النظام الإيراني يعيش قلقاً ويتوهم دائماً أن خطراً يحدق به، كما أنه يرى ألا أحد صديقه في هذا العالم وأن الجميع يحاربه ويريد تدميره! وبشكل عام لا تلام طهران على توجسها، فهي تعاني من توتر في علاقتها مع أغلب جيرانها العرب وغير العرب، لذا فهي تفترض العداء من الجميع، وبالتالي تتوجس من الكل... أما في هذه الأيام فقد زاد قلقها لأنها توشك أن تخسر حليفاً رئيسياً في سوريا ولا تستطيع أن تعتمد أو تعول كثيراً على حلفائها في بغداد أو حتى في لبنان.
وإن كانت المسألة في صورتها هذه تجعل البعض يبرر تخوفات النظام الإيراني، فلا يبدو أن توتيره للمنطقة بشكل دائم ومستمر أمر مقبول. وفيما تخوض إيران مواجهة مع الغرب بشأن برنامجها النووي، مع احتمال فرض عقوبات إضافية عليها، يقوم النظام بإجراء مناورات بحرية في الخليج العربي، ولا يتوقف عن التهديد بأنه سيوقف عبور شحنات النفط في مضيق هرمز إذا فرضت عقوبات على صادراته من الخام.
والسؤال هو هل ستقف القوى العظمى في العالم متفرجة أمام إغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو 40 في المائة من تجارة النفط؟ مع العلم أن هذا المضيق دولي ومن حق كافة السفن بغض النظر عن جنسيتها العبور منه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 بشأن البحار والملاحة الدولية. منذ أيام صرحت الولايات المتحدة بأنها سترد على أي إجراء في مضيق هرمز.
إن التهديد بإغلاق مضيق هرمز كاللعب بالنار التي تحرق صاحبها، فهل تعاقب طهران أعداءها بإغلاق المضيق أم تعاقب نفسها وشعبها؟!فإغلاق المضيق فعلياً يعني أن طهران وضعت نفسها تحت رحمة النيران غير الصديقة، ويعني حرباً صريحة، وهذا ما حذرت منه دول المنطقة طوال السنوات الماضية، حيث عملت من أجل منع اندلاع أي حرب جديدة، وكل دول المنطقة تتمنى أن تمر هذه الأزمة بسلام.
لا يمكن ونحن نتكلم عن إيران ألا نذكر التفجيرات الأخيرة في الداخل الإيراني والتي أوجدت شعوراً متزايداً بالقلق لدى طهران من ضربة عسكرية مفاجئة من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة. فهذه المخاوف دفعت النظام الإيراني إلى تعميم التوجيهات باتخاذ التدابير اللازمة لحماية نفسه.
إيران تعاني اليوم على أرض الواقع؛ فالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها أصبحت واضحة وتعاني منها الدولة كما يعاني منها التجار، فالاقتصاد يتراجع والعملة تخسر والوضع الاقتصادي في انهيار. النظام الإيراني يحاول أن يشغل الداخل بمواجهته مع الغرب وافتعال مشكلة في مضيق هرمز، ويحاول كسب تعاطف شعبي بحجة أن الأمن القومي في خطر. لكن هل لا يزال الرهان على هذه الحيلة القديمة -التي نجحت سابقاً أكثر من مرة- رهاناً صحيحاً؟ وهل الشعب الإيراني مختلف عن باقي الشعوب بحيث يقبل أن يتلاعب به نظامه ألاعيب قديمة، أم أنه سيثور من أجل الحرية والتغيير وبأي ثمن؟
ربما كانت طهران تعيش أسوأ أيامها، فهي تشعر اليوم أكثر من أي يوم آخر أن سوريا تخرج من يدها ومن حساباتها، وأن "حزب الله" أصبح في زاوية صعبة، و"حماس" تبحث عن أي ملجأ تحمي نفسها فيه. إنها تدرك أن أشياء كثيرة تتغير من حولها في الخارج. لذا فهي تعيش رعباً من أن "استثمارها السياسي" طوال عقود مضت خارج أراضيها سيذهب هباءً، فبعد سوريا قد تفقد نفوذها في العراق –وإن كان يبدو ظاهرياً أنه تحت سيطرة طهران- إلا أن الوضع غير المستقر يجعل إيران تتوقع خسائر حقيقية في هذا البلد في أي وقت.
وفضلا عن الخارج، فإن الرعب الذي يعيشه النظام الإيراني من نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة وتأثيراتها على رموز النظام، هو الأخطر من وجهة نظره، وما ذهبت إليه طهران من تصعيد مع الغرب خلال الأيام الماضية هو محاولة جديدة للهروب إلى الأمام. وإن كان يبدو أن هذه التهديدات جاءت مباشرة بعد الحديث عن عقوبات جديدة على طهران بسبب برنامجها النووي، إلا أنها محصلة كل تلك المعطيات التي لا تبدو مطمئنة للنظام.
والسؤال هنا هو: هل انتهى المشروع الإيراني في المنطقة؟ هل قارب الحلم الإيراني بالسيطرة على المنطقة أن يصبح كابوساً مزعجاً لا تعرف طهران كيف تتخلص منه إلا باللعب في مضيق هرمز؟ وهل يكون التلاعب بالقوى الكبرى في العالم التي تعتمد على نفط الخليج، الشعرة التي ستقصم ظهر البعير الإيراني؟
والسؤال الأهم: متى سيعتبر النظام الإيراني نفسه جزءاً من هذه المنطقة وشريكاً فيها، دون أن يحاول فرض سلطته ووصايته على دولها؟! ومتى يعيش سكان هذا الجزء من العالم بسلام، دون تخوفات أو تهديدات من الجارة المسلمة؟ منذ أيام اعتبر مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط بطهران محمدي علي مهتدي أن الظروف الحالية في المنطقة تستدعي قيام حلف "إيراني تركي عربي" يحقق أمن المنطقة من خلال بناء أجواء ثقة تقوم على تنمية إقليمية مشتركة بجميع المجالات... وهذا الكلام جميل لكني أعتقد أن على القيادة الإيرانية أن تسمعه وتقتنع به.
------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 11 يناير 2012