الثلاثاء 28 -2-2012
جاء قرار مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري الذي عقد في القاهرة في 12 فبراير 2012 ، والذي ينص على "إﻨﻬﺎﺀ ﻤﻬﻤﺔ ﺒﻌﺜﺔ ﻤﺭﺍﻗﺒﻲ ﺠﺎﻤﻌﺔ الدول العربية وﺩﻋﻭﺓ ﻤﺠﻠﺱ ﺍﻷﻤﻥ إلى ﺇﺼﺩﺍﺭ ﻗﺭﺍﺭ ﺒﺘﺸﻜﻴل ﻗﻭﺍﺕ ﺤﻔﻅ ﺴﻼﻡ ﻋﺭﺒﻴﺔ ﺃﻤﻤﻴـﺔ ﻤـﺸﺘﺭﻜﺔ للإشرﺍﻑ ﻋﻠﻰ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﻭﻗﻑ ﺇﻁﻼﻕ النار[1]، ليمثل محاولة جديدة لطرق أبواب الأمم المتحدة، بعد أن تصدى كل من الفيتو الروسي والصيني لمشروع القرار العربي الذي يطالب دمشق بوقف العنف ضد المدنيين في جلسة مجلس الأمن أوائل فبراير الحالي.كما أن هذا القرار العربي يمثل نهاية لمحاولة إقليمية عربية جديدة لوقف العنف، بعد أن أنهت الجامعة العربية مهمة المراقبين في ظل عجزها عن وقف نزيف دماء المدنيين في سوريا.
ولا يمكن النظر لهذا القرار العربي تجاه الأزمة السورية بمعزل عن سلسلة القرارات العربية التي اتخذتها الجامعة العربية أثناء تعاملها مع الوضع في سوريا منذ اندلاع الأزمة. فقد اتسم الموقف العربي باعتماد الدبلوماسية والتدرجية والتصاعدية في التعامل مع الملف، إلا أن هذا القرار يعد محطة فاصلة، نظراً لأنه اتسم بجنوح الرؤية العربية عن المسلك السلمي الذي اتبعته مع الأزمة السورية، وبدأ الحديث عن الالتجاء إلى قوات عسكرية كمدخل لفرض الوقف الفوري لإطلاق النار، وفتح الباب لدعم خطة العمل العربية للوصول إلى حل سلمي سياسي للأزمة السورية. وما بين المبادرة والتباحث، ثمة الكثير من الإشكاليات التي يثيرها المقترح العربي
أولا: إشكالية قانونية
تتمثل هذه الإشكالية في أن إرسال قوات لحفظ السلام يتطلب موافقة أطراف النزاع الرئيسية [2]،أي موافقة الدولة المضيفة، وهذا أمر بالغ الصعوبة، في ظل رفض سوريا لقرار الجامعة جملة وتفصيلاً، وعدم اعترافها بأية قرارات للجامعة في غير حضورها. وتعد هذه أولى المعضلات التي تواجه القرار، حيث إن إجبار سوريا على السماح لهذه القوات- حال تشكلها- سيضعنا أمام احتمالين: أحدهما هو العودة للمربع الأول، بما يعني سقوط ضحايا أكثر من المدنيين لمراهنة النظام السوري على وجوده بكل ما يملك، والآخر أنه سيفتح الباب أمام مزيد من التدويل من خلال انتهاج المزيد من التشدد من قبل المجتمع الدولي عن طريق فرض عقوبات دولية على النظام السوري، وتشديد العقوبات الإقليمية من قبل الجامعة العربية لإجبارها على قبول القوات، الأمر الذي سيشوبه تناقض. حيث إن مزيدا من العقوبات السياسية يعني قطعا كاملا للاتصالات الدبلوماسية الرسمية، الحال الذي قد يسمح لقوى إقليمية، غير عربية أو دولية أخرى، بالدخول كطرف مفاوض مع النظام السوري بما يضع المؤسسة العربية في مأزق ينم عن محدودية الخيارات.
ومن الإشكاليات القانونية التي تواجه القرار العربي أيضاً مسمى القوات، حيث إن تعريف "قوات حفظ السلام" لابد أن يأتي بعد نزاع بين طرفين، والتزام الأطراف بعملية سياسية. وفي حال عدم توافر هذه الشروط، فإن ذلك يضع قوات حفظ السلام في خطر أن تحسب على أحد أطراف النزاع، وتتحول لطرف في النزاع، وتنأى بمهمتها الأساسية وهي حفظ السلام[3] والحال في سوريا لا تنطبق عليه هذه الشروط بشكل واضح.
ومن المستبعد أن يتولد اتفاق سياسي على مساواة النظام بالمدنيين، فأصل الأزمة السورية نبعت من مفهوم المسئولية الجماعية، وليس مفهوم إقرار سلام. بمعنى آخر، فإن التحرك الإقليمي والعربي يستند على انتهاك النظام السوري لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي الإنساني[4] وليس تهديد السلام والأمن الدوليين أو الإقليميين، الأمر الذي يفرض مراجعة للمسمى المقترح للقوات من الناحية القانونية.
ثانيا: إشكالية عربية
تنطلق الرؤية العربية بشكل أساسي في التعامل مع أزمة سوريا من تأكيد أولوية الحل الإقليمي العربي للأزمة، والحيلولة دون تدويل منفرد للأزمة خارج شرعية المنظمات الإقليمية أولاً، المنطلق الذي تسعى الجامعة العربية من خلاله للحصول على دعم دولي للتحرك العربي في الأزمة السورية، وبما يتوافق مع الفقرة 3 من المادة 52 من ميثاق الأمم المتحدة ونصها: "على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية عن طريق المنظمات الإقليمية أو الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر، أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن" [5].
ففي ظل هذه الرؤية، جاء المقترح العربي بتشكيل قوات حفظ سلام عربية-أممية. ويرى البعض أن الالتجاء لهذا المقترح هو بالأساس رسالة سياسية للضغط على نظام الأسد، إلا أن القدرة على تنفيذه تحتاج إلى وقت غير قليل، الأمر الذي سيعطي بشكل غير مباشر مهلة للنظام للمماطلة، ولإعمال المزيد من العنف ضد المدنيين. وتنبع صعوبة تنفيذ المقترح مما سيواجه من إشكاليات لوجيستية عربية بالأساس. فكما أن الحل إقليمي، فجوهر المعضلات التي تقف أمامه إقليمية أيضاً، وهذا ينقلنا إلى النقطة التالية الخاصة بالإشكالية اللوجيستية.
ثالثا:إشكالية لوجيستية
وتتمثل هذه الإشكالية في عدم التيقن من الدول العربية التي لها قدرات عسكرية وجادة في إرسال قوات عسكرية بالعدد المطلوب إلى الأراضي السورية. ومن ناحية لوجيستية أخرى، فمن الصعب على أرض الواقع الوقوف على خط فاصل فيما بين القوات والمتظاهرين، فلا توجد قوتان متحاربتان أو طرفان عسكريان بالمعنى التقليدي على أرض الواقع حتى يمكن الفصل بينهما من منطلق "حفظ السلام".
فالطبيعة الجغرافية والديموغرافية للحالة السورية تفرض صعوبات كثيرة أمام نشر قوات، وضعاً في الحسبان أن القوى الكبرى عادة ما تفضل المشاركة عن بعد، وليس بنشر قوات على الأرض وفي الشوارع. بل إنه من الصعب في ظل صيغة هذا القرار تحديد آلية لهذه القوات، في حال تشكيلها وتحديد مناطق تمركزها، وعلى أي أساس، وما هي طبيعة عملها، وحدود مهامها، ودرجة تسليحها، وضمانات عدم دخول هذه القوات في اشتباكات [6].
بل إن ثمة تساؤلات أمنية تفرض نفسها، وهي ما هو موقع إسرائيل من عمل هذه القوات؟، كل هذه أمور من غير المتخيل أن تغيب عن ترتيباتها دمشق، في الوقت الذي تقع فيه كل أراضي الإقليم تحت سيطرة النظام الحاكم وآليته العسكرية. ففي حال غياب التنسيق مع نظام الأسد، لن يكون الحراك العربي الدولي لحفظ سلام بقدر ما سيتحول الأمر بشكل ما إلى شن عدوان على دولة، الأمر الذي لن يكون في صالح القضية العادلة للمدنيين السوريين.
بهذا المعنى، فمن المرجح أن يتم الحديث عن قوات تتشكل في أغلبها من عناصر مدنية على شاكلة قوات لحفظ وتحقيق الاستقرار" على شاكلة تلك التي سبق إرسالها لكوسوفو ورواندا، بحيث تركز مهمتها على توفير مستلزمات الإغاثة والمياه والكهرباء والعمليات الطبية، إضافةً إلى المكون العسكري لحفظ الاستقرار والأمن [7].
رابعا: إشكالية مؤسسية
إن فشل مجلس الأمن في الوصول لتوافق في حل أزمة سوريا أعاد الكرة مرة أخرى إلى الجامعة العربية التي حاولت أن ترسل لدمشق من خلال قرارها رسالة واضحة بأن الدول الأعضاء لن يوجد لديها غضاضة في التدويل النسبي للأزمة، والتخلي عن الغطاء العربي للنظام المتمثل في قبول مماطلته. بهذا المعنى، ساعد القرار الجامعة على تخطى- بدرجة ما- المعضلة السياسية. ولكن ثمة معضلة مؤسسسية تواجه القرار، وهي أنه لا يوجد في ميثاق الجامعة العربية ما ينظم عمل مثل هذه القوات باختلاف مسمياتها، بحيث تفتقد الجامعة لأرضية قانونية منظمة، يجعل من الصعوبة الوقوف على تفاصيل تشكيل القوات المقترحة.
فرغم وجود سابقتين، هما مشاركة قوات عربية ضمن قوات الإتحاد الإفريقي في دارفور، وقوات الردع العربية في لبنان في الحرب الأهلية، فإنهما لم تؤسسا لنظام عربي أمني محدد الملامح، فقد كان تشكيل هذه القوات مرتهنا بشكل كبير بتمايز ظروف كل حالة. بل إنه بالنظر إلى الحالة الليبية أخيراً، تتبين محدودية البدائل أمام الجامعة في هذا المجال، فضلاً عن أن الحالة الليبية لا يمكن قياسها بالحالة السورية ديموغرافياً، وجغرافياً، وأمنياً، وسياسياً.
خامسا: إشكالية سورية
إن الإشكاليات السورية التي يثيرها هذا القرار لها شقان، شق يتعلق بنظام الأسد، حيث إن الحديث عن قوات لحفظ السلام بالشكل الذي جاء في القرار العربي يفترض إبرام اتفاق سلام، أو الالتزام بتعهد لوقف إطلاق النار [8] بشكل فوري من قبل النظام السوري أولاً، الأمر الذي يصعب الجزم به، أو ضمان الالتزام به من قبل نظام الأسد. وفيما يخص الشق الثاني، وهو المعارضة السورية، فإن المعارضة السورية حتى الآن لا يمكن النظر إليها باعتبارها كلا متجانسا مقابل النظام السوري، الأمر الذي يفرض مخاوف حول مستقبل الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد.
بمعنى آخر، يثير مخاوف لدى القوى الكبرى المؤيدة للنظام السوري (روسيا والصين) في الانخراط في صراع مع النظام من خلال المشاركة في قوات دولية، والخوف من جنوح الولايات المتحدة والغرب لإسقاط النظام، في ضوء عدم وضوح توجهات المعارضة السورية، وعدم وضوح سيناريوهات بناء النظام بعد إسقاطه.
سادسا: إشكالية دولية
إن المقترح العربي بشكل أولي هو رد فعل لفشل الدبلوماسية الدولية، ممثلة في مجلس الأمن في الوصول لحل لأزمة سوريا، ولكن بدا وكأن المقترح العربي لإرسال قوات حفظ سلام عربية أممية جاء دون تنسيق مع القوى الكبرى في مجلس الأمن المخاطب بالقرار، بحيث تباينت ردود الأفعال الدولية. ففي حين أعلن الاتحاد الأوروبي تأييده لدعوة بريطانيا بألا تكون تلك القوات غربية، وتحذير فرنسي من إرسالها خارج مظلة مجلس الأمن([9])، فإن روسيا تحدثت عن موافقة مشروطة بموافقة جميع الأطراف. وأشارت الصين إلى إمكانية تدارس المقترح العربي، وهو ما يعني عدم رفضه من حيث المبدأ. هذا التردد الدولي في قبول الطرح العربي سيفتح المجال أمام مراجعة للطرح، خاصة أنه تمت صياغته في القرار العربي بشكل غير محدد، الأمر الذي يجعلنا نرى في الأفق صيغة مختلفة بشكل كبير عن صيغته وفكرته الحالية.
وفي النهاية، فإن القرار العربي بتشكيل قوات حفظ سلام لا يمكن اعتباره سوى نقطة بداية في فصل جديد من فصول التعامل مع النظام السوري، فصيغته الفضفاضة ستسمح بتطوير المقترح بشكل كبير. كما أن هذا القرار كما أرسل رسالة شديدة اللهجة إلى نظام الأسد، فقد أرسل رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن لا تحرك عربيا في سوريا دون دعم دولي يحظى بتوافق جميع الأطراف، ولا يعمل خارج إطار الأمم المتحدة. وسيظل عامل الزمن تكلفة تحسب على الجانب العربي، ودليل إدانة للمجتمع الدولي، ومكسبا يحاول النظام السوري إطالة أمده على حساب دماء المدنيين.
([1])نص قرار مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري رقم 7446، د.غ.ع.م ، 12/2/2012
([4])سيسيل غالوت، المسئولية الفردية والجماعية للدول.. حالات الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، العدد 42، جريدة حق العودة.
([5]بيان الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية أمام مجلس الأمن، نيويورك: 31/1/2012
([6]قوات حفظ سلام = حرباً مرفوضة دولياً، موقع الأخبار، 20/2/2012