مهما اختلفت الرؤى وتباينت الآراء، يبقى الأمن الخليجي مصيرا مشتركا بين دول مجلس التعاون الخليجي، في عصر تحيط فيه أخطار وأطماع دول مجاورة ودول كبرى لها أهداف بعيدة تخطط لزعزعة أمن دول الخليج العربي. ولذا فالأمن الخليجي أصبح قضية تتصدر كل القضايا، ومن جانب آخر فدول الخليج تحتاح قوة بشرية وعسكرية كافية، تجعلها محصنة من أي خطر خارجي، لتدعيم قوة درع الجزيرة الخليجي. انتهى زمن التحالفات الدولية وبقيت المصالح هي معيار العلاقات الدولية، وأصبح وضع البيض في سلة واحدة مسألة فيها نظر! إن الزيارات التي قام ويقوم بها بعض زعماء دول الخليج العربي إلى دول شرق آسيا مثل الصين واليابان والهند وغيرها من هذه الدول التي لها وزن وثقل سياسي في أكبر قارة في العالم وهي آسيا، لها من الدلالات والمعاني الشيء الكثير. لقد تخلت بعض الدول الكبرى عن أنظمة عربية كانت حليفة لها وتخلت عنها.. فسقط زين الدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، وعلي عبد الله صالح في اليمن. نظرية الحليف الواحد في عصرنا الحاضر انتهت، ولذلك لا تلوموا مصر إذا ما اتجهت إلى روسيا وعقدت معها اتفاقيات لشراء أسلحة، وكسرت مبدأ شراء الأسلحة من مصدر واحد كما فعل جمال عبد الناصر من قبل، إنها كلها رسالة وواضحة ترى بأن ما قامت به مصر يخص أمنها ومصالحها، وهي أمور غير قابلة للتنازل عنها مهما كان الأمر.
بعض دول الخليج العربي أمنها مهدد من الداخل والخارج، فمن الداخل هناك برلمانات ما زالت لم تنضم إلى الاتفاقية الأمنية! ومن الداخل أيضا تمكنت بعض الخلايا النائمة التابعة لحزب الله وغيرهم أن توجد لها موطئ قدم في بعض دول الخليج، وما أحداث البحرين في 14 فبراير (شباط) 2011 إلا أكبر دليل على ذلك. أما الخطر الخارجي الذي يهدد الأمن الخليجي فأولها إيران التي يطلق كثير من قادتها بين الفينة والأخرى تصريحات مثيرة ضد دول الخليج، وهي وما زالت تحتل جزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث، والنظام العراقي الحالي الذي جاء على الدبابة الأميركية، والذي أصبح ملجأ لكل من لا يريد أمن الخليج، ومن هنا أصبح الأمن الخليجي مهددا من كل جانب وعلى دول الخليج أن تدرك ذلك.
المخرج الوحيد لحماية أمن الخليج هي الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية إلى قيام الاتحاد الخليجي، ومن جانب آخر ارتباط دول الخليج بمحيطها العربي هو الذي يحقق لها الأمن، وإذا كانت دول كبرى كالدول الأوروبية مثلا، قد أقامت لها اتحادا تدرج في مراحل كثيرة على الرغم من أن بعض هذه الدول هي أعضاء في مجلس الأمن، وهي دول عظمى، فما بالنا لو جرت مقارنتها بدول الخليج العربي سياسيا واقتصاديا وحضاريا؟
أصبح الأمن قضية ملحة لدول الخليج العربي، لا تنمية اقتصادية ولا تطور سياسي ولا استقرار أمني دون الأمن الذي هو مفتاح تقدم الدول ورقيها. لا يمكن الاعتماد على الغير لكي يحقق الأمن لنا، الأمن مسألة ذاتية ودول الخليج العربي ما زالت بحاجة إلى استراتيجية تشمل كل جوانب التعاون والتنسيق الأمني والاقتصادي والسياسي نابعة من قواها وإمكانياتها الذاتية.
إن الأمن قضية شاملة لا تنحصر على الأمن بمفهومه العسكري الدارج، ولكن هناك الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن المعيشي وأمن العمالة التشغيلية. إلى متى سوف تعتمد دول الخليج على العمالة الوافدة التي أصبحت تشكل خطرا على التركيبة السكانية لدول الخليج العربي؟ إلى متى سوف تعتمد دول الخليج على الخبرة الأجنبية في كثير من المجالات الحياتية وبناء اقتصادياتها؟ أسئلة كثيرة ينبغي أن تأخذها دول الخليج في الحسبان.
دول الخليج العربي في حاجة إلى سوق خليجية مشتركة وعملة خليجية موحدة؟ واتفاقية أمنية، وبرلمان خليجي؟ فما زال المواطن الخليجي يقف عند الحدود ويتنقل بالبطاقات، وفي بعض الدول لا يحق له التملك والعمل. ورغم تشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مما يساعد على تحقيق التكامل بين هذه الدول إلا أننا نرى مشاريع متشابهة. إننا في حاجة إلى تنسيق اقتصادي وانمائي بين هذه الدول، بما يزيد الرفاهية والأمن والاستقرار!
وتبقى في النهاية نظرة التفاؤل إلى المستقبل، فدول الخليج - رغم كل ما مرت به من محن ومشكلات - إلا أن الكيان الخليجي، وهو مجلس التعاون، بقي موحدا وقدمت دول الخليج العربي للعالم نموذجا من التعاون، كل ما في الأمر أن هذا الكيان بحاجة إلى أن يسرع في تنفيذ الملفات العالقة، فالزمن لا يحتمل التوقف عند بعض القضايا، والمستقبل يفتح ذراعيه لدول الخليج العربي.
----------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الأحد، 16/3/214.