تحليلات

خريطة ترامب الجديدة .. ما وراء تهديدات ضم قناة بنما وجرينلاند وكندا

طباعة

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى السابع من يناير عام 2025، بعد مصادقة الكونجرس الأمريكى على فوزه بالانتخابات الأمريكية جدلا واسعا بين أوساط المسئولين الغربيين والمراقبين الدوليين، حيث أعلن ترامب صراحة أمام العالم باستخدام القوة العسكرية الأمريكية لاستعادة قناة بنما مرة أخرى، كما أكد على رغبته فى ضم جزيرة جرينلاند واصفا كلا منهما بأنهما أمران حاسمان للأمن القومى الأمريكى، كما هدد ترامب باحتمالية ضم كندا لتصبح الولاية الـ51 للولايات المتحدة حيث إنه هدد باستخدام الضغوط الاقتصادية لإجبار 40 مليون كندى على رؤية بلادهم تهبط إلى مرتبة ولاية أمريكية، ودعا إلى تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، واقترح أن تخصص الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى 5% من اقتصاداتها للإنفاق الدفاعى وهى زيادة حادة عن المبدأ التوجيهى غير الملزم الحالى البالغ 2%.

أولًا- قناة بنما:

منذ ثلاثينيات القرن العشرين جعل الرئيس الأمريكى الأسبق روزفلت بناء قناة بنما أولوية وكانت المنطقة فى ذلك الوقت تحت سيطرة كولومبيا، حيث تم تشكيل جمهورية بنما عام 1903 بعد انفصالها عن كولومبيا نتيجة الثورة التى دعمتها الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الوقت وقعت الولايات المتحدة مع بنما معاهدة أعطت الحق للولايات المتحدة بأن تسيطر على شريط من الأرض يبلغ طوله 10 أميال لبناء القناة مقابل تعويض مالى، وفى عام 1914 أعلنت الولايات المتحدة عن اكتمال حفر القناة، وتشير التقديرات إلى أن هناك ما يقرب من 5600 شخص قد لقوا حتفهم أثناء بناء الولايات المتحدة القناة وظلت التوترات الدبلوماسية بين الطرفين مستمرة حتى عام 1964 عندما أدت أعمال الشغب المناهضة لأمريكا إلى مقتل العديد من الأشخاص فى منطقة القناة، ووصل الأمر إلى قطع العلاقات بين البلدين لفترة وجيزة، إلا أن التحول فى العلاقات كان على يد الرئيس جيمى كارتر الذى كان يميل إلى تسليم القناة إلى شعب بنما وبالفعل توصل إلى اتفاق أكثر إنصافا مع شعب بنما حيث أعلن أن القناة محايدة ومفتوحة أمام جميع السفن، ونص الاتفاق على أن القناة تصبح تحت سيطرة مشتركة بين الولايات المتحدة وبنما حتى نهاية عام 1999، ثم بعد ذلك تصبح تحت سيطرة بنما وحدها، وبالفعل تسلمت بنما القناة عام 2000 وأصبحت القناة بعد ذلك محط أنظار واهتمام العالم لتحكمها فى الملاحة الدولية، وهذا ما جعل ترامب يتحدث عن أهمية السيطرة الأمريكية على القناة باعتبارها أحقية تاريخية، وتتمثل أهمية قناة بنما فيما يلى :

أ- خلفية جمهورية متشددة: الحقيقة أن الاتفاقية التى أجراها كارتر تجاه قناة بنما كانت محل جدال حيث إنها  لم تحصل على تأييد كل المسئولين داخل الولايات المتحدة بما فى ذلك النخبة السياسية الأمريكية، وأوضحت استطلاعات الرأى أن ما يقرب من نصف الأمريكيين يعارضون قرار تسليم القناة إلى بنما، وبالنسبة للجمهوريين كانوا يعارضون ذلك القرار وأكدوا أن إدارة كارتر الديمقراطية فرطت فى ملكية القناة، وهكذا يبدو ترامب كان جزءا من تلك المعارضة حيث قال فى أحد اللقاءات إن اتفاقية كارتر أعطت القناة بغباء إلى البنميين.

ب- مواجهة الصين فى بنما: يتهم ترامب الصين بأنها تسعى إلى ممارسة المزيد من السيطرة على بنما ومنطقة القناة، وفى ديسمبر عام 2024 اتهم ترامب بنما زورا بأنها تسمح للجنود الصينيين بالسيطرة على طريق الشحن الحيوى الذى يربط بين المحيطين الهادى والأطلسى، ليرد رئيس بنما بأن القناة ليس لها سيطرة مباشرة أو غير مباشرة لا من الصين ولا المجتمع الأوربى ولا من الولايات المتحدة ولا من أى قوة أخرى.

ج- أهمية جيواقتصادية  للولايات المتحدة :تحقق القناة إيرادات تبلغ نحو أربعة مليارات دولار سنويا، ويمر ما يقرب من 6% من حجم التجارة البحرية العالمية عبرها، وما يقرب من 40% من حركة الحاويات فى الولايات المتحدة سنويا، لذلك تعد الولايات المتحدة أكبر مستخدم لقناة بنما، وفى عام 2021 كانت أكثر من 73% من جميع السفن المارة عبر القناة أو متجهة إلى أو قادمة من موانئ الولايات المتحدة، فإن حديث ترامب كانت انتقادا لما حدث من تسليم القناة التاريخية ويدعو دائما إلى السيطرة الكاملة على القناة لحماية المصالح الأمريكية.

د- التخلص من الرسوم الجمركية : إن ما حدث للقناة من جفاف فى السنوات الأخيرة أدى إلى انخفاض مستوى المياه، مما أثر على القناة فى قدرتها على العمل بشكل طبيعى، لذلك فرضت بنما قيود، على حركة المرور ورسوما أعلى لعبور القناة، لذلك اعتبر ترامب تلك الرسوم سوف تشكل تهديدا للأمن الاقتصادى الأمريكى لدرجة أن ترامب قد وصف تلك الرسوم بأنها سخيفة وغير عادلة، لذلك يتوقع المسئولون أن حديث ترامب عن فرض بنما أسعارا باهظة على سفن الشحن الأمريكية ما هو إلا مناورة لضمان ترتيب اتفاق استثنائى مع بنما وإدارة القناة لصالح الولايات المتحدة لضمان تخفيض أسعار الرسوم الجمركية على السفن التابعة للولايات المتحدة.

ثانيًا- جزيرة جرينلاند:

ليست المرة الأولى التى تبدى فيها الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما لشراء جزيرة جرينلاند الدنماركية حيث عبرت الولايات المتحدة عن ذلك الاهتمام أكثر من مرة من قبل حيث قدمت الولايات المتحدة عرضها الأول للتاج الدنماركى لشراء الجزيرة  فى عام 1876، وتلته عدة عروض أخرى فى عام 1910، و1946، والمرة الأخيرة فى ولاية ترامب الأولى عام 2019، وتسبب ذلك فى أزمة دبلوماسية حادة بين واشنطن وكوبنهاجن أدت إلى إلغاء ترامب زيارته الرسمية إلى الدنمارك، وتتلخص دوافع ترامب لضم الجزيرة فى عدة أسباب، منها:

أ- أهمية عسكرية وجيوستراتيجية : يدرك ترامب أهمية الموقع الجيوسياسى للجزيرة حيث إن الجزيرة تقع فى منتصف الطريق بين موسكو ونيويورك، ومن ثم فإن سيطرة أى قوة عظمى عليها سوف تهدد أمن الولايات المتحدة، وكانت الجزيرة ولا تزال ساحة عسكرية مهمة لاستضافة القاعدة العسكرية الأمريكية (بيتوفيك) والمعروفة سابقا باسم ( قاعدة ثول الجوية)، وهى قاعدة مهمة تستخدم للإنذار المبكر والدفاع الصاروخى الأمريكى وتعد الجزيرة بوابة العبور إلى القطب الشمالى وتلعب دورا حاسما فى مراقبة الفضاء، فيرى ترامب أن السيطرة على الجزيرة تعنى وضع رادارات هناك لمراقبة المياه بين الجزيرة، وأيسلندا، وبريطانيا بالإضافة إلى مراقبة السفن والغواصات البحرية الصينية والروسية.

ب- أهمية اقتصادية : تتميز الجزيرة بالعديد من الثروات الطبيعية ومنها النفط والغاز الطبيعى وتحتوى الجزيرة على العديد من المعادن النادرة التى تستخدم فى صنع البطاريات والصناعة عالية التقنية، وتم اكتشاف ما يقرب من 23 معدنا فى عام 2023 داخل الجزيرة واعتبرتها المفوضية الأوروبية مواد خام أساسية، فتعتبر الجزيرة الآن محط أنظار أية دولة ذات طموحات توسعية نتيجة  أن عدد السكان محدود بجانب القوانين الدنماركية الصارمة الخاصة بعمليات التنقيب، خاصة فى ظل التغيرات المناخية التى تؤدى إلى تذويب كميات الثلج المتراكمة فى الجزيرة مما يسهل عمليات التنقيب.

ج- استغلال دعوات الاستقلال لدى الجزيرة : على الرغم من أن الجزيرة تتمتع بالحكم الذاتى عن الدنمارك منذ عام 2009 فإن سكان جرينلاند الأصليين يأملون استكمال تلك الخطوة والاستقلال التام عن مملكة الدنمارك، ففى الوقت الحالى يتم دراسة الأمر داخل الجزيرة بشأن مستقبل الجزيرة فدعا رئيس الجزيرة موتى إيجيد فى خطابة بمناسبة العام الجديد إلى ضرورة اتخاذ خطوات مهمة نحو دولة مستقلة، حيث إنه سوف يتم انتخاب برلمان جديد فى إبريل عام 2025 وأن البرلمان سيكون مسئولا عن كتابة الدستور، فيرى ترامب أن هذه الفرصة مهمة لخدمة أهدافه التوسعية الجيواقتصادية.

د- مواجهة النفوذ الصينى والروسى: إن حجة ترامب  لضم جزيرة جرينلاند ترتبط بزيادة مخاوفه من تنامى النفوذ الروسى والصينى فى الجزيرة، ليس ترامب وحده ولكن أشارت كندا، والدنمارك، والنرويج من مخاطر الوجود الروسى والصينى فى الجزيرة خاصة بعد زيادة التدريبات العسكرية بين كل من البلدين، وقد أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها بعد زيادة الاستثمارات الصينية فى الجزيرة، ففى عام 2017 نشرت بكين استراتيجيتها حول المنطقة القطبية تحت مسمى (طرق الحرير القطبية) وأعربت فيها عن أهمية جرينلاند كمصدر مهم للمواد الخام، وما زاد من قلق الولايات المتحدة أنه فى عام 2019 قد نوت الصين بناء مطارات فى جرينلاند وخططت لشراء قاعدة بحرية أمريكية قديمة هناك.

ثالثًا- كندا:

أكد ترامب أن الكثير من الكنديين يشجعون فكرة الانضمام للولايات المتحدة لتصبح الولاية الـ 51 مقترحا استخدام القوة الاقتصادية للضغط على الأمة الكندية للاندماج مع الولايات المتحدة، ولكن فى حقيقة الأمر تلك التصريحات التى أدلى بها ترامب ليست جادة ولكنها كانت استفزازية للضغط على كندا للقبول بأى خطط مستقبلية لحل المشكلات التجارية بين البلدين، فإن دوافع ترامب للإدلاء بتلك التصريحات مرتبطة برغبته فى التالى :

أ- استثمار إعلامى: سعى دونالد ترامب إلى توظيف هذه المطالب إعلاميا، إضافة إلى أنه استغل إعلان استقالة رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو لإهانة الحكومة الكندية حيث وصف ترامب فى أكثر من لقاء رئيس الوزراء الكندى بأنه حاكم وهو اللقب الذى يحمله حكام الولايات الأمريكية، فيسعى ترامب من خلال ذلك إلى انتزاع ظروف تجارية أفضل من كندا.

ب- تغيير العلاقات التجارية مع كندا: يؤكد ترامب أن ولايته الثانية سوف تسفر عن ترتيب جديد بشأن محددات العلاقة الأمنية والتجارية بين واشنطن وأوتاوا، حيث تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على كندا إذا لم تعالج أوتاوا مخاوفه بشأن تدفق المخدرات غير المشروعة عبر الحدود، مؤكدا على أن التعريفات الجمركية سوف تستمر حتى يتوقف غزو المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، وفى الحقيقة يرى ترامب أن الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات لحماية كندا وأنها لم تعد قادرة لتحمل كل هذه النفقات فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

يرى المسئولون داخل الولايات المتحدة أن فكرة ضم كندا فكرة مستحيلة، لأن الضرر الأكبر سوف يكون على الحزب الجمهورى وأن الديمقراطيين سوف يستفيدون أكبر استفادة من تلك الصفقة لأن كندا سوف تصبح ولاية زرقاء مثلها مثل ولاية كاليفورنيا من شأنها أن تشغل عشرات المقاعد فى مجلس النواب وتخلق ميزة ديمقراطية ضخمة فى المجمع الانتخابى، خاصة مع ميول المواطنين الكنديين إلى مبادئ الحزب الديمقراطى.

رابعًا- خليج المكسيك:

دعا ترامب إلى تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا وهذا ما أثار الغضب داخل المجتمع المكسيكى، فقد هاجمت رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم ترامب، وأكدت أنه يعيش فى الماضى وأن خليج المكسيك معترف بها دوليا، واعتقدت أنهم ينقلون معلومات خاطئة إلى ترامب وعرضت خلال لقائها الصحفى صورة توضح خريطة المكسيك التى كانت تحتوى على أراضٍ أصبحت الآن جزءا من الولايات المتحدة، واقترحت إعادة تسمية أمريكا الشمالية إلى أمريكا المكسيكية مستندة إلى وثيقة يرجع تاريخها إلى عام 1814 والتى سبقت دستور المكسيك.

المصادر:

1-   https://www.reuters.com/world/americas/trump-says-us-will-take-back-panama-canal-2025-01-20/

2-   https://www.bbc.com/news/articles/c4gzn48jwz2o

3-   https://www.cnn.com/2025/01/07/climate/trump-greenland-climate/index.html

4- https://www.forbes.com/sites/saradorn/2025/01/16/why-does-trump-want-to-buy-greenland-what-to-know-as-danish-prime-minister-says-its-not-for-sale/

5-   https://thehill.com/homenews/administration/5072926-trump-annexation-canada-trade-threat/

6-   https://www.nbcnews.com/politics/donald-trump/trump-take-canada-greenland-panama-canal-rcna186591

7-   https://www.cbsnews.com/news/trump-rename-gulf-of-mexico-denali/

طباعة

    تعريف الكاتب

    مازن محمد

    مازن محمد

    باحث فى العلوم السياسية