تحليلات

الحسابات المركبة لحكومة نتنياهو من اجتياح الجنوب اللبنانى

طباعة

قامت الحكومة الإسرائيلية باتخاذ خطوات تصعيدية خطيرة على الجبهة اللبنانية، فلبنان تعرضت لغارات جوية إسرائيلية متواصلة، وخاصة فى الفترة الأخيرة من سبتمبر 2024، ليتبع هذه الغارات الكثيفة، إعلان الجيش الإسرائيلى عن البدء فى القيام بعملية فى الجنوب اللبناني، ويحمل التصعيد الذى تقوم به حكومة نتنياهو العديد من الدلالات، والتى تتعلق بالمكاسب التى يسعى نتنياهو لتحقيقها، كما تتعلق أيضا بالخسائر المحتملة التى قد يتعرض لها نتنياهو فى مجازفته وقيامه بكسر قواعد الاشتباك، والقيام بالتوغل فى الجنوب اللبناني، بهدف تدمير القدرات الصاروخية لحزب الله، والتى تتمركز فى جنوب نهر الليطاني، وذلك لإعادة المستوطنين الإسرائيليين، الذى اضطروا للنزوح نتيجة لتهديدات حزب الله لشمال إسرائيل بعد الإعلان عن فتح جبهة الإسناد، فالائتلاف اليمينى الحاكم لإسرائيل يسعى لعدة أهداف تقع ضمن رؤية نتنياهو للشرق الأوسط، كذلك يعول هذا الائتلاف فى الاستمرار فى الحكم ولو بشكل نسبى على محدد مهم، ألا وهو الانتخابات الأمريكية القادمة، التى تحمل أكثر من سيناريو للحكومة الإسرائيلية، وذلك فى حالة فوز الحزب الجمهوري، أو فى حالة فوز الحزب الديمقراطي، وهذه السيناريوهات تمثل معادلة صفرية بالنسبة لنتنياهو، فهى تحمل فى طياتها عوامل استمرار الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين، أو عوامل زوالها.

وفى هذا الإطار نحاول تقديم تحليل للأهداف الإسرائيلية التى تقع ضمن الرؤية الصهيونية لمنطقة الشرق الأوسط، وذلك فى محاولة لتحليل المكاسب والخسائر المتوقعة فى حال قيام نتنياهو بالتصعيد على الجبهة اللبنانية، والقيام باجتياح شامل للجنوب اللبناني.

أولا- الأهداف الإسرائيلية من الحرب على لبنان:

قامت إسرائيل فى فجر الثلاثاء 1 أكتوبر 2024، بما وصفته بعملية برية "محددة الهدف والدقة" ضد أهداف لحزب الله فى المنطقة القريبة من الحدود فى جنوب لبنان ، وقد جاء هذا التوغل بعد سلسلة متواصلة من الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على مناطق عديدة فى لبنان، شملت العاصمة بيروت، وجبل لبنان، والضاحية الجنوبية التى نتج عنها اغتيال العديد من قيادات حزب الله، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب. وللعدوان على لبنان بشكل عام مجموعة من الأهداف لدى نتنياهو، تلك الأهداف التى تشكل الإطار لتصوره عن المنطقة، وتشكل مآلات السياسة الخارجية لتل أبيب تجاه الشرق الأوسط.

1- رؤية نتنياهو لمنطقة الشرق الأوسط:

للتوصل لفهم الأهداف الإسرائيلية من حربها على لبنان، يجب أولا التعرف على رؤية نتنياهو للمنطقة، التى تعتبر المحدد الرئيسى لتوجهاته، وتوجهات السياسة الخارجية لتل أبيب تجاه الشرق الأوسط، ففى خطابه فى الأمم المتحدة قدم رئيس الحكومة الإسرائيلية خريطتين للشرق الأوسط، كانت إحداهما باللون الأسود وكانت تشمل كل دول ما اصطلح على تسميته "محور المقاومة"، مثل إيران، وسوريا، والعراق، ولبنان، وأطلق نتنياهو على هذه الدول محور النقمة، وجديرا بالذكر أن هذه الخرائط لم يتم الإشارة فيها مطلقا لدولة فلسطين، وتظهر فيها إسرائيل بدون أى ذكر للضفة الغربية أو لقطاع غزة أو للقدس الشرقية، ذلك الأمر الذى يعكس ويقدم تصور عن رؤية نتنياهو التى تطرح تقسيما لدول المنطقة حسب المصالح الإسرائيلية، كما يعكس مواقفه العدائية من دول محور النقمة كما أطلق عليها، فما سبق هو الإطار الفكرى لنتنياهو، وللسياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه الشرق الأوسط حاليا([1]).

ومما سبق يصبح أحد أهم أولويات استراتيجية الحكومة الإسرائيلية تجاه الشرق الأوسط، هو العمل على القضاء على التهديد الإيراني، فغالبية الدول التى ذكرها نتنياهو فيما أسماه محور النقمة، بها جماعات وميليشيات تعتبر الأذرع العسكرية لإيران، وذلك على غرار حزب الله فى الجنوب اللبناني، وجماعة الحوثى فى اليمن، وهى الجماعات التى تشكل المحور الذى يوحد جهوده لخلق نوع من الضغط على تل أبيب فى حربها على غزة، وهو ما جعل إسرائيل تضع من تقويض هذه التهديدات، أحد أولويات سياستها الخارجية، وهذا يتضح فى عدوانها على لبنان، وكذلك فى غاراتها الجوية فى اليمن وسوريا، والقيام بسلسلة اغتيالات لقادة الجماعات والميليشيات التابعة لإيران، وكان أبرزها اغتيال العديد من قادة حزب الله، والذين كان على رأسهم السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله([2]).

2- أهداف العدوان الإسرائيلى على لبنان:

منذ عام قام حزب الله بفتح "جبهة الإسناد" غداة عملية طوفان الأقصى، وذلك فى إطار دعم غزة فى حربها ضد إسرائيل، وهو ما جعل حزب الله يشن هجمات عديدة على المناطق الشمالية لإسرائيل، وهو ما نتج عنه ترك ما يقارب 60 ألف إسرائيلى منازلهم، تجبنا لتهديدات وهجمات حزب الله، وأصبح أهم هدف لإسرائيل، وهو الهدف المعلن فى حربها ضد لبنان، هو إعادة إسرائيل لمواطنيها النازحين من الشمال بسبب هجمات جبهة الإسناد، فحسب سنام فاكيل -مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى مركز أبحاث تشاتام هاوس- أن إسرائيل تتخذ من مسألة عودة النازحين الإسرائيليين للشمال، مبررا للتصعيد تجاه لبنان، هذا بالإضافة لمحاولة تل أبيب فصل جبهة غزة عن جبهة لبنان، فإسرائيل ترى أن محور المقاومة المكون من إيران وبعض الميليشيات والجماعات المسلحة، يتحدون فى وقت واحد لتشكيل نوع من الضغط على إسرائيل، وبناء على ذلك ترغب إسرائيل فى فصل هذه الجماعات عن بعضها، ففى حين لم تتمكن إسرائيل من التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة فإنها كانت غير قادرة على التوصل لاتفاق مماثل مع حزب الله([3]).

كما نرى أن الغارات الجوية التى شنتها تل أبيب تجاه لبنان فى الأيام الماضية، أصبحت تشمل عدة مناطق لبنانية، مثل بعلبك، والهرمل، وجبل لبنان، وذلك بهدف تدمير المنصات الصاروخية ومخازنها التابعة لحزب الله، وذلك لضمان إنهاء التهديد الصاروخى الذى يشكله الحزب لإسرائيل، وهو ما يعد أحد الأهداف الهامة لتل أبيب، وفى هذا الإطار تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تستهدف إنشاء منطقة عازلة فى جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، وهو ما يعنى نقل المواجهة بين حزب الله وإسرائيل من منطقة الخط الأزرق إلى منطقة الليطاني، مما يشكل منطقة عازلة توفر المزيد من الحماية للمناطق الشمالية لإسرائيل([4]).

ومن أحد أهم أهداف نتنياهو فى عدوانه على لبنان، أنه يريد نقل أنظار العالم وتحديدا المواطن الإسرائيلى تجاه جبهة لبنان، وذلك لأن حكومة نتنياهو فى حربها ضد حركة حماس، وبالرغم من حجم الدمار الهائل الذى تسببت فيه إسرائيل فى قطاع غزة، إلا أنها لم تستطع تحقيق أحد أهم أهداف حربها ضد غزة، ألا وهى تدمير حركة حماس، بالإضافة لفشل حكومة نتنياهو فى تحرير المحتجزين فى أنفاق غزة، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على حكومة نتنياهو، مما جعله يسعى لتحويل الأنظار لجبهة أخرى، وذلك فى ظل ما يصفه نتنياهو بالإنجازات العسكرية، والتى يقصد بها اغتيال عدد من قادة حزب الله، وحسب الكاتب الإسرائيلى نير كيبينس أن نتنياهو يستبدل بحالة الفشل التى لحقت به فى 7 أكتوبر 2023، الشعور بالنشوة والإنجاز العسكرى بما فعله فى لبنان فى الأيام الأخيرة([5]).

كما أن أحد الأهداف التى يسعى نتنياهو لتحقيقها، هو محاولة استعادة مفهوم الردع الإسرائيلي، فالأمثلة كثيرة على سقوط هذا المفهوم، والذى تسعى الحكومة الإسرائيلية لاستعادته، فعلى سبيل المثل قام حزب الله فى أغسطس 2024، بتنفيذ هجوم صاروخى استهدف الحزب به 11 قاعدة وثكنة عسكرية فى شمال إسرائيل، وفى الجولان السورى المحتل، وذلك بإطلاق ما يقارب من 320 صاروخ كاتيوشا، وعدد من الطائرات المسيرة تجاه الأهداف السابقة، وذلك ردا من الحزب على اغتيال فؤاد شكر، القيادى فى حزب الله، فهذه العملية توضح مدى قصور نظرية الردع الإسرائيلي، وذلك بسبب قصور الاستخبارات الإسرائيلية، فعبور الكثير من الطائرات المسيرة، ووصولها للعمق الإسرائيلي، يعد فشلا لنظام الإنذار المبكر الإسرائيلي، ورغم إعلان الجيش الإسرائيلى القيام بضربة استباقية استهدفت جنوب لبنان، وتعتبر هذه الضربة الأوسع منذ حرب لبنان عام2006، إلا أن بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين اعتبروا الضربة لم تسهم فى تدمير القدرات الصاروخية لحزب الله، كما لم تسهم فى استعادة نظرية الردع الإسرائيلية، تلك النظرية الذى تسعى تل أبيب لاستعادتها، وهذا الأمر يظهر بوضوح فى العدوان الإسرائيلى على لبنان، فى ظل وصف نتنياهو أن هذا العدوان حقق لإسرائيل العديد من الإنجازات العسكرية([6]).

تأتى هذه الأهداف السابقة فى إطار المكاسب التى يمكن أن يحصل عليها نتنياهو من التصعيد على الجبهة اللبنانية، أما عن الخسائر، فإنه وحسب الباحث الإسرائيلى أودى ليبيل بأن نتنياهو يغامر بالمناورة فى "الوحل اللبناني"، فهى حرب لا يمكن معرفة تداعياتها، ومن الممكن ألا تستطيع الحكومة الإسرائيلية تنفيذ هدفها من هذا التوغل البري، مثلما حدث فى غزة، بالإضافة إلى أن هناك عددا كبيرا من الأسرى الإسرائيليين لا يزال محتجزا لدى حركة حماس، وعلى ذلك فمن الممكن أن يتحول الإنجاز العسكرى الذى يعلن عنه نتنياهو فى جبهة لبنان، إلى هزيمة تتمثل فى عدم مقدرته على تحقيق هدفه من توغله البرى فى جنوب لبنان، بالإضافة للتكلفة المترتبة على هذه العملية البرية، والتى يمكن أن تشهد وقوع أسرى إسرائيليين جدد ولكن هذه المرة فى يد حزب الله([7]).

ثانيا- الرؤية الأمريكية للتصعيد الإسرائيلى فى الجنوب اللبناني:

من الثوابت الواضحة فى السياسة الخارجية الأمريكية، هو تقديم كافة أشكال الدعم لإسرائيل، فحسب تصريح ماثيو ميلر -المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية- إن إدارة بايدن تدعم مواصلة الهجوم الجوى والبرى الإسرائيلى فى الجنوب اللبنانى تجاه حزب الله، كما صرح ميلر بأن طبيعة الصراع متغيرة "وبالتالى من المستحيل تحديد المدة التى تستغرقها إسرائيل لتحقيق هدفها المعلن المتمثل فى تدمير البنية التحتية لحزب الله فى جنوب لبنان"، كما صرح ميلر بأن "نريد فى نهاية المطاف أن نرى وقفا لإطلاق النار وحلا دبلوماسيا، لكننا نرى أن من المناسب أن تقوم إسرائيل فى هذه المرحلة بقتل الإرهابيين"([8]) وبذلك يتضح أن الغارات الجوية والتوغل البرى الإسرائيلى فى لبنان، يحظى بدعم الولايات المتحدة، وأن التصعيد الإسرائيلى تجاه لبنان مستمر إلى أن يتم تنفيذ جميع الأهداف الإسرائيلية فى لبنان، وهو من شأنه أن يطيل أمد الصراع فى ظل دعم واشنطن لتل أبيب.

كما أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل لم يتوقف عند هذا الحد، فواشنطن توفر لإسرائيل دعما دبلوماسيا فى أروقة مجلس الأمن الدولي، كما أنها توفر لها دعما عسكريا كبيرا، فالولايات المتحدة من أهم موردى الأسلحة لتل أبيب، ومن أبرز صور الدعم العسكرى هو تقديم واشنطن ما يقارب ثمانية مليارات دولار كدعم عسكرى لإسرائيل فى عمليتها العسكرية الحالية([9])، وبالنظر لتصريح أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى ورئيس لجنة الشئون الجوية الفرعية التابعة للجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ (مارك كيلي) أن السلاح الذى استخدمته تل أبيب فى هجومها لاغتيال بعض قادة حزب الله هو سلاح أمريكى فصرح بأن " نرصد تزايد استخدام الذخائر الموجهة .. ذخائر الهجوم المباشر المشترك.. ونواصل توفير هذه الأسلحة .. تلك القنبلة التى تزن ألفى رطل والتى استخدمت لتصفية نصر الله هى قنبلة من طراز مارك 84"([10]).

وبذلك يتضح أن الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل، كان من أحد أهم العوامل التى ساعدت تل أبيب على الاستمرار فى اتخاذ خطوات تصعيدية فى الشرق الأوسط، سواء فى غزة أو لبنان، وربما تشهد الأيام القادمة تصعيدا إسرائيليا إيرانيا جديدا.

ثالثًا- مآلات التهدئة والتصعيد فى لبنان:

تظهر إحدى بوادر التهدئة فى تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والذى صرح بأن "سنعقد فى الأسابيع القليلة المقبلة مؤتمرا لتقديم مساعدات إنسانية، ولدعم القوات المسلحة اللبنانية لتعزيز الأمن، وخاصة فى جنوب لبنان"، كما أضاف أن "أعضاء الدول الناطقة بالفرنسية يؤيدون بالإجماع وقفا فوريا ومستداما لإطلاق النار فى لبنان"، كما وجه الرئيس الفرنسى دعوة بضرورة وقف شحنات الأسلحة لتل أبيب فصرح بأن " الأولوية حاليا هى العودة للحل السياسي، والتوقف عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل لمواصلة حربها فى غزة"([11]).

بالرغم من المحاولة الفرنسية للسعى فى مسار التهدئة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن التصعيد مستمر، وأن أى حل دبلوماسى لن يتم إلا بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها المتمثلة فى إزالة خطر حزب الله المتمركز جنوب نهر الليطاني، بما يمكن إسرائيل من إعادة مستوطنيها إلى منازلهم فى شمال إسرائيل، كما أنه لا سبيل للتهدئة بدون تحقيق إنجازات على أرض الواقع لطرفى القتال([12])، وخاصة بعد التصريحات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل فى عملياتها البرية والجوية الموجهة ضد حزب الله، وأيضا التصريحات بأن العملية البرية لا يمكن تحديدها بمدة زمنية معينة، وأن انتهاء هذا الاجتياح، وهذا العدوان مرتبط بتحقيق تل أبيب أهدافها المعلنة وغير المعلنة.

كما أن نتنياهو يعول على عامل الوقت، فهو لديه أمل بفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة فى نوفمبر 2024، وبالتالى سيتم تخفيف بعض الضغوط التى تواجه نتنياهو من قبل إدارة بايدن فى مسألة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وملف المستوطنات فى الضفة الغربية، ولكن هذه الضغوطات لا تنفى دعم واشنطن المؤثر لتل أبيب بالطبع، ولكن نتنياهو يأمل فى وصول المرشح الجمهورى ترامب على افتراض أن نتنياهو سيكون قادرا على فعل ما يريد بعد نجاح ترامب([13])، ومما سبق يتضح أنه من الصعب بدء عملية تهدئة فى الجبهة اللبنانية، بل إن التقديرات تشير إلى استمرار إسرائيل فى تصعيدها ضد دول "محور المقاومة".

رابعًا- مستقبل حكومة نتنياهو..رهينة نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية:

بالرغم من عدم محدودية الدعم المقدم من واشنطن إلى تل أبيب، إلا أن إدارة بايدن تمارس بعضا من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، وذلك لإنهاء الحرب فى غزة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، هذا بالإضافة لتعرض حكومة نتنياهو لضغوط شعبية من الداخل الإسرائيلي، وذلك يتمثل فى المظاهرات، والاحتجاجات المستمرة من قبل أهالى الأسرى المحتجزين لدى حماس، والذين يطالبون نتنياهو بالتوصل لاتفاق لوقف القتال فى غزة، والعمل على إعادة المحتجزين، ولكن هذا التوجه الأخير يمثل خطرا كبيرا على حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، فحلفاء اليمين المتطرف هددوا فى حال قبول رئيس الحكومة بوقف إطلاق النار بأنهم سيعملون على إسقاط هذه الحكومة، وهو ما جعل نتنياهو يصف عملية وقف إطلاق النار الدائم فى غزة بأنها غير قابلة للتطبيق إلا فى حالة تنفيذ الأهداف الإسرائيلية طويلة الأمد، وفى الصدد نفسه أشار وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير لنتنياهو بأنه فى حال قبول تسوية للحرب على غزة، والتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية مهددة بالسقوط، وهو ما سيخوض نتنياهو معه انتخابات جديدة، وفى حالة خسارته للانتخابات، وهو أمر مرجح، سيتم محاسبته قانونيا على تهم الفساد القديمة فى إسرائيل، كما سيتم محاسبته على الفشل الأمنى والاستخباراتى الذى أدى لعملية طوفان الأقصى، ومن ثم يتضح أن نتنياهو يسعى لكسب مزيد من الوقت، واتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية سواء كانت فى غزة أو لبنان، وذلك فى إطار التعويل على نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، والتى ستحدد سيناريوهين لحكومة نتيناهو([14]):

السيناريو الأول: فوز كاميلا هاريس، المرشحة الديمقراطية بالانتخابات الأمريكية، وحينها سيكون الدعم الأمريكى التقليدى لتل أبيب مستمرا، لكن ستعمل هاريس على إتباع نهج أكثر توازنا تجاه فلسطين وإسرائيل، حيث إن المرشحة الديمقراطية أكدت فى أكثر من سياق على ضرورة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار وتسوية دائمة فى قطاع غزة، تضمن هذه التسوية كذلك تحرير المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، علاوة على أنها أحد المؤيدين لحل الدولتين، وهو الأمر الذى يهدد بقاء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ففى حالة حدوث هذا السيناريو فإن مستقبل نتنياهو السياسى يقترب من نهايته([15]).

السيناريو الثاني: فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب، بالرئاسة الأمريكية، وجدير بالذكر أن ترامب يتبنى الخطاب الشعبوى نفسه الذى يتبناه نتنياهو، وبالتالى فإنه فى حالة فوز ترامب، يعنى ذلك حصول الحكومة الإسرائيلية الحالية على مزيد من الدعم السياسى فى معاركها سواء فى غزة أو لبنان، ونذكر أن تل أبيب تحصل حاليا على الدعم الأمريكى عسكريا وسياسيا أيضا لكن فى حال فوز المرشح الجمهورى بالانتخابات الأمريكية، فإن الدعم السياسى المقدم من واشنطن لإسرائيل سيكون بغير حدود تهتم بمعاناة الشعوب التى تتعرض للعدوان الإسرائيلي، وذلك فى إطار المآلات الإنسانية للحروب، وذلك عكس الحزب الديمقراطى يوجد به شريحة تهتم بالتأثيرات المدمرة للحروب على المدنيين، وفى حالة حدوث هذا السيناريو، فإن الحكومة إسرائيل السابعة والثلاثين سيكتب لها المزيد من الدعم الأمريكي، وكذلك المزيد من الاستمرار، مع الأخذ فى الاعتبار النتائج التى سيحققها نتنياهو فى جنوب لبنان، وذلك سيعنى أن نتنياهو سيعمل على المزيد من التصعيد تجاه غزة ولبنان، وذلك فى إطار العمل على حرمان كاميلا هاريس المرشحة الديمقراطية لأصوات العرب والمسلمين فى الانتخابات المقبلة، وذلك تخوفا من وصول هاريس للرئاسة الأمريكية، ومن ثم عملها على التوصل لتسوية فى الشرق الأوسط، وهو ما سيهدد بزوال الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وعندها سيتم محاسبة نتنياهو على جرائم الفساد، وعلى الفشل الأمنى فى 7أكتوبر 2023([16])، وهنا يتضح أن نتنياهو يرى فى الانتخابات الأمريكية المقبلة أحد أهم المحددات فى مستقبل الحكومة الإسرائيلية، ففوز ترامب المرشح الجمهورى بالنسبة لنتنياهو يشكل له معادلة صفرية، فعند فوزه بالانتخابات سيحصل الائتلاف اليمينى المتطرف بزعامة نتنياهو على مزيد من الدعم بما يكتب له المزيد من الاستمرارية ولو بشكل نسبى وذلك ما يمثل لنتنياهو احتمال المكسب، وفى حال فوز هاريس المرشحة الديمقراطية فإنها ستعمل حسب توجهات الحزب الديمقراطى بالضغط على تل أبيب للتوصل لتسوية ووقف إطلاق النار الدائم فى غزة ولبنان، وهو ما سيكون المسمار الأخير فى نعش حكومة نتنياهو وهو ما يمثل بالطبع احتمال الخسارة بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية.

ختاما:

يمكن القول إن حساب المكاسب والخسائر لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من اجتياحه للجنوب اللبناني، يعكس مجازفته، وكذلك يعكس تعقيدات الصراع فى الشرق الأوسط، فبينما يسعى نتنياهو لتحقيق إنجاز عسكرى يحول الأنظار عن جبهة غزة، فمن الممكن ألا يستطيع تحقيق أهدافه فى الجنوب اللبناني، مما سيزيد بالطبع السخط المحلى فى الشارع الإسرائيلى تجاهه، وهو ما سيمثل النهاية لحكومة نتنياهو، الذى يعتمد فى حسابات المكاسب والخسائر على محدد مهم، وهو نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى من المفترض أن تنعقد فى نوفمبر المقبل، ويمثل فوز ترامب بالانتخابات أحد حسابات المكسب التى ستساعد نتنياهو على تجنب زوال حكومته، أما فى حال فوز الديمقراطيين فإنها تمثل أحد احتمالات الخسارة لنتنياهو، وذلك لأن فوز هاريس يعنى أن الإدارة الأمريكية ستمارس ضغوطا كبيرة على تل أبيب للتوصل لتسوية دبلوماسية لجبهات القتال فى غزة ولبنان، وهو ما سيمثل نهاية الائتلاف اليمينى الحاكم لإسرائيل.

فالحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ستواصل تصعيدها تجاه غزة ولبنان، وهى فى سياستها التصعيدية تجاه المنطقة، تزيد من التوترات، كما تزيد حالة عد الاستقرار التى تؤثر بالسلب على جميع دول المنطقة كما أنها تهدد السلم والأمن الدوليين، وذلك باتخاذ إسرائيل خطوات تصعيدية خطيرة من شأنها أن تجر المنطقة لحرب شاملة، وعليه يجب على المجتمع الدولى أن يتحمل مسئوليته ويتدخل لوقف التصعيد الإسرائيلى المتكرر سواء فى غزة أو لبنان.

المراجع:

[1]فايد أبو شمالة، الخريطة التى عرفتنا على خطط نتنياهو، الجزيرة، تاريخ النشر 5/10/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.

[2]دينا إيهاب، رؤية نتنياهو نحو الشرق الأوسط الجديد: تحليل استراتيجى لما بعد السابع من أكتوبر، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات، تاريخ النشر 4/10/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.
https://shorturl.at/80f3T

[3]جنبفيرهولايس، DW، أهداف إسرائيل غير المعلنة من حربها ضد حزب الله، تاريخ النشر 27/9/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.

https://shorturl.at/kQ1k1

[4]صهيب جوهر، الجزيرة، 4 أهداف لنتنياهو من تدمير جنوب لبنان، تاريخ النشر 24/9/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.

https://shorturl.at/AzSkS

[5]محمد وتد، الجزيرة، أوساط إسرائيلية: نتنياهو يورطنا بحرب غير محسوبة،تاريخ النشر 3/10/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.

https://shorturl.at/xgjtC

[6]بشير عبدالفتاح، دواعى ومظاهر انهيار الردع الإسرائيلي، السياسة الدولية، العدد 238، المجلد 59، أكتوبر 2024م، ص 196.

[7]محمد وتد، الجزيرة، أوساط إسرائيلية: نتنياهو يورطنا بحرب غير محسوبة، مرجع سابق.

Sky News[8]، واشنطن: لا يمكن تحديد مدة زمنية  لعمليات إسرائيل فى لبنان، تاريخ النشر 4/10/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.

https://shorturl.at/def8T

[9]الشرق الأوسط، هل تستطيع فرنسا وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان؟ مرجع سابق.
https://shorturl.at/CVNlN

[10]العربية، سيناتور أمريكي: إسرائيل استخدمت قنبلة أمريكية لقتل نصر الله، تاريخ النشر 29/9/2024م، تاريخ الوصول 1/10/م2024.

https://shorturl.at/FWdAg

[11] ماكرون يعلن عن مؤتمر دولى لدعم لبنان وتعزيز الأمن فى جنوبه، ، RT Arabicتاريخ النشر 5/10/2024، تاريخ الوصول 6/10/2024.
https://shorturl.at/Ih7TT

[12]إرم نيوز، مع بدء التوغل الإسرائيلى البرى داخل لبنان.. ما احتمالات التهدئة والحل؟ تاريخ النشر 1/10/2024، تاريخ الوصول 6/10/2024.
https://shorturl.at/IQnbD

[13]رغدة عتمة،  INDEPENDENT Arabic، على جبهتى غزة ولبنان نتنياهو يلعب على عامل الوقت، تاريخ النشر 30/9/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024.

https://shorturl.at/Wzk0J

[14]الخير عمر أحمد سليمان، خطة نتنياهو للبقاء السياسي، الجزيرة نت، تاريخ النشر 1/10/2024م، تاريخ الوصول 6/10/2024م.
https://shorturl.at/YhFc2

[15]رانيا سليمان سعد الدين، قضايا السياسة الخارجية فى برنامج هاريس الانتخابي، السياسة الدولية، العدد 238، المجلد 59، أكتوبر 2024م، ص 234.

[16]الخير عمر أحمد سليمان، خطة نتنياهو للبقاء السياسي، الجزيرة نت، مرجع سابق.

طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد جمال الصياد

    أحمد جمال الصياد

    باحث فى العلوم السياسية