تتوالى في الولايات المتحدة، الرسائل الموجهة إلى الرئيس أوباما، من كبار خبراء السياسة الخارجية، وكلها أشبه بالنصائح، بما ينبغي أن تكون عليه سياسته الخارجية خاصة في الشرق الأوسط، وهي تأتي كرد على إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة أوباما، والتي أثرت سلباً في علاقات الولايات المتحدة مع دول تعتبر تقليدياً صديقة للولايات المتحدة . ويبرز في هذه الرسائل معنى مشترك، عن أن إدارة أوباما لا تزال أسيرة مفهوم الهيمنة، في وقت يتغير فيه العالم من حولها، وبما لا يسمح لها بالاحتفاظ بوضع تجاوزه الزمن .
بعض هذه الرسائل طرح في إطار مؤتمرات، وبعضها عرضه خبراء ومسؤولون قريبون من إدارة أوباما، وهي موجهة لكل من الرئيس الحالي، كان أحدها مؤتمر عقد تحت عنوان: "استعادة التوازن: استراتيجية للشرق الأوسط للرئيس الجديد" .
فقد اجتمع على مدى ثمانية شهور خمسة عشر من كبار خبراء الشرق الأوسط، لمناقشات مطولة تتوغل في عمق، مختلف جوانب صنع السياسة وإدارتها . واجتمعوا مع مسؤولين في الحكومة، وقادة في القطاع الخاص، والحياة العامة . واستكملوا مناقشاتهم في أمريكا، بالسفر إلى المنطقة، وأجروا حوارات مع قادتها، لبلورة رؤية متوازنة للسياسة الخارجية الأمريكية .
كان المشاركون ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حتى لا تأتي الآراء متحيزة لاتجاه سياسي بعينه . وركزوا على ست قضايا شائكة، اعتبروها الأكثر تحدياً للولايات المتحدة الآن، والرئيس القادم كذلك، وهي قضايا تتعلق بالإرهاب، والعراق، وإيران، والانتشار النووي، والنزاع العربي "الإسرائيلي"، والتنمية الاقتصادية . وخصصوا ملفا قائماً بذاته لكل من هذه القضايا، رفق بها التوصيات المطلوبة بشأنها .
وبالنسبة لمكافحة الإرهاب، قالت التوصية إنه كان يجب على إدارة أوباما أن تجعل من مكافحة الإرهاب جزءاً لا يتجزأ من سياسة متكاملة تجاه الشرق الأوسط .
وهذا الرأي يعني عدم التمييز بين إرهاب تضعه أمريكا في عداد أعدائها، وإرهاب آخر قد يخدم مصالحها بصورة غير مباشرة، أو أن يكون داعماً لجماعات محلية مرتبطة بها وتخدم مصالحها . وهو ما رصده باحثون أمريكيون، فيما يتعلق بالانحياز لجماعة الإخوان، رغم ممارساتهم الإرهابية في مدن وقرى مصر، وتحالفهم مع المنظمات الإرهابية في سيناء .
أيضاً نشر ما سمي بالتقرير الاستراتيجي الجديد، والذي كتبه دينيس روس، أحد مستشاري أوباما للشرق الأوسط، بالاشتراك مع جيمس جيفري . وجاء فيه أنه من أجل أن تكون أمريكا دولة فاعلة في التغييرات الجارية في الشرق الأوسط، فيجب عليها أن تفهم حدود قدرتها، وذلك بأن تحدد مواقفها وأهدافها، بطريقة لا تخلق فجوة كبيرة بين أهدافها المعلنة، وبين ما تستطيع بالفعل تحقيقه .
وركز التقرير على مشكلات يعتقد أنها تمثل أعلى المخاطر على المصالح الأمريكية في المنطقة، مع تقديم توصيات للتعامل معها، وهي تخص مصر، والعراق، وإيران، وسوريا، وتركيا، ومفاوضات القضية الفلسطينية . وإنه كلما سارعت الولايات المتحدة بالتصرف إزاء هذه القضايا، التي تنطوي على أبعاد مؤثرة على الأوضاع في المنطقة عامة، كلما كان لديها نفوذ على بقية القضايا الأخرى التي تمثل تحديا لها .
لم تختلف هذه التحليلات السياسية كثيراً عما جاء في دراسة كتبها الخبير السياسي شاموس كول في مطبوعة Counter Punch، وقال فيها إن أحداث ما وصف بالربيع العربي، إلى جانب تحولات في موازين القوى العالمية، أحدثتها الصين، وروسيا، قد دفعت الولايات المتحدة، لمحاولة المحافظة على وضع الهيمنة، باتباع استراتيجية جديدة، للتعامل مع هذه التحولات، خشية أن تحدث هذه التحولات في حالة نجاحها، أزمة سياسية داخل الولايات المتحدة، خصوصاً أنها يمكن أن تقلص من الدور الأمريكي في المنطقة، وهو ما سيسبب انزعاجاً هائلاً لدى "إسرائيل" .
وبالنسبة للشرق الأوسط، فإن هناك ثلاثة عناصر تصنع التغيير هناك، هي أن عجز أوباما عن التصرف تجاه الأوضاع في سوريا - الدور المتنامي للصين وروسيا - التراجع الذي حدث من جانب حكومة مصر عن شكل التحالف الطويل زمنياً مع الولايات المتحدة . ولعلها عناصر تثبت أن الشرق الأوسط يتغير بسرعة .
وتقول الدراسة إن علاقة الشراكة الاستراتيجية مع مصر، كانت تتقوض أمام عيني أوباما، في الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تتمسك بنهج الانحياز لحلفائه الإخوان . وبالرغم من أن ما يحدث في الشرق الأوسط، عبارة عن تحولات في مراكز القوة والنفوذ، فإن الولايات المتحدة لا تزال مستمرة في محاولة استخدام قدرتها الدبلوماسية للإبقاء على وضع الهيمنة .
هذه بعض من آراء وتحليلات مستمرة، ومتصاعدة في وتيرتها، في أعقاب النتائج التي حدثت في المنطقة، بسبب توجهات سياسات إدارة أوباما المتناقضة، والتي انعكست على علاقاتها مع دول كانت تقليدياً صديقة للولايات المتحدة، مثل مصر، والسعودية، والإمارات . وهو ما أطلق موجات من المناقشات التي لا تزال تدور في معاهد أكاديمية، ومراكز بحوث سياسية، وبتركيز خاص على المنطقة العربية، وكلها تدعو لاستراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي، تستوعب حقائق التغييرات في العالم، وقدرة الولايات المتحدة على التأثير في ما يحدث .
-----------------------------
* نقلا دار الخليج، الأربعاء 2/7/2014.