مقالات رأى

تحديات ما بعد الاستفتاء.. الشباب المحبط مصطفى كامل السيد

طباعة
هنيئا لمصر أولا بأن معركة تعديل الدستور قد مرت. فمصر تدخل مرحلة جديدة أهم معالمها العمل على تطبيق أحكام هذا الدستور، ليس فقط فى مجال استكمال مؤسسات الدولة المنتخبة من مجلس نيابى ورئاسة، ولكن الالتزام الصارم بما جاء فى الدستور فى باب الحريات خصوصا وأن ظروف المواجهة مع الإخوان قد أدت إلى ممارسات لا تتفق مع المضمون العالمى لحقوق الإنسان، والتى طالت الإخوان وغيرهم، وإذا كان ذلك يجرى، كما فى دول أخرى، فى حالات الاستقطاب والصراع السياسى الحاد، فإنه لا ينبغى السماح به أو التهاون إزاءه بعد أن تم إقرار الدستور، وإلا تكون معركة التعديل الدستورى وذهاب ما يتجاوز عشرين مليون مصرية ومصرى إلى صناديق الاستفتاء بلا أى معنى.
 
ولكن كشفت المشاركة فى الاستفتاء عن سمة هامة هى واحدة من ملامح الحياة السياسية فى مصر فى الشهور الأخيرة، وهى توارى دور الشباب بعد الدور القيادى الذى لعبه فى الموجتين الثوريتين فى 25 يناير و30 يونيو. لم يكن هناك حضور بارز للشباب بين صفوف من توجهوا للجان الاستفتاء فى 14 و15 يونيو الماضيين. ليست المسألة مسألة صور يجرى التقاطها فى لحظات معينة، ولكن هناك مؤشرات عديدة على مشاركة أقل من جانب الشباب من الفئات العمرية من 18ــ 34 سنة فى هذا الاستفتاء بالمقارنة باستفتاءات سابقة. ومع أن بيانات المشاركة بحسب فئات العمر لم تخرج بعد من اللجنة العليا للانتخابات، إلا أن هناك مصادر أخرى ترجح هذا الاحتمال. وفضلا على ذلك فإن متابعة مواقع شبكات التواصل الاجتماعى والمحادثات مع نماذج متباينة منهم، فضلا على الملاحظة المباشرة فى لجان الاستفتاء، تؤكد صدق هذه الملاحظة.
 
يجب عدم التغافل عن مغزى قلة حضور الشباب فى لجان الاستفتاء، والاستسلام للشعور بالطمأنينة أنه طالما أن هناك مشاركة أكبر من جانب المتقدمين نسبيا فى العمر، وأن غالبية هؤلاء الشباب هم غائبون عن قنوات المشاركة السياسية الأخرى فى الأحزاب والحركات الاحتجاجية، باستثناء شباب الإخوان المسلمين، فلن يترتب على غياب الشباب عن المشاركة السياسية أى خطر على الاستقرار السياسى فى مصر. لقد كان ذلك هو نفس الشعور المخادع الذى ارتكن إليه قادة نظام مبارك، والذين كانوا يعرفون بالدعوة لمظاهرات كبرى فى 25 يناير 2011، ومع ذلك لم يطرأ على بالهم ولا على بال قيادات حزبية يسارية وليبرالية أن هذا الشباب الذى تصوروا أنه مهتم فقط إما بمتابعة أحدث الأغانى والأفلام الأجنبية أو بالسعى للقمة العيش قادر على أن يسقط نظاما بعنفوان نظام مبارك وبمعظم أجهزته الأمنية. وإذا كان من المسلم به أن معظم الأوضاع التى أدت إلى ثورة يناير من انتشار الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتردى الخدمات العامة وغياب آفاق الحياة الكريمة لأغلبية المواطنين ما زالت قائمة، فلن يكون من الحكمة استبعاد أن تؤدى هذه الأوضاع إن لم تتغير إلى موجة ثالثة لثورة يناير.
 
ولذلك فالتحدى الهائل الذى يواجه من بيدهم السلطة فى مصر بعد إقرار الدستور المعدل وبعد انتخاب مجلس نيابى ورئاسة جديدتين هو البحث فى الأسباب التى أدت إلى عزوف قطاعات واسعة من الشباب عن المشاركة فى الاستفتاء والسعى لعلاجها، ليس حرصا فقط على استقرار سياسى منشود، ولكن لأن النجاح فى دفع النهوض الاقتصادى والاجتماعى فى مصر رهن بمشاركة الشباب فيه، فهو الذى سيقدم اليد العاملة والقيادات الوسيطة فى المستقبل المنظور، ومن بين صفوفه سيخرج صانعو القرار فى العقود القادمة.
 
ولا شك أن اسباب الشعور بالإحباط فى صفوف الشباب هى أسباب متعددة، فمن المسلم به أن الشباب لا يشكل جماعة متجانسة، ومع ذلك تشترك أقسام متعددة من الشباب فى هذا الشعور بالإحباط. هناك ذلك القسم من الشباب من اصحاب التعليم العالى والدخل المرتفع والمهارات المتميزة. لهؤلاء أسباب مشروعة ووجيهة لما يشعرون به. هم يرون ثورة يناير وقد سرقت منهم. يعترفون بأنهم مسئولون عن إخفاقات الثورة بتشرذمهم وعجزهم عن بناء تنظيمات واسعة مع غيرهم من المواطنين، ولكنهم وقد ساهموا بحماس فى الموجة الثانية للثورة فى يونيو لم يتصوروا أنه بعد كل تضحياتهم يأتى من يكتب فى الصحافة شبه الرسمية، ومن يتحدث فى قنوات تليفزيونية خاصة وعامة عن ثورة يناير باعتبارها «أحداث يناير» أو «عملية يناير» أو يصل به الأمر أن يسميها «مؤامرة يناير». أو يجدوا قادة ثورة يناير فى السجون أو محظورا عليهم السفر، ومتهمين بالعمالة لقوى أجنبية، ومما يحز فى نفوس هؤلاء الشباب أن هذه الاتهامات لا تستقيم مع العقل إذ يدرك كل متابع لأحداث الثورة أن القوة الأجنبية التى يقال إن هؤلاء الشباب تآمروا معها، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتخل عن تأييدها لنظام مبارك إلا فى أيامه الأخيرة. وفضلا على ذلك فهذه الاتهامات تأتى من اشخاص لهم تاريخهم المعروف ليس فقط فى الإشادة بنظام مبارك عندما كان فى السلطة، ولكن فى الصلات الوثيقة بأجهزة الأمن.
 
يشعر هؤلاء الشباب بالإحباط لأن مثل هذا الهجوم على ثورة يناير ليس حدثا عابرا، ولكنه فى جانب منه هو خطاب سلطة تكمن وراءه أجهزة متنفذة وأصحاب ثروات تمكنهم من توجيه الرأى العام أو تضليله.
 
وأخيرا فإن حملة الدعاية للدستور التى لم تترك أى فرصة للمعترضين عليه لكى يبدوا آراءهم، بل وألقت ببعضهم فى غياهب السجون، قد أحدثت تأثيرها العكسى على هؤلاء الشباب. جعلتهم يشعرون أن اصواتهم لا قيمة لها، ومن ثم فقد آثروا الانزواء بعيدا عن حملة المطبلين.
 
والقسم الثانى من الشباب هو من ينضوى تحت راية تنظيمات الإسلام السياسى أو من يناصرها، وهؤلاء هم بكل تأكيد أكثر عددا من هؤلاء الذين يخرجون فى مظاهرات صاخبة فى الجامعات وغيرها. هؤلاء رأوا فى الدستور وفى مجمل الأوضاع التى قامت فى مصر بعد يونيو 2013 اغتصابا لسلطة جاءت عن طريق الانتخاب، وأن كل ما يأتى منها هو فى رأيهم باطل. وقد امتنع معظمهم عن المشاركة فى الاستفتاء، وقلة منهم هى التى حاولت مقاومة الاستفتاء أو الاحتجاج عليه من خلال مظاهرات الأيام الأخيرة.
 
والقسم الثالث هو الأوسع وهو لا ينتمى لأى من الفريقين، وربما يكون أقل اهتماما بالسياسة، ولكنه يتابع ما يجرى فى مصر وقد شارك بدوره فى موجتى الثورة فى يناير ويونيو. هذا القسم مشغول بدرجة أكبر بالحصول على وظيفة لائقة أو دخل كريم يفى بالمتطلبات المتواضعة المشروعة للحياة من سكن وتكوين أسرة والوفاء بحاجاتها. الشباب الذى ينتمى لهذا القسم هم الذين يشكلون صفوف الجنود فى مسيرة الثورة ولولاهم لما تكونت الحشود الهائلة فى موجتيها. هؤلاء يشعرون بأن الآمال التى عقدوها على الثورة لم تتحقق بل زادت ابتعادا، وقد رأوا أنه لا ناقة لهم ولا جمل فى النقاش الخاص بالدستور، ولذلك آثروا الامتناع، وبعضهم ذهب للاعتراض على الدستور لأنه لا يرى احتمالا لأن تتحسن أوضاعه سواء تمت الموافقة على الدستور المعدل أو خذله المواطنون الذين ذهبوا للاستفتاء عليه.
 
لم يؤثر غياب هؤلاء الشباب بكل خلافاتهم على مصير الدستور المعدل فقد حظى بأغلبية طاغية، ولكن سوف تكون مخاطرة كبرى لنظام الحكم المقبل فى مصر الاستمرار فى تهميش الشباب. لولا هؤلاء الشباب لاستقر مبارك فى الحكم. وهم قادرون على تكرار المحاولة مع كل من يحكم مصر لو تجاهل أحلامهم.
 
------------------------------------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الإثنين، 20/1/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

مصطفى كامل السيد

مصطفى كامل السيد

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.