أوضحت الفترة الأخيرة أن الهجمة الشرسة التي تشنها القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على المنطقة العربية تهدف إلى تفكيك المنطقة إلى دويلات متناحرة إيذانًا بسقوط الدولة القومية في المنطقة لمصلحة بقاء إسرائيل كدولة وحيدة في المنطقة تمتلك مقومات الدولة الوطنية الحديثة، وهو ما تنبهت إليه مصر، وأفسدت هذا المخطط في ثورة 30 يونيو 2013. في هذا الإطار، عقد مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس ندوة بعنوان "المخططات الغربية لتقسيم الدول العربية وتحديات ما بعد 25 يناير" للوقوف على المشاريع الغربية في المنطقة، وكيفية مواجهتها. ترأس الندوة الأستاذ الدكتور جمال شقرة، مدير المركز، بمشاركة اللواء أركان حرب طلعت موسى، الخبير الاستراتيجي والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية.
حدود المؤامرة:
في بداية أعمال الندوة، أكد الدكتور جمال شقرة، مدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس، أن الهجمات على مصر شرسة، كونها مركز الشرق الوسط، لافتًا إلى أن الشعب المصرى عبر العصور يتفنن فى إيجاد الآليات لمواجهتها. وأضاف أن الآونة الأخيرة شهدت هجومًا على الشرق الأوسط بأكمله، مشيرًا إلى أن جيراننا شمالًا وجنوبًا يعانون. وأكد أن المؤسسة العسكرية المصرية أدركت المؤامرات على مصر، وظهرت الشهامة سمة من سمات الشخصية المصرية.
وفي كلمته، لخص اللواء طلعت موسى، الخبير الاستراتيجي والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، مراحل الانتقال التي شهدتها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى إعلان خريطة الطريق في يوليو 2013، وما انطوت عليه هذه الفترة من تحديات مثلت خطرًا شديدًا على الأمن القومي المصري، نجملها فيما يأتى:
أولًا: المرحلة الانتقالية الأولى بإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة (11 فبراير 2011 – 30 يونيو 2012):
لخص اللواء طلعت موسى ملامح الفترة الانتقالية التي مرت بها مصر، عقب تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد في هذه المرحلة، في عدد من الملامح الرئيسية، هي: هدم السجون، وتهريب المساجين، وحرق وتدمير أقسام الشرطة، والاستيلاء على أسلحة الشرطة، ومحاولات اقتحام وزارة الداخلية, كما شهدت الكثير من أحداث العنف مثل أحداث محمد محمود، والقصر العينى، وأحداث ماسبيرو ، ومحاولات مهاجمة وزارة الدفاع .
ثانيًا: فترة حكم الإخوان (30 يونيو 2012 - 30 يونيو2013)
أوضح موسى أن هذه الفترة حملت معها أخطر ما يمس الأمن القومى المصرى، وبرزت تجلياتها فيما عرف بمشروع غزة الكبرى، والتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان، وتحكم المرشد العام لجماعة الإخوان فى كل قرارات رئيس الجمهورية، والتركيز على أخونة الدولة (13000 فى عام)، والإفراج عن المسجونين فى قضايا الإرهاب، بالإضافة إلى إصدار إعلان دستورى يحصن قرارات رئيس الجمهورية ضد التقاضي، والدخول فى العديد من الصراعات مع مؤسسات الدولة الرئيسية مثل المحكمة الدستورية العليا، والنيابة العامة، والأزهر، والإعلام.
كما شهدت هذه المرحلة محاولة الزج بالجيش فى مواجهة مع الشعب، والتوسع فى الاقتراض الخارجى ( من 34 إلى 45 مليون دولار خلال عام)، وإساءة العلاقات مع كافة الدول العربية، عدا قطر. ولأول مرة، تم تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر عالميًا 6 مرات.
ثالثًا: فترة خريطة الطريق للمستقبل (30 يونيو 2013 - نوفمبر2013)
أضاف اللواء طلعت أنه نتيجة لكل ما سبق من أعمال الجماعة، ورئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي، ورفضه لكل النصائح وتقديرات الموقف المتتالية، والفرص المتاحة للاستجابة لمطالب الشعب بكافة أطيافه، والتي تمثلت في إلغاء دعوة وزير الدفاع لجميع الأحزاب وأطياف المجتمع المدنى لجمع الشمل فى آخر لحظة، مع عدم الاستجابة للمهلة التي أعطتها القوات المسلحة للرئاسة والحكومة (15 يوما) للاستجابة لمطالب الشعب، وما تبعها من مهلة امتدت 48 ساعة أخرى- تمت دعوة كافة أطياف القوى الحزبية، والسياسية، والدينية، ومنظمات المجتمع المدنى واستشارتها، والتفاهم على الاستجابة لإرادة الشعب، وإنهاء حكم الإخوان، وإعلان خريطة طريق للمستقبل تلبى مطالب وآمال وطموحات الشعب المصرى
فى 3 يوليو 2013.
وتمثلت مشتـملات خــريطـة المستقبـــل في الإجراءات الآتية: تعطيل العمل بدستور 2012، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد، وتشكيل حكومة كفاءة وطنية تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية. كما تم تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف المجتمعية لمراجعة التعديلات الدستورية.
ولفت اللواء طلعت إلى ظهور الكثير من العدائيات منذ بداية المرحلة، لخصها في النقاط الآتية:
1 - محاولة تصوير أن ما حدث فى 30 يونيو انقلاب عسكرى، وليس ثورة.
2 - محاولة إفساد خريطة المستقبل.
3 - محاولات إعادة مرسى للحكم.
4 - الاستقواء بالخارج، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي.
5 - اعتصاما رابعة والنهضة، وما صاحبهما من أعمال عنف وتعذيب، وتعطيل الحياة العامة للمواطنين، مثل محاولات اقتحام دار الحرس الجمهورى، وقطع الطرق، وإيقاف المواصلات, وتعطيل السكك الحديدية، ومترو الأنفاق، بالإضافة إلى حرق المرافق والبنية الأساسية للدولة، وتعطيل العملية التعليمية بالجامعات.
6- محاولات إشعال حرب أهلية بالبلاد استغلالًا لحالة الاستقطاب السياسي الحاد.
تحديات ملحة:
كشف اللواء مسلم عن أن المنطقة العربية بأكملها، وعلى رأسها مصر، تواجه العديد من المخططات التي تحاك لها من جهات أجنبية، في مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل. وتتمثل أبرز ملامح هذه المخططات في مشروع التقسيم من خلال إنشاء دويلة إسلامية في الدلتا، ومسيحية في الصعيد، ونوبية في الجنوب، بالإضافة إلى وضع قناة السويس وسيناء تحت سيطرة إسرائيل.
وأوضح موسى أن المعونة الأمريكية منقسمة إلى جزأين: الأول عسكري، والأخير اقتصادي، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الأول من المعونة، وقطعها سيؤثر فى الأمريكان بنسبة 80%، وفى مصر بنسبة 20%، موضحًا أن تدريب القوات الأمريكية في الأجواء المصرية يزيد من تأهيل قواتهم ، حيث تقاس الكفاءة القتالية للجيوش من خلال التدريبات خارج حدودها، ونقل الاستراتيجيات إلى مسارح العمليات، واستخدام المعدات التدريبية على أرض خارج الدولة. أما الاستفادة المصرية، فتتمثل في شراء قطع غيار للمعدات العسكرية، خاصة القوات الجوية، وشراء المعدات العسكرية المتطورة إلى جانب إرسال الضباط في بعثات إلى الولايات المتحدة الامريكية، وأيضا التدريب المشترك في مناورات النجم الساطع، والتي تعد استفادة كبيرة للطرفين.
كما أوضح موسى أن الولايات المتحدة تسعى إلى السيطرة على منابع البترول في المنطقة العربية، والتى يوجد بها أكثر من 60% من الاحتياطي العالمي، والحفاظ على بقاء وأمن إسرائيل، بحيث يكون لها دور مركزي بين دول الإقليم، كما تسعى إلى استمرار ضمان سير الملاحة البحرية العالمية بقناة السويس، إذ إن المنطقة تعد سوقًا رئيسيًا لتصريف المنتجات الأمريكية، بالإضافة إلى جهودها فى إشعال الصراعات المسلحة بين الدول لترويج تجارة بيع السلاح.
حلول مقترحة:
وفي إطار التحديات السابقة، طرح اللواء مسلم عددا من النقاط تكون بمنزلة حلول يمكن من خلالها الخروج من الوضع الحالي والانطلاق نحو تعزيز الأمن والبناء والتنمية من خلال:
1 - سياسياً: وذلك من خلال مستويين: الخارجي بتنشيط الدبلوماسية الخارجية المصرية للاعتراف بإرادة الشعب المصرى، واستعادة دور مصر الإقليمي والدولي، وانتهاج سياسات خارجية تحقق استقلالية اتخاذ القرار وعدم التبعية، مع تغليب القومية، ونبذ القطرية بين الدول العربية، واستعادة التضامن بين الدول العربية، ونبذ الخلافات العربية- العربية، واتخاذ مواقف موحدة تجاه التهديدات المشتركة. داخليًا، بتحقيق الأمن والاستقرار، حيث إنه الركيزة الأساسية للتنمية، والقضاء على الفساد الداخلى المنتشر فى قطاعات الدولة، بالإضافة إلى بناء مؤسسات دستورية فاعلة تعبر عن الإرادة الحقيقية لمختلف طوائف المجتمع.
2 – اقتصاديًا: إيقاف الاعتصامات، والإضرابات، والمطالب الفئوية، والاتجاه إلى البناء والتنمية والتعمير .
3- عسكريًا: استمرار اتخاذ تدابير رفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، وحماية الأمن القومى للدولة من خلال استمرار جهود القضاء على الإرهاب، وتأمين الأهداف الحيوية، ودعم جهاز الشرطة.
4 – اجتماعيًا: من خلال تحقيق الثبات المعنوى للشعب، والقضاء على الأمراض السلبية التى استشرت فى جسد الشعب المصرى, من خلال نبذ الخلافات الدينية والطائفية بين فئات الشعب، والعمل على دعم الوحدة الوطنية.
5- إعلاميــــًــا: من خلال تعزيز المصداقية، والتوعية، مع ضرورة الالتزام بميثاق الشرف الإعلامى.