دعت الجامعة العربية إلى عقد اجتماع لمجلس الجامعة في القاهرة في 27 أغسطس الماضي بهدف البحث في «ما تداولته وسائل الإعلام حول الجريمة المروعة التي وقعت في منطقة الغوطة الشرقية في دمشق وأودت بحياة مئات الضحايا الأبرياء جراء استخدام السلاح الكيماوي». وانعقد المجلس في موعده بالفعل وأصدر قراره بشأن الأوضاع الخطيرة في سوريا. وقد أشار القرار في ديباجته إلى الجريمة النكراء التي وقعت في 21 أغسطس الماضي وتمثلت في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في المنطقة المذكورة، وأكد على الموقف الثابت للمجلس في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية. وقرر في ضوء تقرير الأمين العام للجامعة ومداخلات رؤساء الوفود ما يلي:
1- الإدانة والاستنكار الشديدين لهذه الجريمة البشعة.
2- تحميل النظام السوري المسؤولية التامة عنها والمطالبة بتقديم كافة المتورطين فيها لمحاكمات دولية عادلة.
3- تقديم كافة أشكال الدعم للشعب السوري للدفاع عن نفسه وضرورة تضافر الجهود العربية والدولية لمساعدته.
4- دعوة المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن للاضطلاع بمسؤولياته وذلك عبر القيام بالإجراءات الرادعة واللازمة ضد مرتكبي هذه الجريمة ووضع حد للانتهاكات وجرائم الإبادة التي يقوم بها النظام منذ أكثر من عامين.
وثمة ملاحظات عديدة على هذا القرار نختار اثنتين من أهمها، أولاهما أنه يحمل النظام السوري المسؤولية التامة عن الجريمة موضع القرار، وقد أتى هذا النظام عبر أكثر من سنتين بما لا يمكن تصديقه من أعمال بشعة بحق الشعب السوري وثمة احتمال في أن يكون هو المسؤول عن هذه الجريمة اتساقاً مع سلوكه السابق، ولكن هذا شيء وتحميله على نحو قاطع مسؤولية هذه الجريمة شيء آخر لأن أمراً كهذا يحتاج إثباتاً قانونياً بأعلى درجات الدقة، وهو ما يعمل عليه مفتشو الأمم المتحدة، وعندما تتوافر لهم الأدلة العلمية يمكن إدانة النظام بشكل أكيد. أما قبل ذلك فإن الأمر لا يعدو أن يكون موقفاً سياسياً، وهذه مسألة تتجاوز الأبعاد القانونية والأخلاقية بكثير لأنه ستكون لها تداعيات خطيرة. وثانية الملاحظات تتعلق بكون القرار لا يجيز استخدام القوة كما تنوي الولايات المتحدة أن تفعل، وهو يدعو المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن للاضطلاع بمسؤولياته عبر القيام بالإجراءات الرادعة ضد مرتكبي هذه الجريمة، فكل دارس مبتدئ للعلاقات الدولية يعلم أن الردع ليس باستخدام القوة، وإنما بأعمال تجاه الخصم تجبره على التوقف عن استخدام القوة إن كان قد وصل في سلوكه إلى هذا الحد أو تجعله يمتنع عن استخدامها إن كان ينوي ذلك، كأن يقوم الطرف القائم بالردع بفرض عقوبات شديدة تحقق الهدفين السابقين، ولذلك فإن الولايات المتحدة لا تستطيع قانوناً أن تدعي أن هذا القرار يخولها استخدام القوة، ويمكن عندما يثبت مفتشو الأمم المتحدة مسؤولية النظام السوري عن هذه الجريمة النكراء، أن يصدر مجلس الأمن في ظل الفصل السابع قراراً يجيز استخدام القوة ضد سوريا وهنا تستطيع الولايات المتحدة أو غيرها أو ائتلاف من الدول استخدام القوة ضد سوريا.
غير أنه بغض النظر عن موضوع قانونية استخدام القوة فإن الولايات المتحدة تكرر حرفياً ما فعلته في العراق في 2003 وفي ليبيا 2011. في حالة العراق قامت بغزوه استناداً إلى ذرائع ثبت لاحقاً زيفها، فقد ادعت أنه يملك ترسانة أسلحة دمار شامل وأن هذا يمثل خطراً على الأمن الإقليمي نظراً لسجل العراق في العدوان على جيرانه، ورفض مجلس الأمن أن يخول الولايات المتحدة أو غيرها استخدام القوة ضد العراق دون الرجوع إلى المجلس، وكانت الآلية هي إصدار قرار تفصيلي يرتب التزامات على العراق فإن لم يلتزم عادت الدول إلى المجلس لإثبات انتهاكه القرار. ولكن الدبلوماسية الأميركية نجحت في إضافة فقرة إلى القرار تنص على أن العراق إذا لم يلتزم بهذا القرار سيعرض نفسه لعواقب وخيمة، ثم نادت لاحقاً بالحديث أن العراق انتهك القرار وادعت أن العواقب الوخيمة تعني اللجوء إلى القوة ضده دون الرجوع إلى المجلس، وهو تفسير غير صحيح بطبيعة الحال على ضوء المناقشات المحتدمة التي شهدها المجلس قبل إصدار القرار السابق الإشارة إليه، فقامت الولايات المتحدة بناء على تفسيرها للقرار بغزو العراق وعجزت على رغم وجود قوتها على أرضه أن تثبت بأي دليل أنه يملك أسلحة دمار شامل، ولاحقاً اعترفت الإدارة الأميركية بأنها أخطأت حساباتها في هذا الشأن. وأدى غزو العراق إلى تداعيات خطيرة عليه، فقد تمزق الجسد العراقي نتيجة سلوك قوات الغزو وتغيرت المعادلات الإقليمية لحساب إيران الأمر الذي أضر بالمصلحتين العراقية والعربية، وما زالت هذه التداعيات قائمة حتى الآن.
أما الحالة الليبية فهي مختلفة نوعاً ما، فقد قام الشعب الليبي بثورته في 2011، وقد كانت الثورة سلمية في البداية غير أن النظام الليبي أمعن في استخدام القوة ضدها إلى الحد الذي دفع الدول العربية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لحماية الشعب الليبي فاتخذ مجلسها قراراً بمطالبة مجلس الأمن بفرض حظر جوي من شأنه أن يحمي الشعب الليبي من بطش القذافي، غير أن المسألة تحولت في النهاية إلى عمل عسكري تضطلع به قوات حلف الأطلسي وليس أي قوة تابعة للأمم المتحدة أو بتفويض منها، وربما تكون الثورة الليبية قد استفادت من هذا التدخل ولكن الشعب الليبي عانى في الوقت نفسه من تداعياته، وحتى الآن لا يستطيع أحد أن يجزم بالمرامي الحقيقية لهذا التدخل. وتختلف الحالتان الليبية والعراقية في تفاصيلهما ولكنهما تتفقان في أن التدخل الأميركي فيهما كان يهدف إلى فرض القبضة الأميركية على المنطقة.
بقياس ما سبق على الحالة السورية نجد أن وجه الشبه واضح، فالنظام السوري يتفق مع النظام العراقي والنظام الليبي في أنها جميعاً نظم أمعنت في اضطهاد شعوبها الأمر الذي دفع قطاعات منها لتأييد الغزو أو التدخل وهو ما أعطاه شرعية زائفة. وكما أن الغزو في الحالة العراقية والتدخل في الحالة الليبية تم في الحالتين بدون سند دولي صريح فإن الولايات المتحدة تتحدث عن نياتها توجيه ضربة لسوريا قبل أن يصدر تقرير المفتشين الدوليين بشأن استخدام السلاح الكيماوي في منطقة الغوطة الشرقية في دمشق، وقد يصدر بحق النظام السوري فتستند إليه كذريعة سابقة لتبرير التدخل لتصبح الولايات المتحدة مجرد قوة تشيع الفوضى في العلاقات الدولية! وثمة وجه آخر للشبه بين الحالات الثلاث وهو أن النظام العربي يبدو في حالة المفعول به، ولذلك فإن الديمقراطية التي تجعل الشعوب العربية تلتف حول نظمها ولا يصل بها الأمر إلى تأييد غزو أو تدخل خارجي، وإصلاح النظام العربي، هما سبيل الخلاص من هذا التدخل المتكرر في الشؤون العربية.
-------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء 3/9/2013.