تحليلات

جهود الدولة المصرية فى تحقيق التنمية الحضرية المُستدامة

طباعة

تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية، انطلقت فعاليات المنتدى الحضرى العالمى فى دورته الثانية عشرة بالقاهرة خلال الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر 2024، وذلك بمشاركة 180دولة تحت شعار "كل شيء يبدأ محليًا - لنعمل معًا من أجل مدن ومجتمعات مستدامة". ويعد المنتدى ثانى أكبر حدث على أجندة الأمم المتحدة، بعد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى، وتتويجًا لمجهودات الدولة المصرية فى تحقيق التنمية الحضرية المستدامة محليًا، وإقليميًا، وعالميًا. إذ تعد الدولة المصرية أول دولة إفريقية تستضيف المنتدى الحضرى العالمى فى دورته الثانية عشرة منذ الدورة الافتتاحية فى نيروبى بدولة كينيا، وثانى دولة العربية وذلك بعد استضافة أبو ظبى للدورة العاشرة.

وتم عرض، خلال المنتدى، الإنجازات التى حققتها الدولة المصرية فى مجال التنمية الحضرية الخضراء المستدامة على مستوى جميع محافظات جمهورية مصر العربية، وذلك خلال عشر سنوات منذ عام 2014 تحت قيادة سياسية تتسم بالاستقرار السياسى والشفافية والعدالة التى تعمل على إشراك الرأى العام فى اتخاذ القرارات والتغلب على الأزمات ودرئها. إذ جاءت سياسة القيادة السياسية لتضمن جودة الحياة كأولوية أولى لكل مواطن مصرى ومواطنة مصرية وتحقيق استدامتها لينعم بها الأجيال القادمة. حيث نجحت قيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تحقيق التعمير والإعمار المستدام للدولة المصرية مع توطيد الحفاظ على مناخ سياسى، واجتماعى، واقتصادى يتسم بالاستقرار، والعدالة، والشفافية، والمحاسبة، والثقة لصالح ضمان تنمية مستدامة شاملة للمواطنين والدولة المصرية.

 

ويجسد اختيار الأمم المتحدة للدولة المصرية لعقد المنتدى على أراضيها واستضافة ما يقرب من 37 ألف مشارك من مختلف الدول فى العالم العربى، والإفريقى، والعالم الغربى عبر القارات، ثمار نجاح جهود الدولة المصرية الدءوبة والمُضنية ليس على الصعيد الاقتصادى، والاجتماعى، والبيئى فى تحقيق التنمية الحضرية، والقضاء على العشوائيات، وإقامة المشروعات الاستثمارية الخضراء، وتنافسية قطاع التشييد البناء، وتعزيز التنوع البيولوجى فحسب، بل أيضًا على الصعيد الأمنى والدبلوماسى فى تحقيق الأمن والسلم المحلى والإقليمى ومن ثم المشاركة فى تحقيق السلم والأمن الدوليين، حيث إن الدولة المصرية أحد الفاعلين الدوليين والإقليميين الداعين للسلم والأمن، والحفاظ على الأمن الجماعى والاقتصادى والبيئى، واحترام سيادة الدول، والالتزام بالقوانين والاتفاقيات الدولية والإفريقية، وذلك فى ضوء الحفاظ على تحقيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وميثاق الاتحاد الإفريقى وميثاق جامعة الدول العربية.

فمنذ عام 2014، انتهجت الدولة المصرية سياسة الإعمار الأخضر والتعمير المسُتدام من خلال إنشاء مدن جديدة تستوعب زيادة معدلات النمو السكانى، والتوسع العمرانى الأخضر والتعمير المستدام للصحراء وربوع أراضى الدولة المصرية فى مُختلف محافظات جمهورية مصر العربية، وذلك مع مراعاة التوزيع المُدار للمناطق الخضراء الحضرية وتصميم المبانى والمناطق الحضرية من أجل تحقيق استدامة التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والبيئية، والحفاظ على التنوع البيولوجى وكفاءة خدمات النظم البيئية حيث تعزيز التنمية المُستدامة الحضرية وترشيد استخدام الأراضى، ومواجهة الزحف العمرانى غير الرشيد، وتجريف الأراضى، ومخالفات البناء التى تهدد البيئة وتؤثر سلبًا على جودة الحياة بشكل عام على المديين المتوسط والطويل.

فى حين أن المناطق الحضرية تشكل جزءًا من نحو 4٪ من مساحة سطح الكرة الأرضية، إلا أن تأثيرها بات عالميًا، إذ يعتبر انخفاض التنوع البيولوجى أخطر تهديدًا للبيئة على المستوى المحلى، والإقليمى، والعالمى.

والجدير بالذكر، أن الدولة المصرية تتميز بتنوع بيولوجى غنى ومتميز يسهم فى تسريع وتيرة التنمية ويدعم جودة الحياة، وذلك لكون مصر موطنًا لمجموعة واسعة من النظم البيئية والحياة البرية والمائية، ويرجع ذلك التميز البيولوجى الذى تتمتع به الدولة المصرية إلى الموقع الجغرافى الواقع بين قارتى إفريقيا وآسيا، فضلًا عن النظام البيئى حيث المساحة الطبيعية التى تمتلكها الدولة المصرية بما تحتويه من كائنات حية نباتية أو حيوانية أو مكونات غير حية.

ويرتبط التنوع البيولوجى والنظم البيئية ارتباطًا وثيقًا، فالتنوع البيولوجى يعبر عن التباين بين الكائنات الحية من جميع المصادر والنظم الإيكولوجية المائية الأخرى والمجمعات البيئية التى تشكل جزءًا منها. إذ يشمل جميع المجموعات السكانية والكائنات الحية، والموارد الجينية أو "أى مكون حيوى آخر للنظم الإيكولوجية (البيئية) ذات الاستخدام الفعلى والمحتمل أو القيمة للبشرية".

وعلى الصعيد الآخر، تعبر خدمات النظم البيئية عن الفوائد التى يحصل عليها المواطن من النظم البيئية والتى تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر بقاءه وجودة حياته. حيث تنقسم النظم البيئية إلى 12 نوعًا تشمل نظامًا بيئيًا حضريًا. فالنظم البيئية الحضرية هى أنظمة مفتوحة وديناميكية للغاية تعمل مثل أى نظام بيئى آخر يستهلك ويحول المواد والطاقة ويتفاعل مع النظم البيئية الأخرى. ويتأثر التنوع البيولوجى بالتكنولوجيا، معدلات النمو السكانى وأسلوب الحياة حيث تجريف الأراضى، بناء المساكن والمدن بشكل عشوائى، وتنفيذ الأنشطة التجارية وغيرها من الأنشطة المخالفة للنظام البيئى، الأمر الذى يؤثر على النمو المعتمد على وظائف النظام البيئى الطبيعى، ومن ثم يجب أن يوازن النظام البيئى الحضرى المستدام بين النظم البيئية الاصطناعية والطبيعية.

فى ضوء ما تقدم، هناك فرق بين التنمية الحضرية، والتنمية الحضرية المُستدامة. فالتنمية الحضرية المستدامةتهدف إلى تعزيز النظام البيئى الحضرى من خلال رصد الموارد الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية للدولة وتأثيرها على الدولة نفسها وعلى النظم البيئية الأخرى. وعليه، يعد كل من التخطيط المُستدام والبنية التحتية الخضراء محفزًا رئيسيًا من أجل الحفاظ على خدمات النظم البيئية الفعالة. إذ تعمل البنية التحتية الخضراء على إعادة ربط المناطق الطبيعية المجزأة وتطوير فعالية الاتصال الوظيفى للنظم البيئية بما يعزز جودة الحياة ورفاهية المواطن، ودرء انتشار الأوبئة والأمراض، وتوفير مقومات السلامة والصحة.

وعلى الصعيد الآخر، يلاحظ أن التنمية الحضرية تتوافق مع المستويات المرتفعة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية محليا وإقليميا، لكن مواطنى الحضر لديهم مستويات أعلى من الطلب، ويستهلكون إلى حد كبير الموارد الطبيعية بشكل غير رشيد. إذ يؤثر هذا النوع من التنمية الحضرية سلبًا على النظم البيئية الطبيعية والمناظر الطبيعية (مثل جودة الهواء، وتغير المناخ، وموارد المياه، وبيولوجيا التربة للأرض التى تم تشييد المبانى الجديدة عليها... إلخ). كما يبدو الامتداد العمرانى كنمو اصطناعى لخدمة المجتمع، مما يقلل من التنوع البيولوجى المحلى.

وعلى هدى ما تقدم، سعت الدولة المصرية على مدار عشر سنوات متصلة منذ عام 2014 صوب اتخاذ إجراءات لتحقيق التنمية الحضرية المُستدامة والخضراء، حيث جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية فى "البنية التحتية الخضراء"، والقضاء على العشوائيات فى المبانى والمساكن والمخالفات فى البناء وترميم المساكن والمبانى المُتهالكة، إلى جانب بناء مدن ومساكن جديدة تتوافق مع المعايير الدولية المتطورة للحماية البيئية وجودة الحياة، مما يسهم فى دعم التنوع البيولوجى وفعالية كفاءه النظم البيئية، فضلًا عن تنفيذ سياسات الاقتصاد الأخضر من حيث تخضير المدن عن طريق ترميم المدن القديمة و إنشاء مساحات خضراء، إلى جانب التوسع فى إنشاء مدن جديدة مدعومة بالتكنولوجيا المتطورة ومعايير البيئة الخضراء لضمان استدامة المدن وحماية التنوع البيولوجى والحفاظ عليه، ومن ثم توفير حياة ذات جودة عالية بيئيًا وصحيًا.

 ويكمن نجاح تحقيق التنمية الحضرية المُستدامة والخضراء فى حوكمة تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالتطوير والتعمير الحضرى المُستدام،حيث زيادة تنافسية قطاع التشييد والبناء كأحد القطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة فى الناتج المحلى الإجمالى، وزيادة فرص التصدير العقارى، وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية بما يؤدى إلى زيادة التدفقات من النقد الأجنبى، وزيادة قيمة الأصول المملوكة للدولة، وزيادة الناتج المحلى الإجمالى وفرص العمل المُستدام، الناتجة عن هذه الاستثمارات. هذا إلى جانب سياسات حماية المساحات الخضراء الحضرية.

تجدر الإشارة إلى أن استمرار تنفيذ استراتيجيات اتصال أكثر فعالية يعمل على تعزيز الوعى البيئى للمواطن، وتحسين فرص التعليم والتدريب فى شئون التنمية المستدامة. الأمر الذى يؤدى إلى توجيه هذه الاستراتيجيات لمجتمع نحو الاستدامة و إبراز أهمية التنوع البيولوجى وعمل النظم البيئية فى البيئات الحضرية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز مشاركة الأفراد ومشاركتهم فى سياسات الاستدامة والتنوع البيولوجى من شأنه أن يساعد فى ضمان فعالية السياسات ذات الصلة بالتنمية الحضرية المُستدامة والخضراء، مع الأخذ فى الاعتبار أن التنسيق المستمر بين شركاء التنمية المحليين والإقليميين وجميع أفراد المجتمع، واستمرار توسيع الاستثمارات فى البنية التحتية الخضراء من شأنه أن يعزز السياسات العامة الحضرية المُستدامة والخضراء.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    عائشة غنيمي

    عائشة غنيمي

    خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية