيذها، تستهدف تحقيق أكبر قدر من الخسائر بين صفوف الجيش والشرطة من أجل زرع بذور الشك والريبة في قلب الشعب المصري حول قدرة جيشه على دحر الإرهاب، بهدف إثارة الفتنة داخل المجتمع.
وفي ظل جهود المصريين بالداخل والخارج لدعم البلاد في مواجهتها لهذا الإرهاب الأسود الذي بات يهدد أمن وسلامة العالم بأسره، وليس الشرق الأوسط فحسب، عقدت منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، بالتعاون مع منظمة الأوفيد الفرنسية، مؤتمرها الدولى بالقاهرة بهدف وضع آليات لمساندة الدولة المصرية في حربها، وذلك بحضور نخبة من السياسيين والرموز الوطنية، إلى جانب عدد من ممثلي المنظمات والهيئات الأجنبية.
حتمية المواجهة:
في افتتاحه أعمال المؤتمر، شدد المستشار نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب الذي بات يهدد الأمن والسلم الدوليين، نتيجة ظهور تنظيمات دينية متطرفة وظفت الدين لتحقيق أغراض أيديولوجية، في ظل ما أطلق عليه الربيع العربي، وامتداد آثاره لمعظم دول المنطقة. وأكد استغلال التنظيم الدولي لجماعة الإخوان لثورات نظيفة قامت بها الشعوب للقضاء على الطغيان، فامتطى هذه الثورات تنظيم لا يعرف القوميات، ولا يؤمن بالأوطان لتحقيق أهدافه، ونشر في سبيل تحقيق هذه الأهداف فروعه بأشكالها المختلفة مثل داعش، والقاعدة، وبوكوحرام، والنصرة، وغيرها، فقتلوا أفراد الجيش والشرطة في هذه الدول، وذبحوا الرجال، واستباحوا النساء، وحرقوا الكنائس والأديرة، وأجبروا أصحاب الديانات الأخرى على تركها، وإما الموت، أو الجزية، أو التهجير القسري.
وأوضح أن هذه التيارات لا تعادي الديانات الأخرى فحسب، بل امتد أذاهم ليشمل أصحاب الإسلام الوسطي المعتدل، ونعت رموزه بالكفر، مؤكدًا أن هذه التنظيمات لم تعد تهدد الشرق الأوسط فحسب، وإنما ستمتد آثارها إلى العالم أجمع. وأعرب جبرائيل عن أسفه من أن الدول الأوروبية لم تدرك خطر هذه التنظيمات إلا أخيرا، فسمحت لهم بإقامة جمعياتهم بداخلها ليصبحوا دولة داخل الدولة.
وأكمل أنه على الرغم مما تشهده مصر من محاولات لتقطيع أواصر الوطن على يد هذا التنظيم الإرهابي، فإن الشعب المصري بصلابة وحدته استعصى على هذا التنظيم أن يفت في عضده، أو يشق صفوفه.
وأشار جبرائيل إلى فخره بالدور الوطني لمؤسسة الأزهر الشريف في توعية الشعب المصري، ومحاربة التطرف الفكري، ودعم مصر ضد الإرهاب. وأوضح أنه لا يمكن أن تكون مصر وحدها المذبح الذي يقدم أبناءه قربانًا وضحايا للإرهاب المتطرف في العالم، فقد آن الأوان لأن يضطلع المجتمع الدولي بدوره، وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا، في مساندة مصر في حربها ضد الإرهاب، والعمل على انحساره، ليس فقط من خلال المساعدات اللوجيستية، وإنما من خلال تجفيف منابعه، ومراجعة التنظيمات في هذه الدول، والتأكد من شفافية استثماراتها، ومصادر تمويلها في البنوك.
الإرهاب المتطور:
أوضح اللواء طارق عطية، مساعد وزير الداخلية لشئون حقوق الإنسان، أن الإرهاب الأسود تنعكس آثاره على الانطلاق نحو آفاق التنمية الشاملة، خاصة مع تعاظم مخاطره في الفترة الأخيرة بشكل لافت نتيجة تطور وسائله بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فأصبحت جرائمه بالغة التعقيد، مستفيدًا في ذلك من كل أشكال التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي أدى إلى تعاظم خسائره لتقارب خسائر الحروب النظامية.
وأكد عطية إدراك وزارة الداخلية لهذه الحقائق، وأنها تعمل على اجتذاب تعاون كافة القوى والإمكانات لتطويق هذه الظاهرة، والسير قدمًا في تنمية الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن عدم مواجهة هذه الظاهرة سيؤدي إلى امتدادها لكافة ربوع العالم، بما فيها الدول التي تنعم حاليًا بالرفاهية.
ومن جانبه، اتهم السيد منير داود، عميد أقباط المهجر والأمريكي الجنسية، الرئيس الأمريكي باراك أوباما برعاية الإرهاب في العالم، واصفًا إياه برئيس الإرهاب، مؤكدًا أن داعش صناعة أمريكية. وأضاف أنه حرص على توضيح حقيقة ما حدث في مصر في 30 يونيو بأنها ثورة حقيقية، وليست انقلابًا من خلال عقد اللقاءات والمؤتمرات في كافة الولايات الأمريكية للضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن موقفها العدائي تجاه الثورة المصرية، ووصفها بالانقلاب، كما أنه تقدم بطلب أمام الكونجرس الأمريكي يطلب فيه محاكمة الرئيس أوباما بتهمة رعاية الإرهاب. وأعرب داود عن شعوره بأن الروح قد عادت لمصر بعد ثورة 30 يونيو، وثقته في قدرتها على دحر الإرهاب.
وفي كلمته، أرسل الدكتور مظهر شاهين، خطيب جامع عمر مكرم، رسالة للعالم الغربي من خلال المؤتمر، مفادها "احكموا على الأديان بما جاء فيها، وليس بتصرفات المنتسبين إليها، فليس من المنطق الحكم بمتغير على ثابت، وبناقص على مقدس". وأضاف أن الواقع الحالي الذي تشهده مصر يدل على أن المصريين إذا أرادوا تحققت إرادتهم، وإن اختلفوا في أوقات معينة، فإنهم يختلفون حول رؤية سياسية، أو مشروع اقتصادي، لكنهم لا يختلفون أبدًا على وطنهم.
آليات المكافحة:
أكد السفير بدر عبد العاطي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن مكافحة الإرهاب تتعلق بمستقبل مصر، وشدد على أن مواجهته ليست قضية مصر فحسب، بل العالم بأسره، موضحًا أن مصر تتعرض لهجمة شرسة من قبل قوى ظلامية تريد التدمير باسم الدين، وهو منها براء. وأضاف أن الدولة العربية القومية بمفهومها التقليدي تتعرض لهجمة تستهدف القضاء عليها، وتقسيمها إلى كانتونات وأقاليم تستند إلى ركائز مذهبية، وعرقية، وطائفية.
وأوضح عبد العاطي امتلاك مصر لرؤية شاملة لمواجهة هذه الظاهر القبيحة، تستند إلى جوانب اقتصادية، وثقافية، وأمنية، وسياسية، ومجتمعية لتفكيك هذا الفكر التكفيري، وذلك من خلال التعاون مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية. كما شدد على قدرة مصر على دحر الإرهاب بسواعد أبنائها ورجالها، موضحًا أن الحرب الضروس التي تخوضها مصر ليست لمصلحتها فقط، وإنما من أجل أشقائها العرب الذين لن تتخلى عنهم، وللإنسانية أجمعين.
ومن جانبه، عبر باتريك كارم، وزير فرنسي أسبق، عن سعادته بالوجود في مصر، واصفًا إياها بصاحبة أقدم حضارة في العالم، وأشاد بالاحتفال الذي أقيم أخيرا من جانب وزارة السياحة للتعريف بمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر، مؤكدًا أن هذا الاحتفال تعدى كونه عملية سياحية فقط ليحمل رسالة للعالم بأن المسلمين والمسيحيين في مصر يد واحدة ضد الإرهاب الفاشي، أيًا كانت أسماؤه، ولتعطي درسًا إنسانيًا مهمًا جدًا في مسارها التاريخي لمن يروجون لوجود صراع بين عنصريها.
وأكد باتريك أن مصر هي الحاجز الوحيد القوي لوقف التمدد الإرهابي إلى دول أوروبا والعالم الغربي بأكمله، معربا عن استيائه من الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الاتحاد الأوروبي، إبان ثورة 30 يونيو من منع إمداد مصر بالأدوات اللوجيستية لمواجهة العنف الداخلي آنذاك، مشيرًا إلى أن رده على هذه الإجراءات وقتها "إما السيسي أو داعش"، معربًا عن ثقته في قدرة الشعب المصري على دحر الإرهاب.
وأشار إلى أنه بحسبان أن مصر وأوروبا تمثلان الحضارات المتمدينة ضد البربرية، لذا فإن لديهما هدفا مشتركا هو مواجهة هذا الإرهاب، ومساندة مصر في ذلك، خاصة أن هذه التنظيمات الإرهابية نجحت في اجتذاب أعداد كبيرة من الأوروبيين للانضمام إلى صفوفها. وعندما يعود هؤلاء لأوطانهم، فسوف يصبح الجميع في خطر.
وفي السياق نفسه، أوضح الأستاذ الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، أن الإرهاب الفكري من التكفير، وازدراء الأديان، والتطاول على معتقدات الناس، وثقافة الكراهية، ظاهرة قديمة وجدت منذ أربعة عقود، عندما تعامى الجميع عن قنوات فضائية منسوبة لتيارات دينية تنشر مفاهيم مغلوطة، وجعلت المتطفلين على موائد العلم يتصدرون المشهد، ويستعلون على القيادات الدينية، ولم توضع التدابير الوقائية والزجرية لمواجهته، لذا كان الحصاد المر. وأكد أنه ليس من شرائع الأديان السماوية محو الغير طريق الإصلاح ، بل يكون من خلال البدء بحجر الزاوية، وهو التعليم من خلال الخبراء والأكاديميين والتربويين، ووضع خطط علمية محكمة تتصدى لهذا الإعصار المدمر المتخطي للحدود، وتبني المؤسسات الإسلامية الكبرى مؤتمرًا موحدًا لمجابهة الإرهاب، وتطوير الخطاب الديني.
التوصيات:
في ختام أعمال المؤتمر، خرج المشاركون برؤية مشتركة تشكل مسارات مواجهة الإرهاب في العالم من أجل دحره، والعمل على انحساره، وذلك من خلال عدد من التوصيات، هي:
- ضرورة التكاتف لتجفيف منابع الإرهاب في العالم بأسره، ومصادر تمويله، عبر تجميد أموال التنظيمات الإرهابية المودعة لدى البنوك الأوروبية والأمريكية، ومراجعة استثمارات هذه التنظيمات، والتأكد من شفافيتها، وتطبيق قوانين الدول والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، والمتعلقة بشركات غسل الأموال، وتجارة السلاح.
- ضرورة التعامل مع مفهوم حقوق الإنسان على نحو يحقق الأمن والسلام، ولا ينبغى أن يكون مفهومًا مطاطيًا تنطوى تحت مظلته تنظيمات دولية متطرفة، تنتهك الحقوق، وتروع الآمنين، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، وإنشاء صندوق دولى لتمويل الدول التي تواجهه بصفة مباشرة.
- على الأمم المتحدة تحديد مفهوم ومصطلح دقيق لمفهوم الجريمة الإرهابية بكل دقة، على أن يدخل في هذا التعريف كل من تورط، أو أسهم، أو ساعد، أو حرض على الإرهاب، وإصدار تشريع دولي من الأمم المتحدة ملزم لكل دول العالم بحظر الموافقة على إنشاء أحزاب، أو هيئات، أو منظمات سياسية على أساس دينى.
- على منظمات العالم الإسلامية، والأزهر الشريف الاضطلاع بدورهما لتصحيح المفاهيم المغلوطة والمتطرفة عن الإسلام، ونشر ثقافة الإسلام الوسطى والمعتدل.
- قيام مجلس الأمن الدولى بإصدار قرار، طبقًا للباب السابع منه، بمعاقبة أي دولة أو هيئة ترعى، أو تساند، أو تمول الإرهاب، أو تقوم بالتجارة أو التعاون بأى شكل من الأشكال مع هذه التنظيمات، ولاسيما تشجيع الدول التي اتخذت قرارات بسحب جنسيتها ممن يثبت تورطهم أو قيامهم بأعمال إرهابية، مثل قرار رئيس وزراء هولندا الأخير، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس وزراء استراليا.
- اتخاذ قرار باعتبار تنظيم الإخوان جماعة إرهابية بكل الدول، على نحو ما فعلته المملكة العربية السعودية، ومصر، وما تشرع فيه كل من فرنسا، وبريطانيا، على أساس أن ذلك يساعد على انحسار هذا التنظيم، وحصاره، ومواجهته.