بات مستقبل المنطقة يواجه خطرا محدقا ومصيرا مجهولا فى ظل تمدد الصراع وتفرعه نحو جبهات متعددة، فقد انغمس الشرق الأوسط فى فوضى إقليمية تدفع إليها إسرائيل وتستهدف إحداث تغييرات ديمغرافية تخدم أغراضها الاستيطانية بالمنطقة، وهو ما عبر عنه نتنياهو فى تصريحات مباشرة حول أن الحرب القائمة ستحدث تغييرا فى الشرق الأوسط، ومن ثم فإن حالة الفوضى الإقليمية تلبى تطلعات إسرائيل تطبيقا لنظرية الفوضى الخلاقة على النموذج الإقليمى كيفما كان يطبق سابقا على نطاق دول المنطقة، بمعنى أننا فى مرحلة الفوضى الإقليمية الكبرى.
تصفية القضية الفلسطينية الهدف الأساسى لإسرائيل ومن أجل هذا يذهب نتنياهو لفتح جبهات متعددة مع أذرع إيران بالمنطقة فى محاولات لنقل الصراع من مرحلة المواجهة الفلسطينية-الإسرائيلية إلى مرحلة الصراع الإسرائيلى-الإيرانى، وهو ما يخدم المصلحة الإسرائيلية التى تستهدف كسب تأييد الكتلة الغربية تحديدا، على أساس أن إيران عدو مشترك، خاصة بعد أن كادت الكفة الغربية تعتدل بشأن الصراع الإسرائيلى-الفلسطينى، ومن ثم ذهب نتنياهو لاستدراج إيران إلى مواجهة مباشرة عبر تقليم أظافر أذرعها عبر سياسات الاغتيالات التى استهدفت قادة حزب الله بشكل مباشر، ما دفع إيران بالفعل للذهاب إلى المواجهة وهو ما سيتبعه رد إسرائيلى يدخل المنطقة فى حرب صفرية تحقق أهداف قوى غير عربية تتصارع على الجسد العربى، وفى نهاية المطاف تصبح الحرب إيرانية-إسرائيلية وتضيع القضية الفلسطينية.
يتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية داخل المجتمع الدولى مع تزايد وتيرة الصراع بين إسرائيل وإيران، وهو هدف إسرائيلى يسعى له نتنياهو لتشتيت الانتباه عن حرب الإبادة الجماعية التى تمارسها إسرائيل فى قطاع غزة باستخدام كافة الأسلحة سواء التقليدية أو عبر التجويع والتشريد، كما أن الأوضاع فى الضفة الغربية لا تقل خطورة بل إن سياسات التهجير القسرى المتبعة فى القطاع تمارس أيضا تجاه الفلسطينيين فى الضفة ولكن بأدوات مختلفة، بل إن اشتعال جبهة لبنان يزيد الوضع سوءًا فى ظل سيناريوهات غزة جديدة هناك تلفت الأنظار عن الواقع الصعب فى الأراضى الفلسطينية وفى التوقيت نفسه تحقق أهداف إسرائيل التوسعية على حساب الأراضى العربية.
ثمان نقاط اشتعال فى الإقليم تتضمن إسرائيل، وغزة، والضفة الغربية، ولبنان وأيضا سوريا، واليمن، والعراق، وإيران، أكثر من 200 ألف مصاب وقتيل، ما يتخطى مليونى نازح فى فلسطين ولبنان، 80% من البنية التحتية بغزة قد تدمرت، تراجع الاقتصاد الإقليمى بسبب التوترات بجنوب البحر الأحمر الأمر المرجح للتزايد فى حال استهدفت إسرائيل مصالح نفطية إيرانية ما سينعكس على أسعار النفط عالميا، وبالتبعية استهداف إيران الأهداف اقتصادية غربية فى المنطقة ومن ثم امتداد تأثيرات الصراع إلى الصعيد الدولى وهذا وارد خلال العام الثانى من الحرب ما قد يستدعى قوى دولية أخرى للتدخل فى مواجهة القوى الغربية المساندة لإسرائيل الأمر الذى سيدفع نحو انتقال الحرب إلى مرحلة العالمية، لنعيد التساؤل مجددا أين القضية الفلسطينية وسط هذا العراك الإقليمى والدولى؟
هناك عدة مهددات تحيط بمستقبل القضية الفلسطينية ويمكن رصدها كالآتى:
اتساع الصراع الإقليمى:
تعدد الجبهات وتداخل عدة أطراف دولية وإقليمية فى الصراع الشرق أوسطى يصنع مسببات أيديولوجية متعددة تبرر تزايد وتيرة الصراع، وهذا عوضا عن مسببات الصراع الحقيقية المرتكزة على حفاظ العرب وبالتحديد الشعب الفلسطينى على أرضه وحقه المشروع فى دولته المستقلة.
تراجع الدعم الغربى المحدود:
رغم محدودية الدعم الغربى لعدالة القضية الفلسطينية والذى اتضح فى تشكل جبهة أوروبية تقودها إسبانيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية إلا أن هذا الدعم الغربى المتواضع مهدد بالانهيار لصالح دعم إسرائيل فى مواجهتها مع إيران عبر تصدير الصراع الإسرائيلى-الإيرانى فى واجهة المشهد الإقليمى.
انعدام الدعم الأممى:
يتراجع يوم بعد يوما دور الأمم المتحدة ممثلة فى مجلس الأمن تجاه دعم القضية الفلسطينية، ومن ثم لم يعد مجلس الأمن قادرا على إنفاذ قراراته أو إصدار قرارات منصفة فى ظل الاستخدام غير الرشيد لحق النقض " الفيتو " لصالح الجانب الإسرائيلى.
المتغير الدولى:
تشهد خريطة الصراع الدولى والممتدة من بحر الصين الجنوبى، مرورا بالشرق الأوسط وشرق أوروبا، وصولا للساحل والصحراء الإفريقية تصاعدا غير مسبوق فى وتيرة الحروب والمواجهات العسكرية، ما يجعل كل نقاط الصراع على الخريطة الدولية مرتبطة ببعضها بعضا، بل وتستخدم بعضها كأوراق للضغط والمناورة السياسية ومن ثم لا يمكن التعويل أو الوثوق فى أى من الأطراف الدولية الكبرى كراعٍ حقيقى للصراع الإقليمى، بل إن تطور الصراع الدولى قد يدفع منطقة الشرق الأوسط لتصبح أولى النقاط التى تدفع ثمن التشابك فى مصالح القوى الكبرى.
التفريغ الديمغرافى:
ما تقوم به إسرائيل من اتساع فى وتيرة التفريغ والتمزيق الديمغرافى للأراضى الفلسطينية استغلالا للوضع الإقليمى والدولى الراهن يعد تهديدا حقيقيا لمبدأ حل الدولتين فى ظل تقطيع أواصر الجغرافيا الفلسطينية فى الضفة والقطاع والنزوح القسرى الذى يعيد تشكيل البنية السكانية الفلسطينية.
ضعف البينة السياسية الفلسطينية:
تراجع فرص المصالحة وعدم إيجاد حالة توافق داخلى أمر يهدد مستقبل القضية الفلسطينية فى ظل الحاجة الماسة لوحدة الصف الفلسطينى لمواجهة المتغيرات الإقليمية التى تضع القضية فى منعطف مصيرى، يحتاج إلى حلول غير تقليدية على رأسها إيجاد حل سياسى داخلى يربك حسابات إسرائيل ويعزز من قيام الدولة الفلسطينية.
أمام كل تلك المهددات التى تحيط بمستقبل القضية الفلسطينية تصمد مصر ومعها المجموعة العربية دفاعا عن حق الشعب الفلسطينى المشروع فى الحصول على دولته المستقلة، بل إن الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية يشكل حائط الصد الأول والذى تتحطم أمامه أطماع الجانب الإسرائيلى بتصفية القضية، كما يظل صمود المواطن الفلسطينى على أرضه متمسكا بحقه فى الحياة هو سر بقاء القضية.