لم يمضِ أكثر من 48 ساعة على الاجتماع الوزاري الخليجي «الاستثنائي»، الذي عقد في الدوحة الأسبوع الماضي على إثر زيارة أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، إلا وهددت إيران دولة الإمارات علانية باستخدام القوة العسكرية ضدها، إذ قال قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال أحمد رضا بوردستان، بمناسبة يوم الجيش أمام ممثلي الملحقيات العسكرية الأجنبية في طهران، إن «القوات المسلحة مستعدة لاستعراض اقتدار النظام الإسلامي، إذا لم تثنِ الطرق الديبلوماسية المزاعم في شأن جزيرة أبو موسى».
تصريحات المسؤولين الإيرانيين مقلقة ومغالطة ولا تستبعد أية مفاجآت في المرحلة المقبلة. دولة ترفض المفاوضات والذهاب لمحكمة العدل الدولية، وترفض الوساطات والحلول الديبلوماسية بشأن الجزر الثلاث المحتلة، وفي الوقت نفسه تلوي عنق الحقائق وتزعم في خطاباتها عكس ما تفعل، وكأنها المعتدى عليها. ومن يستمع إلى التهديدات الإيرانية المستمرة لدول الخليج، يعتقد بأن إيران لا ترى في دول الخليج وشعوبها إلا جداراً قصيراً يسهل قفزه وبعثرته وأهانته عبر التدخل في شؤونه أو احتلاله أو الوصاية عليه، بالطريقة التي تنفخ قدراتها العسكرية وتضخم من صورة قوتها «الكرتونية» أمام العالم.
أعتقد أن اللقاء الوزاري الخليجي الأخير في الدوحة وما قبله في الرياض، غابت عنه الرؤية السياسية الموحدة، إذ لم يخرجا سوى بتكرار عبارات الإدانة والاستياء والاستنكار التي نعرفها منذ أن كنا صغاراً. كبرنا ولم تكبر الكلمات السياسية، ومن بين الأسباب عدم استطلاع الحكومات لآراء الشعوب الخليجية في مثل هذه المشكلات والتحديات الخارجية ومسائل الإصلاح. لماذا لا تنظر دول الخليج إلى حال إيران خلال المفاوضات مع دول الغرب، وكيف تصبح لينة هينة وحالها كحال البيت «أسد عليّ وفي الحروب نعامة»!
كل هذا التصعيد الإيراني وفرد العضلات على دول الخليج له أهداف شبه واضحة، من أهمها محاولتها الإثبات للغرب بأنها القوة الإقليمية الأكبر والمهيمنة في الخليج، ولا يمكن أن يستهان بها خلال مفاوضاتها مع الدول الست الكبرى، وهو بمثابة الإعلان للغرب بأن أوراق التفاوض ستكون على المنطقة، وليس على ما ستقدمه للأسرة الدولية بشأن برنامجها النووي فقط. يدعو عدد من الخليجيين في كتاباتهم وتحليلاتهم إلى أهمية دخول بلدانهم في المفاوضات الدائرة بين الغرب وإيران، حتى لا تبقى «متفرجة» والغرب ربما يقبل بصفقة أو صفقات من فوق الطاولة أو من تحتها، بما قد يؤثر في مستقبل أمن الخليج والإقليم. الظروف الراهنة تستدعي من دول الخليج التكتل والخروج من «فزاعة» الإدانة ومن حالة الخجل إلى الفعل، والمسارعة بطلب الانضمام إلى المفاوضات الجارية بين الغرب وإيران، وألا تصمت وتدفن رؤوسها في الرمال، وأن تصبح طرفاً أساسياً في الحوار، وعلى إيران القبول إن كانت تريد إثبات حسن الجوار وصدق النيات. وعلى دول الخليج رفع الصوت والحديث عن تدخلات إيران وتماديها وخطورة برنامجها النووي على بلدانهم. ما تتفوه به إيران من تصريحات وتحذيرات، وما تمارسه من مناوشات ومشاغبات ومناكفات وتهديدات، يتجاوز حسن النية وقيم حسن الجوار، ويرسم علامات استفهام تكبر في كل عام عن خططها ونياتها، ما يستدعي العمل الخليجي الموحد والتحرك الاستراتيجي المدروس، وفق أهداف عليا تقوم على قراءة الواقع الراهن والمستقبل بما يحدد الخطر ويتلمسه، ومدى تأثيره في الأمن الخليجي لإيقاف تلك الممارسات ولجمها لا رفضها واستنكارها فقط، حتى لا تبقى دول الخليج رهينة المخاوف وخشية المشاغبات الإيرانية، ما يجعل المنطقة تعيش على صفيح ساخن وفي قلق مستمر.
قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الخليج الأخير في الدوحة، سُئلتُ عن التوقعات بشأن ما سيسفر عن هذا الاجتماع «الاستثنائي» في الرد على الاستفزازات الإيرانية، وكنت أجيب بأنه لن يحمل موقفاً مغايراً للمواقف السابقة، ولا أتوقع من المجتمعين موقفاً جديداً، وما سيصدر هو بيان استياء وإدانة واستنكار كالعادة ومساندة للموقف الإماراتي. أي لن يتجاوز ما يصدر في البيانات الختامية في القمم الخليجية منذ تأسيس المجلس الخليجي. وهو ما حدث بالفعل. مشكلة دول الخليج التردد حتى إنها غير قادرة على اتخاذ قرار واحد، يتمثل في استدعاء سفرائها من طهران في وقت واحد، أو خفض مستوى التمثيل الديبلوماسي أو مقاطعة المنتوجات الإيرانية. لا يمكن لدول الخليج العربية مواجهة إيران أو أية تحالفات تتشكل في المنطقة إلى جانبها، مثل حكومة المالكي في العراق، طالما ظلت من دون قرار رسمي موحد يتجاوز عبارات الشجب والاستنكار، ويعبر عن صلابة المواقف ويتلمس المخاوف المُشتركة حيال القوة الإيرانية الصاعدة، وتهديدها النووي المُحتمل الذي يؤثر في العواصم الخليجية أكثر مما يؤثر في طهران.
-----------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الإثنين 23 أبريل 2012.