لا أحد فى جنيف أو نيويورك أو عواصم العالم الكبرى يعقد آمالا كبارا على مؤتمر جنيف 2 المنعقد هذا الأسبوع لمناقشة المسألة السورية، ومع ذلك فإن عددا لا بأس به من المفاوضين الدوليين المخضرمين يعتقد أن المؤتمر، بانعقاده وتواصل جلساته، يمكن أن يطرح فرصا يجب عدم تفويتها. بعض هذه الفرص يستحق بالفعل التدقيق.. وفيما يلى أعرض بإيجاز شديد لعدد من هذه الفرص كما يطرحها ويناقشها متخصصون مقيمون على مقربة من مقر الاجتماع وعلى صلة بوفدى الراعيين الأساسيين.
أولا: المؤتمر فرصة لامتحان نوايا إيران وقدرتها على التأثير فى القيادة الحاكمة فى سوريا، ولتقدير مدى ثقل المسألة السورية كبند من بنود الرصيد اللازم لدعم نفوذ إيران فى الشرق الأوسط فى السنوات القادمة. إن وجود إيران خارج قاعات الاجتماع لا يعنى انتفاء دورها، بل على العكس يمنحها الوقت والمساحة اللازمين للمناورة بعيدا عن الأضواء.
ثانيا: المؤتمر فرصة جديدة لإعادة قياس قوة ونفوذ الراعيين الرئيسيين للمؤتمر، الولايات المتحدة والاتحاد الروسى، وقدرتهما على الضغط على زبائنهما المحليين، حكومات وتيارات. تفيد أيضا فى تدريب طرفى الصراع، الحكومة السورية والمعارضة، على القبول بالآخر، وهو ما لم يمكن أن يتحقق بدون انعقاد هذا المؤتمر.
ثالثا : المؤتمر فرصة للراعيين الأساسيين وللأخضر الإبراهيمى للعثور على «حل وسط» للتفلت من عقدة المرحلة الانتقالية ودور الأسد فيها. يمكن لقيادة المؤتمر تنويع مداخل المفاوضات مثل التركيز الطويل نسبيا على قضايا الإجراءات ثم المساعدات الإنسانية، باعتبار أن هذه المساعدات قد تكون القضية المفتاح نحو عقد هدنة أو التوصل إلى تقارب بين طرفى التفاوض أو نحو عزل تأثيرات قوى الإرهاب على مسيرة المفاوضات.
رابعا: المؤتمر فرصة لمراقبة أداء المفاوضين من ممثلى المعارضة بهدف انتقاء الأقدر والأكفأ من بينهم لقيادة وفد المعارضة فى مرحلة قادمة أكثر أهمية من الجولة الراهنة فى المفاوضات، نعرف، منذ بدأنا نتابع الأزمة السورية، أن جهودا مكثفة بذلت وتبذل من جانب أطراف دولية متعددة للعثور على مفاوضين أكفاء ولديهم الشجاعة الضرورية والإرادة الحرة «نسبيا».
خامسا: المؤتمر فرصة لتستكمل مصر استعدادها لاتخاذ قرارها فى شأن الدور الذى يجب أن تلعبه فى المراحل التالية من تطور الأزمة. فاتتها مراحل الإعداد السابقة، وفاتتها فرص عديدة للتأثير فى مسيرة الحرب الدائرة فى سوريا والمساهمة فى جهود صياغة تحالفات إقليمية جديدة. الآن الفرصة متاحة وبخاصة بعد أن تأكدت الدبلوماسية المصرية من أن ظروف المعارضة والحكم على حد سواء تشجع مصر على استخدام أرصدة وأوراق لا بأس بعددها وأهميتها للتأثير فى مسار الأحداث ليس فقط فى سوريا، بل وأيضا فى العراق ولبنان والخليج.
سادسا: المؤتمر فرصة أمام جميع الأطراف لإعادة تعريف « اللحظة الإرهابية» التى تمر فيها معظم دول المنطقة، وكشف حقائق كثيرة عن تواطؤات ومؤامرات بلا عدد.
الفرص عديدة لو نجح الراعيان الأساسيان والصديق الأخضر الإبراهيمى مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية فى إقناع طرفى التفاوض بالتزام الحكمة والتزود بالصبر. أتصور أن نجاحهم ممكن، خاصة وان الراعيين الأمريكى والروسى يأملان فى أن يكون «جنيف الثانى » فاتحة مؤتمرات تنتهى بمؤتمر «تاريخى» يناقش مستقبل الشرق الأوسط برمته وليس فقط مستقبل سوريا. وفى رأيى، أنهما يدركان فى الوقت نفسه، أن هذا الحلم لن يتحقق إلا إذا كان بين المؤتمرات الفرعية المنبثقة عن جنيف2 وفى مرحلة متقدمة، مؤتمر قمة ثنائية بين إيران والسعودية ينعقد تحت رعاية روسيا وأمريكا، ويمهد لمؤتمر أوسع وأعظم.. «مؤتمر لمستقبل الشرق الأوسط».
---------------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الإثنين، 27/1/2014