مقالات رأى

الإرهاب .. ومواجهة " باقورية "

طباعة

لعلنا، ونحن نتابع في الفترة الأخيرة العديد من التفاعلات والتشابكات الاجتماعية والإنسانية الساخنة عقب الإعلان عن تشكيل جماعة أو مركز " تكوين " المعني بدعم قضايا التنوير .. وأرى أنه ربما التوقيت غير مناسب لإعلان ذلك الطرح، وأن الأمر كان يحتاج إلى تعبيد الدروب والتيقن من الإعداد الجيد ..

قبل أكثر من نصف قرن من كل المواجهات الدموية مع فلول الإرهاب وقبل حكم الإخوان بزمان، حذرنا الشيخ الجليل " أحمد حسن الباقوري " برؤية استشرافية عظيمة عبر مقال له بمجلة " المصور" في نوفمبر 1954، وكان يشغل حينها منصب وزير الأوقاف، بعنوان " لو أدرك الإرهاب غايته ".. مؤكدًا في متن المقال أن دولة الإرهاب لن تدوم لشهور..

وأتناول عرض أجزاء من المقال لأهمية وروعة النظرة " الباقورية "، ولأوجه فحواه لمن يستعجلون معارك المواجهة عبر جماعات أو مراكز لدعم أمور المواجهات الساخنة على عجل ..

كتب " الباقوري " : فإذا حكم الإرهاب فإن أمم الأرض سوف تتحاشى التعامل معه، وتنفر منه، وتشيح بوجهها عنه، ونتيجة ذلك تتعطل الأسواق، و تهرب رءوس الأموال، ويتعرض الشعب لنزوات فردية، يتحكم بها كل إرهابي في مصير الشعب، ومقدراته جميعاً ..سيقول الإرهاب لنفسه : إن خروج المرأة حاسرة الرأس عمل لا يقره الدين، ولهذا فلا بأس أن يفكر في إصدار تشريع يحرم به على المرأة أن تخرج من بيتها إلا على الصورة التي يختارها هو.. وسيقول الإرهابي لنفسه : إن دور اللهو من المسارح والسينما عمل لا يرضى عنه الشرع، ولهذا فلا بأس أن يفكر في إصدار تشريع يُحرم ارتياد المسارح والسينما، وهكذا كل المظاهر الاجتماعية التي تحيا فيها الأمة، وتتشابك حياتها مع آخرين وافدين إليها من كل الأمم ومن كل الأجناس ... انتهى الاقتباس من المقال الأكثر من رائع لفضيلة الشيخ المفكر المستنير .. ولعل رسالته قد وصلت الأسماع ونحن نحارب من يخوضون الحرب مع الله..

لاشك أن التطرف فيروس شديد الضراوة وقاتل للحياة لأنه متعدد الأشكال، وحينما نتحدث عن التطرف الدموي الذي ابُتلينا به منذ سنوات تحت دعاوى دينية وهمية مضللة لا ينبغي أن ننسى التطرف الخبيث الذي يسري في بناء الأشكال الثقافية والفنية ..

وبالمناسبة، حسناً أن أوضح فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الجماعات الإرهابية تنطلق من اعتقاد خاطيء هو أن من يخالف معتقداتهم فهو كافر مستباح دمه، فشدد على أن حادث مسجد الروضة هو في المقام الأول حرب على الله ورسوله، وأضاف " حادث الروضة مصيبة زلزلت قلوب المصريين والعالم " ..

نعم، وهل من وصف آخر لمن يقتلون البشر أعظم مخلوقات الله بوحشية ودون ذنب وخارج دوائر أي صراعات أو حروب .. من يحاربون حينها إلا الله سبحانه وتعالى إذن ؟!

وفي شأن المواجهة الفكرية، جميعنا يذكر كيف لعب الفن المصري في زمن إرهاب التسعينيات ــ ولعله كان أحد قوانا وأدواتنا التي ينبغي استدعاؤها مع كل القوى الناعمة الأخرى ــ دوراً فاعلاً فى مواجهة تكرار وقوع الأحداث الإرهابية، ومن منا ينسى دور المسرح ورموزه العظام وفي مقدمتهم ــ على سبيل المثال ـ الفنان عادل إمام صاحب الشعبية الهائلة وكيف بادر بالذهاب بفرقته إلى مواطن وقواعد انتشار خلايا الإرهاب بالصعيد ليعرص أعماله المسرحية التي تتماهى مع الأحداث، فكان أن أحدثت ذلك الصدى الطيب، فضلًا عن إنتاج أفلام سينمائية ودراما تلفزيونية خصيصًا كمعالجات لمواجهة الفكر الطائفي والعنصري والتكفيري، وأيضًا المساهمة الجادة في كشف أقنعة أهل الشر والإرهاب لجموع أهالينا البسطاء..

أرى أن للفن دورا كبيرا في تغيير سلوك الإنسان وبالتالي محاربة الإرهاب لأنه يهذب الروح ويزيل الحواجز بين ثقافات العالم المختلفة ويدعو إلى قيم السلام وقبول الآخر، وكانت الدراما والسينما المصرية هي أول من دق ناقوس الخطر ونبه العالم العربي للإرهاب وتأثيره الخطير على المجتمع في عدة أعمال كمسلسل " العائلة " وفيلم " يا دنيا يا غرامي " وناقش هذه القضية وأسبابها ونتائجها أيضاً فيلم " دم الغزال " الذي أظهر الوجه الحقيقي للإرهاب ..

نعم، أرى أن الفنون والعديد من وسائط الإبداع أراها أنشطة إنسانية هامة في مواجهة ويلات التطرف والإرهاب وتبعاته. ولن يتم ذلك إلا بتفعيل برامج وأنشطة الفنون المختلفة، ودعم البرامج المعنية بأمر دعم الأنشطة الثقافية والإعلامية المستنيرة، وتطوير خطاب المؤسسات الدينية، وتحديث مناهج التعليم لنشر الثقافة الوسطية ومحاربة الأفكار المتطرفة التي تعج بها بعض القنوات التليفزيونية الإخوانية، وللأسف بعض الأعمال الدرامية التي تروج للبلطجة والعنف ..

لابد من تسليط الضوء على الأبعاد النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية وغيرها لظاهرة التطرف من قبل خبراء في علوم النفس، والاجتماع، والتربية، والاقتصاد وغيرهم، والتركيز على مخاطر التطرف وانعكاساته على المجتمع ودوره في إحداث اختلالات في المجتمعات والبنى الرئيسية فيها.

طباعة

    تعريف الكاتب

    مدحت بشاي

    مدحت بشاي

    كاتب صحفى