مقالات رأى

عام صراعات الإسلام السياسي

طباعة
السمة السياسية البارزة التي يمكن تسجيلها باعتبارها حدثاً في عام 2013 الذي أسدل ستاره أمس هي: صراعات الأحزاب أو التيارات الإسلامية السياسية في المنطقة. وتبدو هذه السمة ظاهرة بشكل كبير اليوم في تركيا أكثر من غيرها من الدول الأخرى في المنطقة. لسبب بسيط أن الصراع فيها معلن وصراع سياسي على عكس ما هو عليه الأمر في المناطق الأخرى التي تحول الصراع فيها إلى أداة من أدوات القتل. اللافت جداً للنظر أن المنطقة كلها تكاد تعيش حالة من الصراع والقتل بين تيارات الإسلام السياسي. ولو تتبعنا الصراع لرأيناه حاضراً في كل الدول الإسلامية، مع اختلاف طريقة الصراع وفقاً للتشكيل السياسي للتيارات الدينية. ففي تركيا ثمة صراع بين «حزب العدالة والتنمية» الذي يقوده طيب رجب أردوغان مع جماعة فتح الله جولن. ولو انتقلنا إلى مصر لوجدنا أن الصراع بين «الإخوان» والسلفيين بعدما نجح الرئيس المعزول محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عام 2012، عندما بدأ «الإخوان المسلمون» في تجاهل السلفيين، ونجد المشهد نفسه في تونس وليبيا. لم يقتصر الأمر على تيارات الإسلام السياسي فقط، بل وصل إلى الحركات الجهادية في سوريا وغيرها أيضاً، مع أن الكل يتبنى النهج نفسه، وهو نهج القتل. لكن بمجرد أن يتم التخلص من العدو المشترك تلتفت هذه الجماعات إلى بعضها بعضاً. قد يبدو الوضع مختلفاً نظرياً في العراق من ناحية أن الصراع فيه طائفي بين السنة والشيعة، لكن في حقيقة الأمر أن التفاصيل هي نفسها، على اعتبار أن الخلاف سياسي مع ملاحظة أن الوضع كان أكثر هدوءاً قبل أن يتحول إلى القتل الذي بات هدفاً بحد ذاته في هذا البلد. ما تقوم به تيارات الإسلام السياسي هو الأمر ذاته الذي قامت به حركات المجاهدين في أفغانستان بعد رحيل القوات السوفييتية؛ العدو المشترك. وهو الأمر ذاته الذي مارسه نظام البشير مع منظّر النظام حسن الترابي بعدما اطمأن للحكم في السودان. وأردوغان نفسه كان نتاج انشقاق سياسي مع حزب «الرفاه» الذي كان يقوده نجم الدين أربكان. ظلت التجربة السياسية في تركيا نموذجاً إقليمياً ناجحاً؛ في ظل السياسة التي يتبعها رئيس حكومتها أردوغان حتى عام 2010 عندما أرسل أسطول الحرية إلى غزة واعترضه الجيش الإسرائيلي، حيث أعطى مؤشراً سياسياً على رغبته في التمدد السياسي إقليمياً؛ وكأنه يريد إعادة أمجاد الدولة العثمانية. يومها كتب العديد من المحللين أن أردوغان بدأ يسجل نهاية تاريخه السياسي. فنظرية «صفر مشاكل» فقدت بريقها في الخارج، وبات تركيزه على المنطقة العربية باعتبارها العمق الاستراتيجي لتركيا محل خلاف في الداخل التركي؛ لأن هناك من يعتقد أن العمق الاستراتيجي لتركيا هو دول آسيا الوسطى، بسبب وجود أقليات تركية وانتشار الصوفية هناك. من المعروف في العلاقات الاجتماعية أن أسوأ صراع، أياً كان نوعه ودرجته، هو الصراع بين الحلفاء والشركاء. ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون في السياسة، كما هي الحال بين أردوغان وجماعة جولن أو بين تيارات الإسلام السياسي في الدول العربية. فهذه الجماعات والفصائل تمتلك تفاصيل كاملة عن بعضها بعضاً، وتعرف نقاط الضعف والقوة لدى كل فريق مما يصعب على غيرها معرفته أو اكتشافه، الأمر الذي يسهّل عليها تحديد نوعية السلاح وآلية التعامل في أي صراع. قد يبدو الأمر بالنسبة للمراقبين على أنه نتيجة طبيعية للعلاقة بين حلفاء التيارات الدينية الذين تختلف رؤيتهم تجاه بعض القضايا والمواقف الداخلية والإقليمية، وهذا ما يفسر لنا الصراع بين «حزب العدالة والتنمية» في تركيا وجماعة فتح الله كولن. لكن في حالة التيارات الدينية فإنها تقسم المجتمع والدولة؛ لأن الموضوع أكبر من السياسة، وخاصة في الدول العربية التي لم تترسخ فيها مفاهيم الاختلاف السياسي. وهذا ما يحدث في جميع دول المنطقة التي يحتدم فيها الصراع بين تيارات مختلفة. قد يكمن فهم أسباب الانفجار الداخلي في تركيا في حالة «الغرور السياسي» التي عاشها أردوغان بسبب النجاحات الداخلية والخارجية، فباتت طموحاته السياسية تتعدى حدود تركيا اقتصادياً وسياسياً. وهذا ما يفسر استقالة العديد من نواب البرلمان نتيجة تغيرات أردوغان التي تشير إلى رغبته في تغيير شكل الدولة التركية، وسعيه إلى تحويل تركيا إلى دولة ذات نظام رئاسي. وقد برزت خلافات «حزب العدالة والتنمية» مع جولن في أكثر من موقف، لكن بسبب ما يتمتع به أردوغان من صلاحيات تتجاوز المؤسسات أحياناً، اشتكى النائب العام التركي من منعه من فتح ملف الفساد الثاني والذي طال بلال أردوغان (نجل أردوغان). ففي السابق كان أردوغان يستطيع إعادة السيطرة على الوضع، لكن يبدو أن الأمر هذه المرة مختلف بعدما خسر العديد من المؤيدين له في الداخل والخارج. وكما هي الحال في تركيا حيث يصعب توقع النتيجة النهائية لمستقبل الحزبين سياسياً، لأن الوضع مرتبط بالمجتمع أكثر مما هو مرتبط بالسياسة فقط، فإن الأمر يبدو صعباً فيما يخص توقع النتيجة النهائية لمستقبل التيارات الإسلامية في الدول العربية الأخرى؛ لأن هذه التيارات متغلغلة في المجتمع، ويبقى الرهان فقط على مدى استيعاب المواطن العادي مخاطر استخدام الدين في تحقيق أهداف سياسية. ولعل الشيء الواضح أن مؤشرات الخلاف في تركيا تشير إلى أنه سيتفاقم، لاسيما أن مسببات تصاعده موجودة في تركيا بسبب حالات الفساد السياسي والاضطراب الاقتصادي الذي بدأ يتصاعد. أختم بنقطتين: الأولى؛ أن النموذج التركي السياسي والاقتصادي بدأ يتأثر سلبياً نتيجة تصرفات أردوغان الذي يتجاهل القوى السياسية الأخرى في الداخل، خاصة رجال الأعمال التابعين لجماعة جولن الذين كان لهم دور في النجاح الاقتصادي، أو نتيجة لتدخلاته السياسية في الدول الأخرى مثل مصر وليبيا وسوريا. والنقطة الثانية؛ أن الصراعات الواضحة بين التيارات السياسية الدينية تدفع بالمواطن التركي العادي إلى التشكيك في النوايا الحقيقية لها في مسألة التعايش مع الآخر، فإذا كانت لا تسطيع التعايش مع بعضها بعضاً فإن الأمر سيكون أكثر صعوبة في حالة التعايش مع الآخر الذي تختلف معه أصلاً.
 
---------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء، 1/1/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

محمد خلفان الصوافي

محمد خلفان الصوافي

كاتب إماراتي.