غدا الاثنين، وعلى مدى يومين، تنطلق الإجتماعات السنوية للبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية بمدينة شرم الشيخ، وهى المرة الأولى التى يعقد فيها البنك اجتماعاته فى دولة إفريقية، حيث اقتصرت اجتماعات البنك السابقة على دول بعينها مثل الصين والهند ولوكسمبورج، وحتى حينما عقدت الاجتماعات فى دبى بالإمارات العربية، تم عقد الاجتماع افتراضيا، وليس حضوريا، بسبب محاذير كورونا، وبالتالى، فإن اجتماع مجلس إدارة البنك بحالته الطبيعية يعد أول اجتماع له فى دولة إفريقية أو حتى عربية حتى الآن.
أعتقد أن اختيار مصر لعقد اجتماعات مجلس إدارة البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية يأتى فى إطار ثقة مؤسسات التمويل الدولية فى قدرات الاقتصاد الوطنى، حيث شهدت الفترة الماضية اجتماعات البنك الإسلامى للتنمية، وكذلك اجتماعات بنك التنمية الإفريقى، بالإضافة إلى استضافة مصر أهم حدث عالمى فى مجال التغيرات المناخية «COP 27»، الذى حضره معظم زعماء وقادة دول العالم بلا استثناء، بدءا من رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، وانتهاء بقادة غالبية الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية، وغيرهم.
أما أبرز الأحداث الاقتصادية التى تؤكد الثقة فى الاقتصاد الوطنى، فى تقديرى، فكان ما حدث فى اجتماعات دول تجمع «بريكس» الأخير، التى عقدت فى جنوب إفريقيا الشهر الماضى، ودعوة مصر إلى الانضمام لهذا التجمع بدءا من يناير المقبل، ليؤكد ذلك قوة ومكانة مصر السياسية والاقتصادية، وأنها تسير فى الطريق الصحيح، اقتصاديا وسياسيا، على الرغم من المصاعب والعقبات التى يعانيها الاقتصاد المصرى بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التى بدأت منذ هبوط جائحة كورونا، وتزايدت مع اشتعال الحرب الروسية ـ الأوكرانية.
سألت د. محمد معيط، وزير المالية ومحافظ مصر لدى البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، عن علاقات التعاون والشراكة مع البنك الآسيوى القديمة والجديدة، وتأثيرات ذلك على الاقتصاد الوطنى؟
أجاب: مصر من أوائل الدول التى انضمت إلى البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، وذلك فى 4 أغسطس 2016، وكان ذلك بمثابة بُعد نظر فى هذا الاتجاه، حيث يتم التعامل مع مصر كدولة إقليمية من حيث الإنشاء والتمويل، ودولة غير إقليمية من حيث الموقع، وقد بلغ حجم استثمار البنك الآسيوى فى مجال البنية التحتية بمصر 1٫3 مليار دولار، وقد تم تنفيذ هذه الاستثمارات بالكامل.
أما الجديد فقد تم التوافق على استثمار مليار دولار إضافية عقب اجتماعات البنك المقررة غدا، وهو ما يؤكد ثقة البنك فى قدرات الاقتصاد المصرى، والقناعة بما يحدث فيها من تطورات اقتصادية هائلة فى مجالات البنية التحتية.
سألت: ما هى مصادر ثقة البنك الآسيوى فى الاقتصاد المصرى من وجهة نظرك؟
أجاب د. محمد معيط: المؤسسات الاقتصادية العالمية ليست مؤسسات اجتماعية أو عاطفية، ولها حساباتها الدقيقة والمعقدة، وفى تصورى أن ثقة البنك الآسيوى فى الاقتصاد المصرى لها مصادر عديدة ومتنوعة، أبرزها حجم الإنجاز المذهل الذى حدث خلال السنوات السبع الماضية، والتى تابعها البنك بدقة، حيث زار أعضاء مجلس إدارة البنك العاصمة الإدارية، التى كانت مجرد فكرة فى 2015، وبدأ العمل فيها فى 2016، وخلال 6 سنوات فقط لم يتخيل أعضاء مجلس إدارة البنك حجم الإنجاز الذى حدث فى مدينة واحدة، بخلاف ما حدث فى كل محافظات مصر، من الإسكندرية حتى أسوان، ومن سيناء إلى الوادى الجديد ومرسى مطروح، وفى كل المحافظات المصرية.
أيضا حضر رئيس مجلس إدارة البنك افتتاح أحد أنفاق سيناء، وكانت انطباعاته أكثر من رائعة على هذا الإنجاز المدهش الذى فتح الباب واسعا أمام تعمير سيناء، واستغلال ثرواتها الطبيعية والسياحية والزراعية والصناعية.
وأضاف: البنك الآسيوى مثل غيره من مؤسسات التمويل الدولية، والكيانات الاقتصادية العالمية، ينظر إلى مصر باعتبارها دولة محورية ذات موقع جغرافى متميز، يربط بين القارات الثلاث الكبرى «إفريقيا وآسيا وأوروبا»، مما يسهم فى تحويل مصر إلى مركز إقليمى وعالمى للإنتاج والتصدير، خاصة بعد أن نجحت مصر فى إقامة أضخم شبكة للبنية التحتية فى إفريقيا، التى تسهم فى توفير احتياجات أو متطلبات توسعات الأنشطة الاستثمارية، بالإضافة إلى حزمة الإجراءات والتوجهات الجديدة للحكومة فى منح المزايا للاستثمارات الصناعية المتميزة، وتسهيل إجراءات إصدار التراخيص، واختصار توقيتات صدورها، والتوسع فى إصدار الرخص الذهبية لكل الجادين من المستثمرين المصريين والعرب والأجانب.
سألت: هل هناك رابط بين اجتماعات البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية وانضمام مصر لتجمع «بريكس»؟
أجاب د. محمد معيط، وزير المالية، قائلا: ليس هناك رابط مباشر، وإنما هناك روابط غير مباشرة، بمعنى أن اجتماعات البنك غدا فى مصر لم يتم تقريرها بعد إعلان انضمام مصر لتجمع «بريكس»، وإنما جاءت هذه الاجتماعات طبقا لخطة مجلس إدارة بنك الاستثمار الآسيوى المسبقة، وتقديرا لما حدث ويحدث فى مصر، حيث شارك البنك فى مشروعات متعددة فى مصر، منها على سبيل المثال مشروع محطة الطاقة الشمسية فى «بنبان» الذى تم عرضه فى اجتماعات مجلس إدارة البنك فى لوكسمبورج، وكان محل انبهار من كل الموجودين، وبالتالى، فإن اجتماعات الغد جاءت طبقا لخطة مقررة مسبقة قائمة على تقدير التجربة المصرية، وقدرة الاقتصاد المصرى على النهوض خلال المرحلة المقبلة.
أما الروابط غير المباشرة بين اجتماعات البنك غدا وانضمام مصر لتجمع «بريكس» فهى كثيرة ومتعددة، وأهمها التقدير المشترك لمكانة مصر السياسية والاقتصادية، ودورها الرئيسى فى المجالات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والعالمية، والنظر بالاحترام والتقدير للاقتصاد المصرى، وقدرته على التعافى بسهولة من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أن تجمع «بريكس» يضم مجموعة من الدول هى الأسرع نموا على مستوى الاقتصاد العالمى، وهى: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويبلغ عدد سكان هذا التجمع نحو 42٪ من إجمالى عدد سكان العالم، وحجم تجارته أكثر من 16٪ من إجمالى حجم التجارة العالمية، فى حين تبلغ مساحة دول التجمع 25٪ من إجمالى مساحة الكرة الأرضية.
لذلك، يعد هذا التجمع هو أكبر وأضخم سوق عالمى، وسيمثل بعد إضافة مصر والدول الجديدة الأخرى إليه نحو 50٪ من إجمالى سكان العالم.
سألت: هل معنى ذلك أن الأصعب فى الوضع الاقتصادى المصرى قد تم تجاوزه، وأن القادم أفضل - إن شاء الله؟!
أجاب د. محمد معيط: أعتقد أن العام المقبل 2024 سوف يشهد انكسار الموجة التضخمية العالمية، وما يصاحبها بالضرورة من انخفاض فى أسعار الفائدة على مستوى العالم، بما يسهم فى السيطرة على التضخم، واستقرار أسعار صرف العملات الأجنبية، مشيرا إلى توقع انعكاس كل ذلك إيجابيا على الاقتصاد المصري، لتنتهى مرحلة ما يمكن تسميته «القلق الاقتصادى» نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، وبدء مرحلة الاستقرار الاقتصادى التى تتم فيها السيطرة على أسعار السلع والخدمات، وتعافى الاقتصاد المصرى، وتحسن المستوى المعيشى للمواطن، واستقرار سعر صرف الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية، وغيرها من العوامل المتشابكة التى ستسهم بالنهاية فى بدء مرحلة التعافى الاقتصادى المنشود، وانعكاس ذلك على الأحوال المعيشية للمواطن المصرى.
انتهى حديث د. محمد معيط، وزير المالية ومحافظ مصر لدى البنك الآسيوى للاستثمار، ويتبقى القول إن دعوة مصر إلى الانضمام لتجمع «بريكس» فى الشهر الماضى، وما سبقها من استضافة مصر اجتماعات «COP 27»، واجتماعات العديد من المؤسسات الاقتصادية العالمية، وأحدثها اجتماعات البنك الآسيوى غدا فى شرم الشيخ، إنما تؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية بدءا من العام المقبل -إن شاء الله- بعد انكسار الموجة التضخمية العالمية، وعودة الاستقرار إلى أسعار الفائدة عالميا، وبما يؤدى فى النهاية إلى تحسن المستوى المعيشى للمواطن المصرى، واستقرار سعر الصرف، وعودة مستوى أسعار السلع والخدمات إلى معدلاتها الطبيعية.