16 يناير 2014
شكّلت منطقة غور الأردن مسارًا مهمًّا في طريق المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، حيث لا تزال الترتيبات الأمنية في هذه المنطقة تأخذ اهتمامًا كبيرًا، لاسيما أن المفاوض الإسرائيلي – الذي يتذرع بالمخاوف الأمنية - يحاول الإبقاء على السيطرة الإسرائيلية على الحدود والمعابر مع الأردن، حتى لو تم لها ذلك بعقد استئجار لمدة 40 عامًا قادمة، مع توقيع اتفاق سلام نهائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
بينما يطالب الوفد الفلسطيني بانسحاب إسرائيلي كامل من الضفة إلى خطوط الرابع من يونيو عام 1967، مع موافقة على تبادل محدود للأراضي، حيث يرى المفاوض الفلسطيني أن حدوده الشرقية مع الأردن، ولا توجد إسرائيل بينهما، إذ يمكن فقط لقوات دولية متفق عليها أن تراقب تطبيق ما يتم الاتفاق عليه في الوضع النهائي. وعليه، فإن الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية الممتدة من البحر الميت، مرورًا بالأغوار والمرتفعات الوسطى وإلى الحدود، هي حدود فلسطينية- أردنية.
في هذا الإطار، تتضمن الخطة الأمريكية للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية مجموعة من المقترحات التي تعني أكثر بالترتيبات الأمنية، دون الحديث عن مصير القدس، ومن أبرزها:
- أن تعيد قوات الاحتلال الإسرائيلي انتشارها من الضفة الغربية خلال فترة أربع سنوات بشكل تدريجي، مع بقاء قوات الاحتلال في الأغوار وعلى طول الحدود مع الأردن.
- أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح الثقيل، ولكن قادرة على استمرار قوة أمنية قوية لأغراض الأمن الداخلي، ومكافحة الإرهاب.
- أن يشارك الأمريكيون في مراقبة نزع سلاح الدولة الفلسطينية باستخدام الطائرات بدون طيار، ورحلات مصورة يقوم بها الجيش الأمريكي، على غرار تنظيم رحلات اتفاقات فك الارتباط الأمريكي بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان.
- أن تكون الإدارة مشتركة للمعابر من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية على طول المعابر الحدودية مع الأردن، مع إمكانية وجود ممثل الولايات المتحدة، وستبقى منطقة الأغوار الفلسطينية منطقة عسكرية مغلقة، لأن الجيش الإسرائيلي هو القوة المركزية التي ستكون موجودة في هذه المنطقة، بحسب ما جاء في تصريح كيري حرفيًّا.
- استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لاستثمار مليارات الدولارات في تحسين قدرات الاستخبارات والجيش الإسرائيلي الدفاعية والهجومية، ومواجهة أي محاولات لتصدير مخاطر تكنولوجية من الضفة الغربية.
- أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ومن دون قوة عسكرية، وأن يحافظ الجيش الإسرائيلي على وجوده في كامل منطقة الأغوار الفلسطينية، ولفترة طويلة، وأن تكون مشروطة بمدى التزام الفلسطينيين بالمعايير الأمنية الإسرائيلية، وأن يُثبت الفلسطينيون حسن السلوك بما يرضي ويُطمئن الإسرائيليين تمامًا، وقد تمتد هذه المدة إلى 100 عام أو أكثر بكثير، إذا لم يُثبتوا ذلك.
- تتبنى الخطة الأمريكية الطلبات الإسرائيلية لجهة السيطرة الأمنية على المعابر مع الأردن، وكذلك الأجواء، ومصادر المياه، ووضع محطات إنذار مبكر على قمم جبال الضفة الغربية، وإقامة مطار فلسطيني في الجانب الأردني من نهر الأردن، وأبوابه تفتح على الجانب الفلسطيني، ويدار من قبل طواقم أردنية، بالتنسيق مع إسرائيل. كما تطالب الخطة بحق ما تسميه إسرائيل بالمطاردة الساخنة للمطلوبين في مناطق الدولة الفلسطينية العتيدة.
وقد اتخذت إسرائيل إجراءات استباقية لتطبيق الخطة الأمريكية، منها قرارات عنصرية بحق منطقة الأغوار الفلسطينية، حيث أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذه المنطقة عسكرية مغلقة على كامل امتدادها مع ضفة نهر الأردن، وبعمق يصل إلى 15 كلم، وأن دخول الفلسطينيين إليها يقع تحت طائلة المسئولية، الأمر الذي أفقد الفلسطينيين أهم وأكبر الأراضي الزراعية الخصبة، التي كانت تُشكِّل سلة غذاء فلسطين، كما حرَمهم هذا القرار من الوصول إلى حقوقهم في مياه نهر الأردن للانتفاع بها.
تباين إسرائيلي تجاه مسألة غور الأردن:
ثمة تباين واضح في الموقف الإسرائيلي الداخلي بالكنيست تجاه قرار ضم الأغوار، والقضايا الجوهرية الخاصة بالقدس، وإخلاء المستوطنات، والترتيبات الأمنية الإسرائيلية في وادي الأردن بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يرى في استمرار سيطرة حكومته على المنطقة الحدودية هدفًا استراتيجيًّا مهمًّا، وبعدًا أمنيًّا، ومصلحة عليا، وبين وزيرة العدل الإسرائيلي، تسيبي ليفني، التي ترأس طاقم المفاوضات، والتي سبق أن أوضحت تأييد حزبها "هتنوعاه" للانسحاب من غور الأردن الذي ترى إسرائيل أنه يحمي حدودها الشرقية.
وترى مصادر إسرائيلية معارضة أنه لا توجد أهمية من وجود قوات الجيش الإسرائيلي في غور الأردن، خاصة في زمن الصواريخ طويلة المدى، لاسيما مع تراجع خطر حرب الجيوش المنظمة التي كان من الممكن أن تنطلق من أراضي الأردن، الأمر الذي أسقط أهمية غور الأردن كمنطقة عازلة في وجه هجوم عسكري بري ممكن من جهة الشرق. أضف إلى ذلك أن القوات الإسرائيلية في غور الأردن محدودة العدد، وفي وضع طبوغرافي متدنٍّ، ومكشوفة للنيران من الشرق والغرب، حيث بالإمكان دخول أراضي الضفة الغربية من الشمال ومن الجنوب، كما أن الجيش قادر على نقل قواته بواسطة الجو، وإنزالها لغرض إغلاق المحاور التي يمكن عن طريقها التقدم من غور الأردن غربًا.
الموقف الفلسطيني وتداعيات سلبية محتملة:
في المقابل، تُعد منطقة غور وادي الأردن بمثابة الخاصرة الشرقية لفلسطين، وبالتالي، فإن استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في أي جزءٍ منها، وبأي شكلٍ من الأشكال، سيكون بمثابة المساس بالسيادة الفلسطينية. كما أن بقاء منطقة الأغوار الفلسطينية تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية، لأية فترة كانت، قصيرة أم طويلة، سيُشكِّل مساسًا بسيادة الدولة الفلسطينية القادمة، وسيَحول دون قيام الفلسطينيين بإعادة بناء وتطوير اقتصادهم وبنيتهم التحتية في هذه المنطقة المهمة والحيوية، حيث تستولي إسرائيل على نحو 95٪ من مساحة الأغوار، موزعة بين مناطق عسكرية مغلقة، ومستوطنات زراعية وسكنية لأكثر من عشرة آلاف مستوطن إسرائيلي يقيمون على أراضٍ استولوا عليها تدريجيًّا منذ عام 1967.
وثمة مخاوف من أن تنجح الإدارة الأمريكية في فرض تفاهماتها على الفلسطينيين بشأن منطقة الأغوار، وبالتالي يتحمل الفلسطينيون التداعيات السلبية لتلك التفاهمات، خاصة أن المزارعين الفلسطينيين سيفقدون حلم العودة إلى أراضيهم ومزارعهم، ولن يكون بإمكانهم دخول تلك الأراضي التي ستبقى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي لعقود طويلة، كما سيفقد الفلسطينيون كذلك الأمل الذي كثيرا ما انتظروه لإعادة تطوير هذه المنطقة الحيوية، واستثمار ثرواتها الطبيعية، ومن ضمنها ثروات البحر الميت، لتكون عماد الاقتصاد الفلسطيني.
قصارى القول إن الترتيبات الأمريكية سالفة الذكر -والتي لم ينكرها الرئيس محمود عباس في لقاء حضره كاتب هذه السطور في القاهرة أخيرا- تبدأ بترسيم الحدود السياسية السيادية أولا. وحسب الإسرائيليين، فالحدود تبدأ بترسيم حدود الأمن، وهذه تبدأ ليس بالجدار الفاصل والكتل الاستيطانية، بل في الأغوار. كما أنه من غير الواضح الدور الأمريكي في الترتيبات الأمنية التي تريدها إسرائيل طويلة الأجل. فهل سيكتفي الأمريكيون بدعم وتسهيلات تكنولوجية، أم يرتبط بوجود عسكري، ولو رمزي، في الأغوار؟.
وتبقى ،مع ذلك، إشكالية تحديد العلاقة بين السيطرة الأمنية الإسرائيلية و"السيادة" الفلسطينية على حدود الأغوار. فالموقف الأمريكي لا يرى في الأغوار جزءًا من السيادة الإسرائيلية، بل يراها جزءًا من السيادة الفلسطينية، لأنه لا مستقبل اقتصاديًّا للدولة الفلسطينية دون الأغوار. كما أن وثيقة إعلان المبادئ التي طرحتها الإدارة الأمريكية على الجانبين تضمنت إشارة مباشرة إلى خطوط عام 67، وفكرة تبادل الأراضي في إطار التسوية الدائمة، مشيرة إلى أن نتنياهو سيوافق- كما يبدو- على هذه الوثيقة لكيلا تُتهَم إسرائيل بإفشال المفاوضات، ومن أجل الحصول على موافقة الجانبين الفلسطيني والأمريكي على تمديد محادثات السلام إلى عام آخر.
إن حكومة نتنياهو لا تريد ولا تسعى إلى السلام، بل تسعى إلى تحقيق ما يتفق مع أطماعها. وفي الوقت الذي يوافق فيه شكليًّا رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، على حل دولتين لشعبين، إلا أنه ضد قيام دولة فلسطينية، ويعمل على منع توافر شروط قيامها، ومن ذلك مضمون هذا القرار الذي يحرم الدولة الفلسطينية الموعودة من أراضي الغور التي تبلغ أكثر من مليون دونم، ومن كل ثرواته، فضلا عن أن حرمانها منه يمنع عنها الاتصال بالعالم الخارجي.
إن سياسات نتنياهو حول الأمن تزايدت مع الطرح الأمريكي الأخير، وليس من المنتظر أن تُقدم الحكومة الإسرائيلية على تقديم أية تنازلات في ظل الوضع الفلسطيني الراهن، فما الذي يجبرها على إبرام اتفاق مع نصف شريك، ونصف أرض، ونصف شعب، كما يزعم فريق المفاوضين الإسرائيليين، عندما يقتربون من التوصل لاتفاق شبه نهائي؟.