لم يكن حزب الله حين دخل كطرف فى الحرب الدائرة فى غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى، يتوقع أن يأتيه الهجوم الإسرائيلى بهذه الطريقة المبتكرة والتى ادهشت الجميع فى السابع عشر من سبتمبر الجارى، حيث انتشرت الأنباء عن حدوث انفجار لأجهزة الاستدعاء الآلى "بيجر Pager" التى يستخدمها عاملون فى وحدات حزب الله اللبنانى فى بيروت وجنوب لبنان مما أسفر عن إصابة 2800 شخص ومقتل 9 من بينهم طفلة، وهى الإحصائية الأولية التى أعلنها وزير الصحة اللبنانى فراس الأبيض بعد ساعات قليلة من الهجوم وذلك بحسب ما نشر بموقع البى بى سى عربى (1).
وليس اتهام الجانب الإسرائيلى بضلوعه فى الهجوم نتيجة معلومات أو تصريحات من جانبه ولكنه ببساطة ما أعلنه حزب الله وما يتوقعه أيضا، فالهجوم حتى وإن كان من خلال تفجير تلك الاجهزة القديمة نسبيا إلا أن أصابع الاتهام تتجه اليهم نتيجة اعتبارات متعددة، منها التصعيد العسكرى بين الطرفين وكذا أيضا نظرا لأن إسرائيل تعتبر من اكثر الدول تقدما فى مجال الاختراقات والهجمات والتنفيذ للحروب السيبرانية، حيث يأتى ترتيبها الحادى عشر(2) ضمن قائمة تأتى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ثم الصين.
تصعيد مستمر من الجانبين:
يعود تاريخ الصراع بين إسرائيل وحزب الله إلى أكثر من أربعين عاما وتحديدا منذ عام 1982 والمعروفة بحرب لبنان (3)، والتى نشأت نتيجة لها حركة حزب الله أو ما أطلق عليها المقاومة الإسلامية فى لبنان فى شكل حزب سياسي إسلامى شيعى مسلح، ثم نأتى لعام 2000 حينما انسحبت القوات الإسرائيلية ليلا من الجنوب اللبنانى تاركة السيطرة عليه لحزب الله تماما، وهو ما دفع الصراع إلى التأجج مرة أخرى فى عام 2006 بعد أزمة خطف الجنديين الإسرائيليين والذى استمر لمدة 33 يوما ونجم عنه مقتل 1200 لبنانى أغلبهم من المدنيين وتهجير اكثر من مليون شخص ومقتل 165 إسرائيلى أغلبهم من العسكريين وتهجير نحو نصف مليون شخص، ثم التداخل مرة أخرى خلال الحرب السورية عام 2012، ثم نأتى إلى السابع من أكتوبر الماضى والأيام التالية له حين أطلق حزب الله عددا من الصواريخ على مزارع شبعا ردا على الهجوم على حماس وهو ما ردت عليه إسرائيل بهجمات على الجولان.
وطبقا لصحيفة اللوموند الفرنسية (4) فإن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل 527 شخصا فى لبنان و46 شخصا فى إسرائيل نصفهم من المدنيين، وذلك من خلال إطلاق حزب الله لأكثر من 100 صاروخ كاتيوشا على شمال إسرائيل ردا على العديد من الغارات الإسرائيلية على الجنوب اللبنانى، وخلال الشهر التالي تصاعدت حدة التصريحات من الجانبين، حيث قال نائب زعيم حزب الله الشيخ نعيم قاسم إن أي توسع للصراع في لبنان من شأنه أن يتسبب في "الخراب والدمار والتشريد" في إسرائيل. من جانبه، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحويل بيروت "إلى غزة" في حال اندلاع حرب شاملة مع لبنان، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى التصريح فى الحادى والعشرين من شهر يوليو إدانة "الخطاب العدواني" بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، خوفًا من أن يصبح لبنان "غزة أخرى".
ثم نصل إلى السابع عشر من سبتمبر لنجد الأخبار تتحدث عن إصابة أكثر من 2800 شخص منهم 170 فى حالة خطيرة ومقتل 9 أشخاص منهم طفلة جراء انفجار متزامن لأجهزة الاستدعاء الآلى Pagers المستخدمة فى الاتصالات من قبل عناصر حزب الله فى لبنان.
البيجر..ما هو ؟
لا تعلم أجيال الألفية الثالثة الكثير عن التقنيات السابقة لهذا العصر ومنها جهاز الاستدعاء الآلي بيجر Pager، والذى كان يحلو للبعض أن يسميه بيبر Beeber، وهو جهاز إلكتروني صغير يحتوى على شاشة صغيرة سطر واحد One Line أو ثلاثة أسطر على أقصى تقدير يتم استخدامه حاليا على نطاق ضيق جدا فى بعض المستشفيات والمصانع ومواقع العمل، حيث يتم إرسال رقم الهاتف عليه ويقوم الشخص المتلقى بالاتصال بهذا الهاتف من خلال تليفون أرضى أو محمول، أى إن الجهاز يستخدم فقط للتنبه والإشعار وقليل من تلك الأجهزة تسمح بإرسال رسائل نصية صغيرة ونسبة أقل تسمح بإرسال رسائل نصية إلى الأجهزة الأخرى.
و للتعرف على ما حدث بالضبط فإن الأمر قد يحتاج إلى بعض الوقت ولكن نظرا لقدم تلك التقنية فإن الأمر لا يمكن أن يخرج بعيدا عن احتمالين اثنين: الأول أن تلك الأجهزة قد تم الاستحواذ عليها من جهة ما قامت بتركيب جهاز تفجير صغير بداخلها لا يتم تنشيطه إلا بعد إرسال رقم أو كود معين إلى تلك الأجهزة، التفسير الثانى أن تلك الأجهزة قد تلقت كمية كبيرة من موجات الاتصال Microwave بصورة مكثفة أدت إلى ارتفاع درجة حرارة البطاريات الموجودة بها ومن ثم وصلت إلى مرحلة الانفجار، وهى حالة معروفة وحدثت فى عدد من الهواتف الذكية المتروكة فى وضع الشحن لمدد طويلة ولذلك يكون من المبكر جدا الجزم بأى من هاتين الوسيلتين قد أُحدث هذا التفجير، والذى أدى لهذا العدد الكبير من الإصابات، ببساطة لأن مكان وضع وتثبيت تلك الأجهزة تكون ملتصقة تماما بالجسم وخاصة فى منطقة البطن حيث يتم تثبيتها بأحزمة الوسط ولذلك فإن حالات الإصابة والوفاة أتت فى تلك المنطقة ونتيجة لتهتك الأحشاء الداخلية والنزيف الحاد(5).
ماذا بعد؟
الهجوم الأخير يفتح الباب أمام احتمالية وخطورة الأجهزة الإلكترونية المختلفة وخاصة أجهزة الاتصالات المرتبطة بشبكة الإنترنت من حواسب وهواتف وساعات ذكية وسماعات أذن، حيث إنها تعمل جميعها من خلال برامج خاصة وبروتوكولات اتصال يمكن اختراقها وتغيير أسلوب عملها لتقوم بإحداث تدمير للمكونات المادية Hardware لتلك الأجهزة، مثلما حدث فى بدايات الألفية الثالثة حينما اجتاح فيروس للحاسب وأدى إلى تدمير القرص الصلب Hard Disk الموجود بها وتدمير محتوياته من البيانات تماما، ولا يوجد أى مانع فنى من تطوير برمجيات تتحكم فى البطاريات الموجودة بتلك الأجهزة، وخاصة أن أغلبها تحتوى فى مكوناتها على الليثيوم سريع الاشتعال بالرغم من محاولات الوقاية والحماية من تلك المخاطر.
هذا التفجير يفتح الباب على مصراعيه أيضا إلى انتشار مبدأ الثقة الصفرية Zero Trust Concept فى كافة الأنظمة والشبكات والأجهزة الإلكترونية، وينسف الفكرة القديمة القائلة إنه كلما كانت التقنيات بدائية كانت أكثر أمانا وأقل عرضة للأخطار السيبرانية.
المصادر:
1-هل يُعجل الهجوم السيبراني على أجهزة اتصال حزب الله بالمواجهة الواسعة مع إسرائيل؟
2-Top 10 Most Powerful Countries in Cyberspace
3- حرب لبنان 1982.
4-Understanding the tensions between Hezbollah and Israel in five key dates
5- Mass attack targeting pagers in Lebanon: What happened?