تبدو المعارضة السورية وكأنها قد حسمت أمرها في الذهاب إلى مؤتمر «جنيف 2» باعتباره بوابة لحل سياسي للقضية السورية، على نحو ما يراه المجتمع الدولي اليوم ممثلا بالأمم المتحدة والدول الراعية، حيث إن أغلب قوى المعارضة السورية أبدت موافقتها للذهاب إلى هناك ودخول التجربة المرّة، بما في ذلك الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي اتخذ قرارا بالذهاب إلى «جنيف 2»، وإن كان ذهابه ضمن محددات، تستند إلى محتويات «جنيف 1» ومضمون التوافقات الروسية - الأميركية وبيان لندن لأصدقاء الشعب السوري وقرار مجلس وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، الخاص بالموقف من «جنيف 2» وتأييد مشاركة المعارضة السورية فيه.
غير أن توافق المعارضة السورية في الذهاب إلى «جنيف 2»، ما زال محاطا بتحديات كبيرة، يتداخل فيها السياسي والتنظيمي، وهي تحديات تجعل من انعقاد المؤتمر في وقته المعلن أمرا غير محسوم، بل إنها قد تجعل مستقبل المؤتمر في مهب الريح، ما لم تتم معالجة هذه التحديات.
أول هذه التحديات تحدّ سياسي إنساني، لا يتصل بالمعارضة وموقفها، وإنما بالبيئة التي ينعقد فيها المؤتمر؛ إذ من المستحيل انعقاد مؤتمر يفتح بوابة حل سياسي للقضية السورية، لا تسبقه خطوات تدلل على إمكانية نجاحه، والإشارة هنا إلى استمرار نظام الأسد، باعتباره طرفا أساسيا في المؤتمر، بحصار وقصف مناطق مدنية وآهلة بالسكان، في أنحاء مختلفة من البلاد، ولا سيما في غوطة دمشق وحمص، ومنع وصول المساعدات الإنسانية الطبية والغذائية لسكان هذه المناطق، تحت أي حجة كانت، لأن استمرار هذه الحالة مع استمرار قصف المدن والقرى بالصواريخ والبراميل المتفجرة، لا يدلل أبدا على إمكانية قبول النظام بالمضي إلى حل سياسي من أي مستوى كان، وهو أمر خارج محتويات «جنيف 2» وأهدافه.
والتحدي الثاني يمثله ضعف التوافقات الروسية - الأميركية، التي ينعقد «جنيف 2» في ظلها. بل إن مواقف موسكو وواشنطن ما زالت متناقضة في كثير من جوانب رؤية المؤتمر، وما يمكن أن يصل إليه من معالجات وحلول، حيث يترك الأمر للمفاوضات، التي، كما هو معروف، لا يمكن أن تصل إلى نتائج، بسبب تعنت النظام وتشدده، بل وإعلاناته المسبقة، بأن «جنيف 2»، لن يكون مؤتمرا لتسليم السلطة، مما يشكك في فكرة هيئة الحكم الانتقالي وصلاحياتها الكاملة، وهي محور «جنيف 2»، وأن المؤتمر ستكون مهمته «الحرب على الإرهاب»، مما يعني أنه ليس معنيا بالحل السياسي للقضية السورية إلا من هذا الجانب.
وتحدي «جنيف 2» الثالث، يبدو في وضع المعارضة، التي وإن وافقت على المشاركة، فإن الوصول إلى المشاركة دونه مشكلات كثيرة. أولى المشكلات أن موافقة المعارضة تكاد تكون مقتصرة على المعارضة السياسية، وعلى الرغم من أن ذلك هو أمر مهم وأساسي، لكنه وفي ظل وجود معارضة مسلحة، فإن من المفترض مشاركة ممثلين عن الأخيرة، وهذا أمر تحيطه صعوبات كثيرة، مما يجعل من غياب ممثلين عن المعارضة المسلحة مشكلة حقيقية. وثاني المشكلات انقسام المعارضة السياسية في موضوع المشاركة، حيث يصر البعض على عدم الاندماج في وفد واحد على نحو ما يبدو موقف الأكراد بالإصرار على أن يكون هناك وفد مستقل للأكراد السوريين، على الرغم من أن أكثرهم حاضر في تحالفي المعارضة السورية الرئيسين الائتلاف الوطني، وفيه المجلس الوطني الكردي، وهيئة التنسيق التي تضم في عضويتها حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd). بل إن ثمة خلافات حول حجم وموقع أطراف المعارضة في الوفد الذي يُفترض أن يكون برئاسة الائتلاف ومشاركة الآخرين، وهو أمر لا إجماع حتى الآن عليه.
وتشكل هذه التحديات، إلى جانب تحديات أخرى، ثقبا أسود في احتمال انعقاد مؤتمر «جنيف 2» الذي لا يمكن أن ينعقد أصلا بغياب المعارضة، وهي طرف رئيس ومهم لتحقيق هدف المؤتمر في فتح بوابة لحل سياسي للقضية السورية والسير فيه، كما أن غياب قوى رئيسة فيها، مثل الائتلاف الوطني، سيؤدي إلى النتيجة ذاتها.
وتشكل هذه الوقائع السابقة مدخلا إلى ضرورة معالجة التحديات التي تواجه «جنيف 2» قبل الدخول إليه، وهذه مسؤولية مباشرة للقوى الراعية للمؤتمر من الأمم المتحدة إلى كل من روسيا والولايات المتحدة والمشاركين الآخرين، والاعتقاد المؤكد أن الوقت لن يسمح بذلك، مما يجعل «جنيف 2» مؤجلا إلى حين، أو أنه لن يُعقد ما لم تحدث معجزة دولية أو إقليمية كبرى.
-------------------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الأحد 22/12/2013