«أثمن إعلان تجمع «بريكس» لدعوة مصر للانضمام لعضويته اعتبارا من يناير 2024، ونعتز بثقة دول التجمع كافة التى تربطنا بها جميعا علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة».. كانت هذه الكلمات بعض ما جاء فى بيان الرئيس عبدالفتاح السيسى تعقيبا على دعوة مصر رسميا للانضمام إلى عضوية تجمع «بريكس» ضمن 6 دول جديدة تمت دعوتها إلى عضوية المجموعة بشكل كامل اعتبارا من يناير المقبل.
فى رأيى أن توقيت دعوة مصر لا يخلو من دلالة عميقة على أهمية الدولة المصرية، وقوتها السياسية والاقتصادية، واستقرارها، ودورها الإقليمى والعالمى، بما جعل تجمع «بريكس» يحسم موقفه من طلب أكثر من 40 دولة لعضويته، وانتهى الأمر به إلى دعوة 6 دول فقط من بين هذه الدول، وانضمامها إلى نادى أكبر الاقتصادات الناشئة.
«بريكس» هى الحروف الأولى المختصرة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادى بالعالم، وهى البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، ويبلغ إنتاج هذه الدول مجتمعة حوالى 23٪ من إجمالى الناتج العالمى، فى حين يبلغ عدد سكانها حتى الآن وقبل انضمام الدول الجديدة حوالى 42٪ من إجمالى عدد سكان العالم، وحجم تجارتها أكثر من 16٪ من إجمالى حجم التجارة العالمية.
كانت بداية التجمع أربع دول فقط ولم تكن به دولة جنوب إفريقيا، وانعقدت أول قمة فى روسيا عام 2008، وتوالت الاجتماعات تحت مسمى تجمع «بريك» حتى انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010 ليصبح اسمها «بريكس» بدلا من «بريك».
مساحة دول تجمع «بريكس» تمثل 25٪ من مساحة الكرة الأرضية، وتتنوع ما بين قارات العالم المختلفة فى أوروبا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية، وإفريقيا مما يسهم فى تنوعها المناخى، وتنوع ثرواتها الطبيعية.
ما حدث يوم الخميس الماضى كان حدثا تاريخيا بكل ما تحمله العبارة من معان لتجمع «بريكس» بوضعه الحالى، وكذلك لكل الأعضاء الجدد، حيث دار نقاش واسع حول إمكانية زيادة أعضاء التجمع من عدمه، وانتصرت القمة فى النهاية لمبدأ توسيع قاعدة عضوية دول التجمع ليزداد قوة سياسيا واقتصاديا، وتتعاظم قوته السكانية وتزداد إلى نحو 46٪ من سكان الكرة الأرضية.
معنى ذلك أن الحديث هنا يدور عن تجمع يمثل نصف سكان العالم تقريبا.. أى أنه أكبر واضخم سوق عالمى، ولا يمكن لأى تجمع آخر مهما كان حاليا أو مستقبلا أن ينافس هذا المجال من حيث عدد السكان، واحتياجاتهم الاستهلاكية ليصبح أضخم سوق عالمى على الإطلاق.
الرئيس البرازيلى لولا داسيلفا الذى ترأس بلاده «بنك التنمية الجديد» فى دورته الحالية التابع لتجمع «بريكس» يلح بشدة على ضرورة إنشاء عملة موحدة جديدة للتجارة والاستثمار بين دول المجموعة بعضها البعض، ليكون بذلك ضربة البداية للحد من هيمنة الدولار، إلا أن ذلك الاقتراح مازال محل دراسة، حيث يحتاج الأمر فى البداية إلى التقارب الاقتصادى الكلى بين الدول الأعضاء، وإنشاء مصرف مركزى مشترك وكذلك السير نحو اتحاد مالى متكامل، وهى خطوات لابد من دراستها جيدا ووضع آليات تنفيذها قبل التوصل إلى العملة الموحدة المقترحة.
الآن وإلى حين تحقيق مبدأ إنشاء عملة موحدة يقوم مصرف التنمية الجديد بدور مهم فى تمويل البنية التحتية للدول الأعضاء بشروط أفضل كثيرا من البنك الدولى، وصندوق النقد، والمؤسسات التمويلية الأخرى التى يقودها الغرب الآن والتى تفرض شروطا تمويلية مجحفة وغير عادلة.
يستهدف المصرف أيضا خلق نظام مالى دولى متعدد الأقطاب، حيث يقوم المصرف بإعداد برامج بالعملات المحلية مثل عملات جنوب إفريقيا، والبرازيل، والهند، والتوقف عن هيكلة القروض بالدولار الأمريكى، أو اليورو، ومن المتوقع أن يتم إصدار سندات بالروبية الهندية بعد نجاح إصدار سندات بعملة جنوب إفريقيا «راند»، بالإضافة إلى سندات «اليوان الصينى»، وكلها خطوات مهمة وضرورية للتحرر من هيمنة الدولار وخلق نظام مالى متعدد الأقطاب.
لم تكن خطوة توسيع تجمع بريكس سهلة، بحسب تصريحات رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الذى ترأست بلاده قمة تجمع «بريكس»، حيث أكد أنه تمت مناقشة ذلك الأمر لفترة طويلة، وبعدها تم التوصل إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية، والمعايير، والإجراءات اللازمة لعملية توسيع التجمع، وتم التوافق فى الآراء بشأن المرحلة الأولى من عملية التوسيع، مشيرا إلى أن «بريكس» تقدر اهتمام الدول الأخرى ببناء شراكة معها من أجل التوصل إلى تحديد الإجراءات اللازمة الواجب اتخاذها للوصول إلى عالم أكثر إنصافا وشمولا وتمثيلا.
ميزة تجمع «بريكس» أنه يمثل شعوب الجنوب العالمى، وهى القادرة على تقديم حلول قابلة للتطبيق العملى للتحديات المشتركة التى تواجهها الاقتصادات الناشئة، ودول الجنوب، وحاجة هذه الدول إلى النمو الاقتصادى المفيد، والتنمية المستدامة، وإصلاح الأنظمة المتعددة الأطراف.
مشكلة الغرب الأساسية تتمثل فى محاولته المستمرة فرض أنظمة، ورؤى قد لا تتماشى مع متطلبات الاقتصادات الناشئة، ويضع دائما روشتة علاج سابقة التجهيز، فى حين أن الواقع العملى أثبت أن لكل دولة ظروفها، واحتياجاتها، وقد تختلف روشتة العلاج من دولة إلى أخرى بحسب هذه الظروف والاحتياجات.
من هنا تأتى أهمية تجمع «بريكس» الذى يدخل أعضاؤه الحاليون الخمسة ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصادا على مستوى العالم، كما أنه من بين الدول الست الجدد هناك السعودية، والأرجنتين ضمن مجموعة العشرين أيضا، أما باقى الدول الست فإنها تمثل مجموعة من الدول ذات الاقتصادات الناشئة الواعدة والقوية التى تحقق معدلات نمو متسارعة ومنضبطة، وتسير فى طريق التقدم الاقتصادى بخطى حثيثة ومتسارعة وفى مقدمتها مصر، والإمارات، وإيران، وإثيوبيا.
رئيسة مجلس أعمال تجمع «بريكس» بوسى مابوزا أكدت أن انضمام مصر يضيف قوة إلى التجمع، ويجعل من تحقيق حلم «القاهرة ــ كيب تاون» أمرا سهل المنال، ويمكن تحقيقه فى أقصر وقت ممكن، مشيرة إلى أن مصر من أكبر اقتصادات القارة الإفريقية، ومن الطبيعى أن يتم قبولها ودعوتها للانضمام إلى التجمع اعتبارا من يناير المقبل، لتستفيد من المزايا الهائلة على الصعيد الاقتصادي، كما فعلت جنوب إفريقيا التى ارتفع معدل نموها الاقتصادى إلى 7٪ سنويا منذ انضمامها رسميا إلى بريكس فى عام 2011.
أعتقد أن انضمام مصر إلى بريكس جاء فى توقيته الصحيح ليضع النقاط على الحروف بشأن الاقتصاد المصرى، وقدرته على الصمود والنمو، وتجاوز التحديات الدولية والمحلية الطارئة الراهنة.
فى تصورى أن دعوة مصر إلى الانضمام هى شهادة ثقة من ذلك التجمع الذى يضم ما يقرب من نصف سكان الكرة الأرضية، كما يضم ٧ دول من أكبر الاقتصادات العشرين على مستوى العالم، ويضع حدا لكل الشائعات التى يطلقها البعض بهدف نشر مشاعر اليأس والإحباط، والتشكيك فى قوة الاقتصاد المصرى ومدى جدارته بمواجهة التحديدات الطارئة التى سببتها أزمتا كورونا، والحرب الروسية ـ الأوكرانية.
أخيرا يتبقى التأكيد على أن نجاح الدولة المصرية فى الانضمام إلى نادى أكبر الاقتصادات الناشئة لم يكن من فراغ أو وليد لحظة، وإنما نتيجة جهد مكثف فى مشوار طويل بدأ منذ 8 سنوات، ويحتاج إلى الاستكمال والبناء عليه لتحقيق كل أهدافه فى التنمية والرخاء والازدهار خلال المرحلة المقبلة إن شاء الله.