قامت الصين وإسرائيل بتوسيع علاقاتهما فى العقدين الماضيين، وطورتا شراكة متبادلة تعود بالنفع على كلاهما، لكن فى السنوات الأخيرةاستجابت تل أبيب للمخاوف الأمنية للولايات المتحدة وتراجعت التجارة مع الصينإلى مستويات متدنية. فى هذا السياق أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، إلى أن حكومته تريد مواصلة التعاون مع الصين والاستمرار فى حماية المصالح الوطنية، لكن لا يزال يتعين على إسرائيل موازنة تلك الرغبة مع المواقف والمخاوف الأمريكية تجاه الصين[1]. وعليه فإن هذا نتسائل، كيف تطورت العلاقات بين إسرائيل والصين؟ وما هى مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من تطور العلاقات بين إسرائيل والصين؟
أولا- العلاقات التاريخية بين الصين وإسرائيل:
اعترفت إسرائيل رسميًا بجمهورية الصين الشعبية فى عام 1950، لتصبح سابع دولة غير شيوعية - والأولى فى الشرق الأوسط، وعلى الرغم من هذا السخاء الدبلوماسى، انخرطت الصين فى الخطاب المعادى لإسرائيل وقدمت مساعدات مالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفى الوقت نفسه، ثبطت الولايات المتحدة إسرائيل عن محاولة إقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية فى أعقاب الحرب الكورية[2]، وبدأت العلاقات الصينية الإسرائيلية غير الرسمية فى الزراعة والعلوم والسياحة والاتصالات[3] وفى عام 1987، عين رئيس الوزراء شيمون بيريز "عاموس يودان" لتأسيس أول شركة إسرائيلية رسمية مملوكة للحكومة لتأسيس وتعزيز الأنشطة التجارية بين الشركات فى الصين وإسرائيل، وكانت شركة Copeco Ltd.نشطة حتى عام 1992. قبل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة حيث أنشأت إسرائيل والصين مكاتب تمثيلية فى بكين وتل أبيب[4].
أقامت إسرائيل والصين علاقات دبلوماسية رسمية فى يناير 1992، وفى عام 2000 دخل جيانغ زيمين التاريخ كأول رئيس صينى يزور إسرائيل، وقام أربعة رؤساء إسرائيليون وثلاثة رؤساء وزراء، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فى مارس 2017، بزيارات دبلوماسية وتجارية إلى بكين. ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وسّعت الصين وإسرائيل علاقاتهما بسرعة، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسى ولكن فى التجارة والاستثمار والبناء والتعليم والعلوم والسياحة.
تتمثل المصالح الرئيسية للصين مع إسرائيل فى إقامة الشراكات مع شركات التكنولوجية الإسرائيلية، والاستثمار فى البنية التحتية الحيوية كجزء من مبادرة الحزام والطريق التى أطلقتها بكين فى عام 2013 لتطوير البنية التحتية التجارية للصين فى أوروبا وإفريقيا والتى تشمل الآن ما يزيد عن 130 دولة.وتريد إسرائيل تطوير علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الاقتصاد الرئيسى الأسرع نموًا فى العالم، حيث يتيح توسيع التجارة مع بكين فرصة للاستفادة من رأس المال الصينى والتنوع بعيدًا عن شركائها التجاريين التقليديين فى أوروبا والولايات المتحدة[5].
ثانيا- التهديدات الأمنية:
بين عامى 2007 و2020، استثمرت الصين 19 مليار دولار فى إسرائيل، بما فى ذلك 9 مليارات دولار فى التكنولوجيا عام 2018، وتلقت الشركات الإسرائيلية الناشئة فى مجال التكنولوجيا 325 مليون دولار من الاستثمارات الصينية. وتدرك الصين أن شركات التكنولوجيا الإسرائيلية التى تتعاون معها لها صلات بشركات رفيعة المستوى فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. وهذا يمثل فرصة لبكين للتأثير بشكل غير مباشر على المشهد السياسى والاقتصادى الأمريكى من خلال شركائها الإسرائيليين، الذين لديهم تأثير أوسع فى الولايات المتحدة[6]. واستثمرت الصين أيضًا 6 مليارات دولار فى البنية التحتية الإسرائيلية وعملت كمقاول للعديد من مشاريع البنية التحتية الإسرائيلية الرئيسية مثل بناء أول سكة حديد فى تل أبيب من قبل شركةChina Railway Tunnel Group، التى فازت بعطاء يقارب 810 مليون دولار فى مايو 2015[7]. وأحد هذه المشاريع، وهو بناء ميناء جديد فى مدينة حيفا الشمالية وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق.[8]
اعتبر الخبراء والمسئولون الأمنيون الوجود الواسع للشركات الصينية فى البنية التحتية الحيوية والمشاركة فى الشركات التكنولوجية الإسرائيلية الناشئة خطرًا أمنيًا، حيث قال رئيس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى الشاباك:"إن النفوذ الصينى فى إسرائيل خطير بشكل خاص فى كل ما يتعلق بالبنية التحتية الاستراتيجية وهناك حاجة إلى تشريع للإشراف على الاستثمار الصينى فى إسرائيل"[9]. بالإضافة إلى المخاوف الأمنية، حذرت جمعية بناة إسرائيل(IBA) من أن الصين استولت على سوق البنية التحتية فى إسرائيل لأن جميع الشركات الصينية العاملة فى إسرائيل هى "مجموعة قابضة" واحدة مملوكة للحكومة الصينية[10]. وأصبح خطر السماح للصين بالوصول إلى البنية التحتية الإسرائيلية موضع تركيز أكبر عندما كانت إسرائيل ضحية أول هجوم إلكترونى صينى لها فى أغسطس 2021. وفقًا لشركة الأمن السيبرانى الدوليةFireEye ، فقد نجح المتسللون الصينيون فى الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر التابعة للحكومة الإسرائيلية وشركات التكنولوجيا بين عام 2019 و2020. وكشف تقرير صادر عنFireEye أن الأهداف شملت هيئات حكومية وكذلك مؤسسات خاصة فى مجالات الشحن، والتكنولوجيا، والاتصالات، والدفاع، والأوساط الأكاديمية، وتكنولوجيا المعلومات.[11]ولم تكن هناك أدلة كافية لربط الهجوم السيبرانى بالحكومة الصينية، ولم يثير تقريرFireEyeالكثير من الضجة فى إسرائيل[12]، ومع ذلك، حاولت السلطات الإسرائيلية تقييد الشركات الصينية من المشاركة فى مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا،ومثلما نمت العلاقات بين إسرائيل والصين فى العقدين الماضيين، نمت كذلك مخاوف الولايات المتحدة بشأن الشراكة، وتخشى واشنطن من أن التقنيات العسكرية المتطورة التى قدموها لإسرائيل لعقود من الزمن قد يتم نقلها إلى بكين[13].
حذرت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أولا من هذه المخاطر الأمنية المحتملة، حيث أخبر وزير الخارجية مايك بومبيو القناة 13 الإسرائيلية فى مارس 2019، أن "استثمار الصين فى إسرائيل يمكن أن يقوض تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل". حتى أن بومبيو هدد بقطع التعاون مع إسرائيل وقال: "إذا ذهبت أنظمة معينة فى أماكن معينة، فإن جهود أمريكا للعمل جنبًا إلى جنب مع إسرائيل ستكون أكثر صعوبة، وفى بعض الحالات، لن نتمكن من القيام بذلك[14]، وعلى الرغم من أن تل أبيب تتمتع بعلاقات جيدة مع بكين، إلا أنها لا ترغب فى تنفير الولايات المتحدة لمصلحة الصين تحت أى ظرف من الظروف، وإذا أُجبرت إسرائيل على الاختيار بين القوى العالمية، فلن تتردد فى الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، على الرغم من أن ذلك سيعرض شراكاتهم الاقتصادية مع الصين للخطر.ولهذا السبب، انضمت إسرائيل إلى الولايات المتحدة فى 30 أكتوبر 2021، لإدانة الصين بسبب معاملتها غير الإنسانية للأويغور فى اللجنة الثالثة للأمم المتحدة، التى تناقش حقوق الإنسان[15].
وتشك واشنطن بشدة فى وصول الصين إلى البنية التحتية الحساسة لإسرائيل، كما أن السلطات الأمريكية لم تشجع على استخدام SIPGلبناء ميناء حيفا حيث كان الأسطول السادس للبحرية الأمريكية، الذى يرسو أحيانًا فى حيفا، من أوائل من أطلق إنذارات بشأن المراقبة الصينية هناك، و قال رئيس العمليات البحرية الأمريكية السابق جارى روجيد فى عام 2018: "سيكون مشغل الموانئ الصينى قادرًا على مراقبة تحركات السفن الأمريكية عن كثب"[16]. وعلى الرغم من فتح الميناء، اضطر المسئولون الإسرائيليون إلى مراجعة العديد من المشاريع للرد على مخاوف الولايات المتحدة، وتحت ضغط من إدارة ترامب، أعلنت إسرائيل فى 26 مايو 2020، أنها اختارت شركةIDE Technologies المحلية بدلا من شركة صينية لبناء وتشغيل Sorek 2، وهى محطة ضخمة لتحلية المياه[17]. كما أعربت إدارة بايدن عن قلقها بشأن العلاقة بين الصين وإسرائيل قبل أن يغادر رئيس الوزراء السابق نفتالى بينيت لاجتماعه الأول مع الرئيس جو بايدن فى 27 أغسطس 2021، وذكرأن الحكومة الإسرائيلية أخذت مخاوف الولايات المتحدة بشأن العلاقات مع الصين على محمل الجد، واعتبرتها قضية أمن قومى[18].
ثالثا- العلاقات الإسرائيلية-الصينية وسط التنافس الصينى-الأمريكي:
أثار استثمار الصين بملايين الدولارات فى محطة حاويات فى ميناء حيفا غضب المسئولين الأمريكيين، وصعود الصين كقوة لا يستهان بها على المسرح العالمى، والموقف الأمريكى الذى أجبر إسرائيل على إعادة النظر فى طبيعة علاقاتها مع العملاق الشرقى، مثل ذلك إشكالية بالنسبة لإسرائيل حول كيفية الحفاظ على الاستقلال الاستراتيجى وسط مصفوفة جغرافية اقتصادية مشحونة بشكل متزايد[19]، وبالعودة إلى عام 2017، وهو وقت ازدهار التعاون الاقتصادى بين إسرائيل والصين فى مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا، سافر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى بكين مع وفد يضم 100 رجل أعمال وأربعة وزراء، وصادف ذلك العام الذكرى السنوية الخامسة والعشرين للعلاقات الإسرائيلية-الصينية، وكان تعميق التعاون التكنولوجى على رأس جدول الأعمال. لدرجة أن رئيس الوزراء نتنياهو والأمين العام للحزب الشيوعى الصينى شى جين بينغ، انتهزوا الفرصة لتصنيف علاقة بلديهما على أنها" شراكة ابتكارية شاملة". فى غضون ذلك، كان الشعور فى واشنطن مختلفًا كثيرًا.وبعد تسعة أشهر فقط من عودة نتنياهو من بكين، خلصت المؤسسة الأمريكية إلى أن الصين ترغب فى "تشكيل عالم يتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية" و"إزاحة الولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ[20].
بحلول يناير 2018، أطلقت إدارة دونالد ترامب الطلقة الأولى من مدفعها الاقتصادى، وفرضت قيود تصدير معوقة على شركة الاتصالات الصينية ZTEثم هواوى،وتصاعدت الأعمال والردود من جانب الولايات المتحدة، حيث أُطلقت حملة لإقناع الحلفاء والشركاء فى جميع أنحاء العالم بالحد من أو استبعاد أو إزالة أى مشاركة صينية فى بنيتها التحتية الحيوية وأنظمتها البيئية الرقمية[21]، ولم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ المسئولون الأمريكيون فى التدقيق وانتقاد ما اعتبروه تعاونًا بغيضًا محتملًا بين حليفها الشرق أوسطى الأكثر ثقة و "المنافس الاستراتيجي" المعين حديثًا،وأصبحت مشاريع البنية التحتية الإسرائيلية مثيرة للجدل، وكانت محطة الحاويات الجديدة فى ميناء حيفا التى ستعمل بها مجموعة موانئ شنغهاى الدولية لمدة 25 عامًا أول من أثار غضبًا بين المسئولين الأمريكيين فى عام 2018[22]. وبعد مرور عام، أثار تركيب محولاتHuawei فى شبكة الألواح الشمسية الإسرائيلية انتقادات من قبل ممثل وزارة الطاقة الأمريكية[23].
تركزت مخاوف واشنطن بشأن مشاركة الصين فى البنية التحتية الإسرائيلية فى المقام الأول على قضايا الأمن السيبرانى والتجسس ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية[24]، مما دفع مشاريع البنية التحتية المدنية هذه إلى مجال الأمن القومى،ولمعالجة هذه المخاوف ومخاوف مماثلة، سارعت إسرائيل إلى تشكيل لجنة مراجعة الاستثمار الأجنبي للبنية التحتية الحيوية فى عام 2019. ومنذ ذلك الحين، خضعت الآلية لتكرارات متعددة لتحسين فعاليتها، واعتبر الكثيرون فى إسرائيل والولايات المتحدة هذه الخطوة خطوة فى الاتجاه الصحيح، بما يتفق مع ردود فعل العديد من الدول الأوروبية وأماكن أخرى، وفى النهاية كان جهاز الأمن الإسرائيلى قادرًا على تهدئة مخاوف الولايات المتحدة بشأن محطة ميناء حيفا على الرغم من رفضه قبول طلب للسماح لخفر السواحل الأمريكى بإجراء فحص أمنى على المنشأة.[25]
بعد وقت قصير من زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكى آنذاك مايك بومبيو إلى القدس فى مايو من عام 2020، حدث أن خسرت مجموعةHutchinson Group ومقرها هونج كونج عرضًا لمنشأةSorek-B لتحلية المياه، وفى يناير 2022 فشل كونسورتيوم صينى فى تأمين مناقصة لبناء الخطين الأخضر والبنفسجى لقطار تل أبيب الخفيف، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هذه المناقصات "اعتبرها المسئولون فى واشنطن بمثابة اختبار رئيسى لسياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الصين[26].
يبدو أن آلية فحص الاستثمار الأجنبى فى إسرائيل تعمل ومع ذلك فشلت اللجنة الجديدة فى معالجة المخاوف الأساسية الأخرى لأمريكا: حيث أن التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة قد تجد طريقها بين المدنيين والعسكريين فى الصين وبالتالى تعزز قدرات جيش التحرير الشعبى على حساب الجيش الأمريكى فى مجال التكنولوجيا العسكرية، فمنذ عام 2002، أبرمت الشركات الصينية نحو 500 صفقة استثمار (مسجلة) فى إسرائيل، 97٪ منها كانت فى قطاع التكنولوجيا، وبلغت هذه الاستثمارات فى التكنولوجيا الإسرائيلية أكثر من 9 مليارات دولار، وفى الوقت نفسه أقامت الشركات متعددة الجنسيات مثلHuawei وغيرها مرافق البحث والتطويرمن خلال الاستحواذ على الشركات الإسرائيلية، وتوظيف عشرات الخبراء فى مجالات تتراوح بين الاتصالات والذكاء الاصطناعى إلى الحوسبة السحابية وعلوم البيانات[27] .
جزء كبير من صادرات إسرائيل إلى الصين، والتى قدرت قيمتها نحو 4.5 مليار دولار منذ عام 2018، يشمل أشباه الموصلات والمعدات المستخدمة فى إنتاجها، و وفقًا لمرصد التعقيد الاقتصادي، شكلت الدوائر المتكاملة ما يصل إلى 45.9٪ من الصادرات إلى الصين فى عام 2020. وجاءت أدوات القياس اللاحقة بنسبة 8.97٪، تليها أجهزة الأشعة السينية بنسبة 4.7٪، وكقاعدة عامة لا تبيع إسرائيل التقنيات العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج للصين، كان هذا هو الحال منذ أن ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل للتراجع عن صفقتين أسلحة مربحتين مع الصين فى عامى 2000 و2004.وأنشأت إسرائيل وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية (DECA) داخل وزارة الدفاع فى عام 2006 لتوفير الإشراف والتنظيم للتكنولوجيا الحساسة والمعلومات ومعدات الدفاع.[28]والجدير بالذكر أن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية لديها أيضًا وكالة مراقبة الصادرات وهى المسئولة عن تنظيم السلع والتقنيات والخدمات ذات الاستخدام المزدوج، فى يونيو2021 أعلنت الوكالة أنها ستزيد من إنفاذ ضوابط التصدير المدنية.[29]
فى أغسطس 2021 كشفت شركةFireEye للأمن السيبرانى عن هجوم إلكترونى واسع النطاق استهدف الهيئات الحكومية والمنظمات الخاصة العاملة فى مجال الشحن والتكنولوجيا الفائقة والاتصالات والدفاع والأوساط الأكاديمية وتكنولوجيا المعلومات وبعد ذلك بعام، أفادت وسائل الإعلام أن المؤسسات التابعة للدولة الصينية كانت تدير شبكات تجنيد تستهدف العلماء الإسرائيليين فى محاولة للحصول على الملكية الفكرية.[30]
فى يناير 2022، وافقت إسرائيل على إخطار الولايات المتحدة بأى صفقات كبيرة مع الصين، وفى يوليو أطلق الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء آنذاك يائير لابيد الحوار الاستراتيجى رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التكنولوجيا"لإقامة شراكة حول التقنيات الحيوية والناشئة للارتقاء بالتعاون بين الدول إلى آفاق جديدة". بينما لم يتم ذكر الصين فى سياق الحوار الجديد، وفى العام 2021، ضاعفت لجنة شئون الأمن القومى التابعة لمجلس الوزراء الإسرائيلى من تشديد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية، وأصدرت قرارًا بتخفيض عتبة تدخل اللجنة إلى 20٪ من حصة الملكية الأجنبية (5٪ فى حالات استثنائية) من عتبة 50٪ السابقة، وعلى الرغم من جميع الإجراءات التى اتخذتها إسرائيل لتهدئة مخاوف الولايات المتحدة فإن الضغط على تل أبيب مستمر بلا هوادة، ففى سبتمبر 2023 ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن البيت الأبيض ضغط على إسرائيل لقطع علاقات البحث العلمى مع الصين، مشيرة مرة أخرى إلى مخاوف ذات الاستخدام المزدوج، وقال مصدر فى وزارة الدفاع لوسائل الإعلام إنه يعتقد أن هدف الولايات المتحدة "هو تقليل أو إن أمكن قطع التعاون بين منظمات الأبحاث الإسرائيلية والصينية[31]".
لقد استيقظت إسرائيل على التحديات المتزايدة التى يطرحها التقارب مع الصين، كما تدهورت وجهات نظر الجمهور الإسرائيلى تجاه الصين، التى كانت ذات يوم إيجابية للغاية، إلى مستويات تتفق تقريبًا مع تلك الموجودة فى الغرب. ومع ذلك لا تزال هناك تحفظات لدى بعض الإسرائيليين بشأن المخاوف الأمريكية ومدى السماح للولايات المتحدة بالتدخل فى سياسة إسرائيل تجاه الصين.[32]
رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق يوسى كوهين هو أحد هؤلاء المنتقدين الذين أعربوا عن شكوكهم بشأن نهج واشنطن المتشدد بشكل متزايد، حيث قال خلال محاضرة ألقاها فى جامعة بار إيلان فى يونيو 2021: "لا أفهم ما يريده الأمريكيون من الصين إذا كان أى شخص يفهم فعليه أن يشرح لى الصين ليست ضدنا وليست عدونا"[33]، وكتب أحد الخبراء الإسرائيليين فى شئون الصين، البروفيسور يتسحاق شيشور:"يبدو أن واشنطن مهووسة بالصين لدرجة أنها تبدو اضطرابًا نفسيًا"، وفى مقال نُشر فى يناير 2022 The Marker، أقر نعوم غروبر كبير الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى ورئيس الأبحاث السابق فى المجلس الاقتصادى الوطنى الإسرائيلى، بأن مخاوف الولايات المتحدة مشروعة لكنه أعاد تأكيد مشاعر زملائه بأن "الصين ليست العدو لإسرائيل، ويعتقد أن طلبات الولايات المتحدة لتقييد مشاركة الصين فى المجال المدنى تتجاوز الخط ولا ينبغى أن تقبلها المؤسسة الإسرائيلية، ويرى أن هذا الوضع يثير مخاوف من أن الشركات الصينية ستحجب عطاءاتها فى المناقصات الحكومية فى إسرائيل، والنتيجة هى أن المشاريع ستكلف وقتا ومالا أكثر"[34].
الخلاصة:
توفر العلاقات الصينية-الإسرائيلية لكلا البلدين فرصًا مهمة حيث تتمثل الأهداف الأساسية للصين فى إسرائيل فى الحصول على التكنولوجيا المتقدمة واستخدام موقع إسرائيل للربط التجارى، وتريد الصين الحفاظ على علاقتها مع إسرائيل مع الاستمرار فى التمتع بعلاقات جيدة مع دول العالم العربى والإسلامى.
تسعى إسرائيل إلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الاقتصاد الرئيسى الأسرع نموًا فى العالم وتنويع أسواق التصدير ومصادر الاستثمار، وقد تتسبب العلاقة فى اختلاف مصالح إسرائيل عن مصالح الولايات المتحدة، كما يزعج انخراط الصين فى قطاع التكنولوجيا الإسرائيلى واشنطن، لا سيما فى ضوء التوترات التجارية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين.
يثير بناء الصين وتشغيلها لمشاريع البنية التحتية الرئيسية فى إسرائيل مخاوف سياسية وأمنيةحيث يؤدى التثبيت الصينى للكاميرات والراديو والألياف الضوئية والشبكات الخلوية مع الوصول إليها إلى زيادة مخاطر الأمن السيبرانى وخصوصية البيانات ومخاطر التجسس، ويثير التورط الصينى فى الموانئ التجارية المتاخمة للقواعد البحرية الإسرائيلية مخاوف أمنية لدى إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة.
الهوامش:
[1]Bari Weiss, “Bibi’s Back: A Conversation with Israel’s new Prime Minister,” The Free Press, November 30, 2022, https://www.thefp.com/p/bibis-back-a-conversation-with-israels
[2]Jordyn Haime, “ ‘The Honeymoon is Over’: Israel and China at 30 Years,” The China Project, May 20, 2022, http://bitly.ws/yPC9.
[3]Galia Lavi, “Interview with Prof. Yitzhak Shichor: American Interests Affect the Changes in Israel-China Relation,” INSS, August 8, 2022, http://bitly.ws/yPCs.
[5]Shira Efron, Howard J. Shatz, Arthur Chan et.al, The Evolving Israel-China Relationship, (Santa Monica: RAND Corporation, 2019), http://bitly.ws/yPD5.
[6]Shira Efron, Karen Schwindt, and Emily Haskel, Chinese Investment in Israeli Technology and Infrastructure: Security Implications for Israel and the United States (Santa Monica: RAND Corporation, 2020), http://bitly.ws/yPE9.
[7]“China-Israel Business Cooperation, Intercultural Exchanges Heating up,” The State Council Information Office – The People’s Republic of China, June 12, 2017, http://bitly.ws/yPDn.
[8]“China Infrastructure Helps Israel’s Haifa New Port Project Construction,” Seetao, August 24, 2022, http://bitly.ws/yPDa.
[9]قلق الولايات المتحدة بشأن تنامى الاستثمارات الصينية فى إسرائيل"، الشرق الأوسط، 11يناير 2019، http://bitly.ws/yPEg.
[10]Galia Lavi, “China and National Infrastructure in Israel: Past the Peak,” Strategic Assessment, vol. 25, no. 2 (2022): p. 107, http://bitly.ws/yPEt.
[12]Alexander Martin, “Chinese Cyber Spies ‘Posed as Iranians While Targeting Israeli Government,’ ” Sky News, August 10, 2021, http://bitly.ws/yPEZ.
[15]Tovah Lazaroff, “Israel Joins 50 Nations in Condemning China’s Imprisonment of Uyghurs,” Jerusalem Post, November 1, 2022, http://bitly.ws/yPFc.
[16]Danny Zaken, “Chinese-Operated Port Opens in Israel Despite American Concerns,” Al-Monitor, September 9, 2021, http://bitly.ws/yPFi.
[17]Rina Bassist, “China Loses Bid to Build $1.5 Billion Desalination Plant in Israel,” Al-Monitor, May 26, 2020, http://bitly.ws/yPFr.
[18]Assaf Orion, “What Is the New Israeli Government’s China Policy?” Jerusalem Post, 3 January 2023, http://bitly.ws/yPFy.
[19]Ting Shi, “How China Is Building Bridges with the Middle East,”Bloomberg News, January 26, 2016.
[20]Matt Schiavenza, “What Is China’s Plan for the Middle East?” The Atlantic, May 10, 2013. This issue is handled comprehensively in Degang Sun and Yahia Zoubir, “China’sParticipation in Conflict Resolution in the Middle East and North Africa: A Case of Quasi- Mediation Diplomacy?” Journal of Contemporary China, Vol. 27, No. 110, 2018, pp. 224–243.
[21]Noa Landau, “In Blow to Trump and Netanyahu, UN Rejects U.S. Recognition of Jerusalemas Israel’s Capital,” Haaretz, December 21, 2017.
[22]Mordechai Chaziza, “China’s Policy in the Middle East Peace Process After the Cold War,” China Report, Vol. 49, No. 1, 2013, pp. 161–199.
[23]Adam P. Liff, “China and the U.S. Alliance System,” The China Quarterly, Vol. 233, March 2018.
[24]Telephone conversation with a former U.S. official with extensive experience in Israel-U.S. relations, August 2017.
[25]Dubi Ben-Gedalyahu, 2015; and Niv Elis, “Private Ashdod Port Building Ahead of Schedule, Says Ports Company,” Jerusalem Post, April 12, 2016.
[26]Galia Lavi, Jingjie He, and Oded Eran, “China and Israel: On the Same Belt and Road?”Strategic Assessment, Vol. 18, No. 3, October 2020.
[27]Lavi et al., 2015. The statistics were based on Pu Zhuhua and Zhong Feiteng, The BlueOcean for Going Abroad: Investment Attractiveness Evaluation of One Belt One Road Countries for Chinese Enterprises, Beijing: Social Science Academic Press, 2015, p. 125.
[28]Yoram Evron, “OBOR’s Impact on Sino-Israeli Relations,” in Anoushiravan Ehteshami and Niv Horesh, eds., China’s Presence in the Middle East: The Implications of the One Belt One Road Initiative, Abingdon, UK: Routledge, 2018.
[29]Zou Xiaoli, “Thank You, Hellas!” Embassy of the People’s Republic of China in the Hellenic Republic, May 22, 2018
[30]“Israel’s Passage of ‘Jewish Nation-State’ Law Causes Controversy,Global Journal, August 16, 2018
[31]Kersten Knipp, “Israel and Saudi Arabia: New Best Friends in the Middle East?” Deutsche Welle, November 28, 2017; and Courtney Kube, “Israel Seems to Be Preparing for War with Iran, U.S. Officials Say,” NBC News, May 1, 2018.
[32]Although this measure is imperfect, it has proved useful in capturing the extent of the PRC’s diplomatic ties, not only with Israel but also with several other countries, as shown in Scobell et al., 2018.
[33]Raphael Ahren and Yifeng Zhou, “Netanyahu to Times of Israel Chinese: I Hope Beijing’s ‘Superb’ Relations with Israel Will Affect Its UN Votes,” Times of Israel, March 23, 2017
[34]discussion with an official at Israel’s Ministry of Foreign Affairs, Jerusalem, July 2017.