ثمة أنباء مقلقة آتية من الصين تقول إن البلاد تسير باتجاه انهيار اقتصادي وسياسي في وقت ما خلال السنوات الخمس المقبلة، في حال استمرار السياسات الراهنة، أما النبأ الجيد بعض الشيء، فهو أن جزءا كبيرا من النخبة يحاولون السيطرة على هذا الخطر ويتحدثون بصورة علنية إلى حد ما عن التغيير البعيد الذي يتعين منعه من الحدوث.
وخلال ثمانية أيام من الاجتماعات مع الأكاديميين والاقتصاديين والصحافيين ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين الصينيين خلال الشهر الحالي، واجهت قليلا من غطرسة هذه القوة العظمى الصاعدة التي ربما تكون متوقعة من بلد تنظر إليه غالبية الدول الغربية على أنه القوة الماحقة التي لا يمكن إيقافها. وبدلا من ذلك، سمعت عن قلق كبير بشأن التباطؤ الاقتصادي والشكوك التي تحوم حول التحول السياسي خلال العام الحالي، علاوة على وجود قلق أكبر بشأن المشكلات المحتمل أن تواجهها القيادة المقبلة برئاسة شى جين بينغ بمرور الوقت.
ويعتقد معظم الأشخاص الذين قابلتهم أثناء جولتي في العاصمة بكين وفي شنغهاي ومدينة تشانغشا الداخلية، أن الصين سوف تتجنب «هبوطا اضطراريا» اقتصاديا خلال العام الحالي، على الرغم من الانخفاض الحاد في معدلات النمو خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع ذلك، يشعر كثيرون بالقلق بشأن قدرة القيادة الجديدة على إدارة عملية إعادة الهيكلة بالشكل اللازم للحفاظ على معدلات النمو بشكل كبير خلال العامين المقبلين؛ التحول من الصناعات التصديرية والاستثمار في مجال البنية التحتية إلى الاستهلاك وتقديم الخدمات إلى الطبقة الوسطى المتنامية.
وبطريقة مشابهة، يبدو أن عددا قليلا من الأشخاص يعتقدون أن صعود شى جين بينغ خلال الخريف الحالي سوف يخرج عن مساره بسبب الصراع على السلطة الذي انعكس في التخلص من حاكم تشونغتشينغ بو شيلاي؛ ربما لأنهم لا يعلمون، مثلما يحدث في معظم دول العالم، ما يحدث في السلطة خلف الأبواب المغلقة. ومع ذلك، تحدثت غالبية المصادر عن ضرورة وجود إصلاح سياسي والنهوض بسجل حقوق الإنسان حتى يتم الحفاظ على استقرار الصين في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادها من البطء والتحول. (كانت رحلتي مع عدد من الصحافيين الآخرين تحت رعاية مؤسسة التبادل الصيني - الأميركي الخاصة التي يرأسها المدير التنفيذي السابق لهونغ كونغ تونغ تشي هوا).
وقال تشو يينغ هوانغ، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الصين اليوم»: «الصين في مفترق طرق. بعد 30 عاما من الإصلاح الاقتصادي، أصبح لزاما علينا أن نقوم بإصلاح سياسي».
والسؤال الآن هو: ما الشكل الذي سيكون عليه هذا التغيير؟ وفي الحقيقة، لا يتوقع أي شخص أن تتحول الصين إلى دولة ديمقراطية ليبرالية في وقت قريب، ولكني قد سمعت كثيرا من الأفكار عن كيفية قيام القيادة الجديدة بالبدء في عملية انفتاح في النظام السياسي، وتركزت الأفكار الرئيسية حول الإصلاح المحلي، حيث صرح كثيرون بأن قضية تشين غوانتشنغ، وهو المعارض الأعمى الذي وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله على يد قوات الأمن المحلية حتى تمكن من الهرب إلى السفارة الأميركية في بكين، تظهر الحاجة إلى وجود قادة كبار قادرين على إجبار السلطات في القرى والبلدات على الالتزام بالقوانين الخاصة بالصين؛ بما في ذلك تلك التي تقضي بوجود انتخابات ديمقراطية لاختيار مسؤولي القرى.
وقال تشين دانغكسياو، الذي يعمل في معهد شنغهاي للدراسات الدولية، إن قضية تشين «سوف تعطي الحكومة على كل مستوياتها درسا مفاده أنه من الأفضل لها أن تسرع من عملية الإصلاح الحكومي حتى يتم التعامل مع مثل هذه القضايا على المستوي الإقليمي بدلا من المستوى الأعلى، ووفقا لسيادة القانون بدلا من الطرق الدبلوماسية».
وقال فيكتور يوان، الذي أقام شركة خاصة للاقتراع في الصين، إن المواطن الصيني العادي يرى أن «سيادة القانون» هي أول أولويات عملية الإصلاح. وقال يوان إن هناك خطوة أخرى تكمن في «الحشد الاجتماعي بصورة أكبر» في شكل مجموعات خدمية اجتماعية تتمتع بقدر أكبر من الاستقلال، ومنظمات غير حكومية على المستوى المحلي. وتستطيع هذه المنظمات أن تفرخ قادة جددا قادرين على تحدي السلطات الراسخة في انتخابات المحليات، والتنافس في نهاية المطاف على مقاعد في البرلمان الصيني بصورة رسمية.
وحتما ستتطرق عملية التغيير السياسي إلى أكثر الموضوعات حرجا في الصين؛ قمع حركة الإصلاح في ساحة تيانانمين في شهر يونيو (حزيران) عام 1989. وصرح أحد الأكاديميين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، بأن أفضل وسيلة يتمكن من خلالها النظام من إعادة شرعيته السياسية إلى الحياة مرة أخرى هي الاعتذار لعائلات القتلى. وأضاف الأكاديمي: «هذا هو العبء والإرث الذي يتعين علينا التعامل معه».
وثمة أدلة قليلة للغاية، حتى الآن، على أن قادة الصين يفكرون في اتخاذ خطوات من هذا القبيل، حيث ازداد قمع المعارضين السياسيين خلال العام الماضي، وتم تشديد الرقابة على التعبير على الإنترنت في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، قال رئيس الوزراء المنتهية ولايته وين جياباو في شهر مارس (آذار) الماضي إن البلاد «تمر بمرحلة عصيبة، ومن دون إصلاح سياسي ناجح، فإن المشكلات الجديدة التي ظهرت في المجتمع الصيني لن تيم حلها بصورة جذرية». وفي الحقيقة، يزيد هذا من الآمال في التحرر، ويشكل جزءا كبيرا مما سمعت على ما أظن. وقال شين دينغلي، وهو عميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان: «هذا هو الوقت المناسب للقيام بأي شيء، ويتعين القيام به بصورة تدريجية. إذا قمت بالتغيير، فسوف تواجه تحديات فورية، وإذا لم تقم بالتغيير، فسوف تواجه تحديات أكبر، وكل القادة الكبار يعلمون ذلك جيدا».
-----------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط ، الثلاثاء 29 مايو 2012.