في آخر زيارة له إلى البيت البيض في أواخر 2011، استعرض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس أوباما التقدم السياسي والأمني في العراق.
ويوم الجمعة الماضي، وصل المالكي مرة أخرى إلى واشنطن، لكن هذه المرة بحثاً عن مساعدته لمكافحة العودة المذهلة لأعمال العنف من قبل تنظيم «القاعدة» والتي أودت بحياة 7000 عراقي في عام 2013، ألف منهم تقريباً في شهر أكتوبر. لكن لن يكون ذلك بالأمر السهل. فمعظم الأميركيين، ومن بينهم أوباما، يتوقون لإبعاد حرب العراق عن تفكيرهم. وكما ذكرت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من مؤيدي الحزبين في خطاب أرسلته لأوباما الأسبوع الماضي، فإن «سوء إدارة» المالكي للسياسة الطائفية في العراق، ساعدت على خلق المناخ الذي يسمح لتنظيم «القاعدة» بالظهور مجدداً.
لكن الأميركيين يخدعون أنفسهم إن ظنوا أنه بوسعهم تجاهل المشاكل في العراق. فنحن والعراقيون لا نزال مرتبطين بطرق يدركها القليل من الأميركيين. وبالنسبة لحديثي العهد، فإن مشكلة تنظيم «القاعدة» في العراق هي مشكلتنا. وبمساعدة حالة الفوضى السائدة في سوريا، فقد تمكن تنظيم «القاعدة» من غرس جذور جديدة في المناطق المجاورة لشرق سوريا وغرب العراق، حيث يقوم بتدريب آلاف الجهاديين الأجانب الذين يستطيعون العودة لأوطانهم وإحداث الفوضى في أوروبا وروسيا وأنحاء الشرق الأوسط.«هذه الإمارة الإسلامية الجديدة تمتد من البحر المتوسط إلى الخليج ، ومن تركيا وبحر القوقاز إلى الأردن والسعودية»، وفقاً لما قاله مايكل نايتس، خبير شؤون العراق بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. وأضاف نايتس: «إنها تشكل إقليماً جهادياً متواصلا وبلا حدود».
وقد ساهمت كل من الولايات المتحدة والعراق في التدهور الأمني الذي حدث على مدار العامين الماضيين. وفي اللحظة التي بدأت فيها سوريا في الانهيار، سحبت الولايات المتحدة قواتها من العراق، بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق لترك عدد صغير من القوات. وقد عرقل ذلك التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود. إن إرهابيي «القاعدة» الذين كانوا يحتمون بسوريا، أصبح بوسعهم الآن العودة إلى العراق.
وبالطبع، فإن رفض المالكي لمطالب السنة بتقاسم السلطة في حكومته التي تقودها الأحزاب الشيعية، ساعد على فتح الباب للمتطرفين. وكما رأينا في سوريا، فإن «القاعدة» بارعة في استغلال السياسة الطائفية من أجل الحصول على موطئ قدم. والأمر الذي لا يحصل على الاهتمام الكافي هو الدور الذي لعبته سلبية الإدارة في تسريع انزلاق العراق إلى الهاوية.
وقبل انسحاب القوات الأميركية، ساعدت الجهود المكثفة للولايات المتحدة في التوسط في بعض النزاعات الخطيرة بين الأكراد والشيعة والسنّة. ولا تزال هناك حاجة إلى هذه الوساطة. ففي أبريل، ساعد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في نزع فتيل الأزمة بين المالكي والمعارضين السنّة. لكن هذه الجهود تحتاج لمزيد من التنظيم حتى تؤتي ثمارها. يقول رايان كروكر، السفير الأميركي السابق في العراق، «إننا مثبتون في النظام السياسي العراقي، لأننا ساعدنا على إنشائه». ويضيف السفير: «في مناخ من الخوف، يخشى الشيعة من عودة السنّة المتطرفين بينما يخشى السنة من التدهور... إن تقديم التنازلات ينظر إليه كعلامة على الضعف. إنهم لا يستطيعون فعل ذلك من تلقاء أنفسهم»، حسبما كروكر. والأمر يحتاج إلى إدارة أميركية منتبهة جداً للمساعدة على تهدئة التوترات الطائفية. ورغم ذلك، يقول كروكر، لم تكن هناك زيارة لوزير خارجية أميركا إلى العراق منذ خمس سنوات سوى الزيارة التي قام بها كيري. ويضيف كروكر: «إننا لسنا مرتبطين، لكن هذا الارتباط أمر ضروري لجعل العراقيين يفعلون الشيء الصحيح ولا يقترفون أي أخطاء».
ما الشكل الذي سيكون عليه هذا الارتباط؟
يعتقد كروكر أنه يتعين على الإدارة مساعدة العراقيين على تعزيز قدراتهم على مكافحة الإرهاب من خلال تحسين التعاون في مجال الاستخبارات، وتقديم المستشارين العسكريين، لذلك فإن العراقيين يطلبون إمدادهم بطائرات دون طيار. وبالنسبة للذين ينددون بضربات الطائرة دون طيار، ينبغي الانتباه إلى أن «القاعدة» تقوم بتفجير المدارس والمساجد والأسواق المليئة بالمدنيين في العراق وسوريا. فإذا تمكن العراق من ضرب أهداف لـ«القاعدة» في سوريا، فقد يساعد ذلك على إنقاذ أرواح لا حصر لها.
لكن كروكر يقول إن المساعدات العسكرية بمفردها ليست كافية، ويعتقد أن هناك حاجة لمزيد من الاهتمام من قبل كيري وأوباما لتوجيه المالكي والسنة نحو التوصل لاتفاق وضمان إجراء انتخابات عراقية نزيهة في عام 2014.
والأمر الغريب هو أن العراق لا يزال بمقدوره أن يصبح أقوى حليف عربي للولايات المتحدة. ويعتقد مراقبون مختصون في الشؤون العراقية، مثل نايتس، أن الولايات المتحدة لديها مصداقية بين العراقيين أكثر مما تتوقع واشنطن، رغم العلاقة المقلقة.
وأخيراً، فإنه في ظل الارتباط معاً بواسطة ماضينا المؤلم والتهديدات الأمنية المشتركة، فإن التركيز على بناء تحالف أميركي عراقي واسع، يعتبر أمراً في غاية الخطورة. ويختتم كروكر قائلا: «لدينا الآن فرصة لعلاقة جديدة تماماً مع العراق. نحن في حاجة للتعامل معهم كحلفاء، لا أن نتركهم لأساليبهم الخاصة».
-----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد 10/11/2013