أدت التغيرات المتسارعة فى التكنولوجيا العسكرية التى حدثت فى نهاية الحرب العالمية الأولى إلى الابتكارات العسكرية العظيمة فى أثناء الحرب العالمية الثانية، التى مهدت الطريق للثورات فى الميكنة والطيران.
أضحت حروب المستقبل أسرع وأكثر تقدما وأقل إنسانية من أى وقت مضى بفضل التقدم فى "الاستقلال الذاتى" للمنصات البرية والجوية والبحرية، وهناك الآن نقاشات فى جميع أنحاء العالم حول ما إذا كان من الآمن للبشرية الاعتماد على موثوقية وكفاءة الروبوتات العسكرية، بالنظر إلى الخوارزمية المستمرة ونقاط ضعف البيانات.
وأظهر سوق الروبوتات العسكرية ارتفاعا مستمرا فى ميزانيات الدفاع للدول الرائدة فى السنوات الأخيرة. وتشير أحدث البيانات المتاحة إلى أن حجم سوق الروبوتات العسكرية من المرجح أن ينمو من 14.5 مليار دولار إلى 24.2 مليار دولار بحلول عام 2025، بمعدل نمو سنوى مركب يبلغ 10.7٪.
فاق التطور الذى تشهده القوات الجوية وسرعته جميع التوقعات؛ حيث تعمل القيادات العسكرية فى الدول المتقدمة على إعادة تقويم خططها وسياستها الدفاعية وهيكلتها لتتماشى مع التقدم الكبير والمستمر فى هذا المجال، فالثورة فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى حديثة العهد ولا تزال تحدث تغيرات كبيرة فى شكل الحرب وطبيعتها وإدارتها.
بعد الثورة الصناعية وطوال فترة النصف الثانى من القرن العشرين كان سباق التسلح بين الدول يقوم على بناء وشراء عتاد وأسلحة مثل الطائرات، والصواريخ، والدبابات، والسفن البحرية، لكن اليوم وبعد دخول تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعى فى عالم التسلح ولدت قطاعات جديدة فى هيكلية القوات المسلحة مثل قيادة الحرب السيبرانية، وقيادة حرب الفضاء لتشكل مع قيادات القوات البرية والجوية والبحرية هيئة موسعة لقيادة الأركان المشتركة فى الجيوش المتقدمة.
ومع تطور الذكاء الاصطناعى الذى يضاعف بدوره من قدرات المنظومات المسيرة، باتت عملية تجهيز وتدريب الجيوش تأخذ منحى آخر تحضيريا لشكل جديد من النزاعات العسكرية. وبناء عليه، فإن سباق التسلح اليوم هو فى تطوير شبكات الاتصال بين قواعد البيانات الضخمة التى تحفظ فيما يعرف بالسحابة القتالية؛ حيث يؤدى الذكاء الاصطناعى دورا محوريا اليوم فى آلية تطوير المنظومة الدفاعية وعلى برامج التدريب والقيادة والسيطرة، ما يزيد من سرعة القرارات التى ستخاض فيها الحروب المستقبلية.
ثورة المعلومات فى الشئون العسكرية Information Revolution in Military Affair (IRMA):
تعد ثورة المعلومات فى الشئون العسكرية هى أحدث التحولات التى تظهر مع IRMAفى أدبيات البحوث العسكرية؛ حيث جاءت بين مؤيد ومعارض لها، وهى تتكون من ثلاثة عناصر أساسية، وهى: المستشعرات (أجهزة الاستشعار)، القيادة والسيطرة والضربات الدقيقة، فهى تسمح للقائد بأن يكون لديه الوعى شبه الكامل بالموقف الحالى عند الحد الذى يسمح له بتنبؤات دقيقة (تقدير للموقف) ومن ثم يترتب عليها اتخاذ القرار، لذا فإن معالجة المعلومات وتحليلها وتحويلها إلى إجراءات استخباراتية قابلة للتنفيذ هو المفتاح الرئيسى لفهم مبدأ ثورة المعلومات فى الشئون العسكرية.
تعتمد ثورة المعلومات فى الشئون العسكرية على زيادة القدرات التكنولوجية المتعلقة بمعالجة البيانات، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لذا فإن الدول التى تستغل IRMAتعد أكثر كفاءة من أقرانها فى أثناء اتخاذ القرارات التى لايكتنفها الغموض من ضباب الحرب فى مسارح العمليات. ومن المهم التفريق بين مفاهيم متشعبة مثل: المعلومات، وتكنولوجيا المعلومات، وموارد المعلومات؛ لأن تقنيات المعلومات وموارد المعلومات غالبا ما تكون مربكة إلى أن يتم تفعيل IRMAأى تأكيد المعلومات باستخدام القدرات التكنولوجية المتقدمة فى معالجة البيانات.
-
كوريا الجنوبية تستعد لتوظيف الروبوت فى الأغراض العسكرية:
يعرف الكورويون بخبرتهم الكبيرة فى عالم التكنولوجيا، وهم الأكثر حماسا من أى سوق أخرى لاعتبار الذكاء الاصطناعى جزءا من الحل وليس المشكلة.وفى ضوء ذلك كشف العلماء فى المعهد الكورى للعلوم والتكنولوجيا بموجب عقد مع وزارة دفاع كوريا الجنوبية عن الروبوت المبتكر "بيبوت"، الذى يدمج الذكاء الاصطناعى فى قيادة الطائرات، وذلك بدلا من الطائرات بدون طيار التى يتم التحكم فيها عن بعد، والعمل على تطوير روبوت قادر على قيادة الطائرات الكبيرة الحالية، وذلك بعد ما أجرى الفريق التقنى عمليات محاكاة وإجراء محادثات مع شركة طيران لاستخدام (بايبوت) لرحلات تجريبية باستخدام طائرتها الكهربائية المطورة حديثا. ومن المقرر استخدام الروبوت "بايبوت Pibot" فى قيادة الدبابات، والطائرات والسيارات المصفحة، وذلك فى سياق عسكرى بتوقيت لا يتجاوز عام 2026.
صُمم الروبوت "بايبوت Pibot" بطول بلغ 160 سم ووزن 65 كيلوجراما، وقدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ بطريقة أسرع من الطيار البشرى. فبدلا من بناء طائرة مسيرة يتم التحكم فيها عن بعد، عمل الباحثون على تطوير هذا الروبوت ليستطيع قيادة الطائرات الكبيرة الحالية.
ويستطيع "بايبوت Pibot" السيطرة على أدوات التحكم، والحفاظ على الارتفاع فى أقسى الظروف، مع التأكد من الكاميرات الخارجية لتتبع عددا من الإحصاءات الحيوية فى الطائرة. وفقا لتقرير قناة (Euronews). كما سيكون قادرا على حفظ الوثائق بفضل ذاكرته الهائلة التى تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعى التوليدى والقائمة على نماذج اللغة الكبيرة مثل روبوتات الدردشة (شات جى بى تى) ChatGPT، بدلا من قراءة الطيار البشرى للدليل المطبوع فى السابق.
وقد باعت كوريا الجنوبية عام 2016 أكثر من 41 ألف روبوت، وهى بذلك تحتل المرتبة الثانية عالميا، بعد الصين، فى مبيعات الروبوت، بحسب الاتحاد العالمى لصناعة الروبوت. ويمثل هذا الرقم تقريبا نصف ما باعته الصين، التى يزيد عدد سكانها على كوريا الجنوبية بنحو 25 مرة، وتزيد مساحتها أيضا بنحو 95 مرة.
فى الواقع، تتمتع كوريا الجنوبية بأعلى كثافة لأجهزة الروبوت المستخدمة فى الصناعات فى العالم. فهناك631 عاملا آليا فى قطاع الصناعة، من بين كل عشرة آلاف موظف بشرى، بحسب تقرير للاتحاد العالمى لصناعة الروبوت، وفى قطاع المركبات، هناك 2145 موظفا آليا من بين كل عشرة آلاف موظف بشرى.
-
شبكة عصبية تشبه الموجودة لدى البشر:
لدى الروبوتات شبكات عصبية اصطناعية- وهو نهج حوسبى يحاكى بشكل غير محكم بنية الخلايا العصبية فى العقول البيولوجية، وتقوم هذه الشبكة بتحديد الظروف المحيطة لتوفير البيانات لاتخاذ القرارات.
تستطيع الشبكة العصبية الاصطناعية التعرف إلى أنماط البيانات، وتحديد البيانات الجديدة التى تشبه (ولكنها ليست متطابقة) البيانات التى واجهتها الشبكة من قبل، فيما يعرف بتقنية "التعلم العميق".
على الرغم من أن البشر يشاركون عادة فى عملية التدريب، وعلى الرغم من أن الشبكات العصبية الاصطناعية كانت مستوحاة من الشبكات العصبية فى أدمغة البشر، فإن نوع التعرف إلى الأنماط الذى يقوم به نظام التعلم العميق يختلف اختلافا جوهريا عن الطريقة التى يرى بها البشرُ العالمَ.
غالبا ما يكون من المستحيل فهم العلاقة بين إدخال البيانات فى النظام وتفسير البيانات التى يُخرجها النظام.
يقول توم هوارد، الذى يدير مختبر الروبوتات والذكاء الاصطناعى بجامعة روتشستر الذى طور خوارزميات تفاعل اللغة الطبيعية لـRoMan والروبوتات الأرضية الأخرى: "إنه عند تطبيق التعلم العميق على المشكلات ذات المستوى الأعلى، يصبح عدد المدخلات المحتملة كبيرا جدا، ويمكن أن يكون حل المشكلات على هذا النطاق أمرا صعبا. وتكون العواقب المحتملة للسلوك غير المتوقع أو غير القابل للتفسير أكثر أهمية عندما يتجلى هذا السلوك من خلال روبوت عسكرى ثنائى السلاح يبلغ وزنه 170 كيلو جراما".
عمل تحالف التكنولوجيا التعاونية الروبوتية(RCTA) التابع لمختبر أبحاث الجيش الأمريكى مع علماء الروبوتات فى عدد من الجامعات والشركات لتطوير استقلالية الروبوت لاستخدامها فى المركبات القتالية البرية المستقبلية، وهو جزء من هذه العملية.ولا يقتصر الأمر على مشكلات ندرة البيانات والتكيف السريع مع صعوبة التعلم العميق. فهناك أيضا أسئلة حول المتانة وقابلية الشرح والسلامة، يقول ستامب: "هذه الأسئلة ليست خاصة بالجيش، لكنها مهمة بشكل خاص عندما نتحدث عن الأنظمة التى قد تتضمن القدرة على القتل".
البيوروبوت :Biorobot
على خلاف السايبورج ظهر بيوروبوت Biorobotوهو ربوت بأجزاء بشرية، ويختلف عن السايبورج؛ لأنه إنسان تم تعزيزه بأجهزة ليتحول لفرد الكترونى،أما البيوروبوت أو البيونك فهو إنسان آلى معزز بأجزاء بشرية أو أعضاء حيوية، وهما مصطلحان يعبران عن إنسان آلى فى الأساس، ببعض الأجزاء البشرية أو الحيوية.
أنواع الروبوتات العسكرية:
وللروبوتات المقاتلة أو العسكرية ثلاثة أنواع:
1- الروبوتات "الأوتوماتيكية": التى تستجيب بطريقة ميكانيكية للمدخلات الخارجية، هذه عادة ما تكون بدون أى قدرة على تمييز المدخلات.
2- الروبوتات "الآلية": تقوم هذه الروبوتات بتنفيذ الأوامر بطريقة مبرمجة سابقا باستخدام مستشعرات تساعد على تسلسل الإجراءات. غالبا ما تكون مقيدة بخوارزميات تحدد قواعد عملياتها وسلوكها من الإجراءات البديلة الثابتة، ما يجعلها قابلة للتنبؤ.
3- الروبوتات المستقلة:هى تلك التى يمكنها الاختيار من بين خيارات متعددة للعمل بناء على المدخلات الحسية، ويمكنها تحقيق الأهداف من خلال تحسين أدائها عبر التعلم من خلال الذكاء الاصطناعى، على الرغم من أنها لا تزال مقيدة بمجموعة من الإجراءات المبرمجة سابقا، فإنها يمكن أن تتخذ قرارا مستقلا .
-
خصائص الروبوتات العسكرية:
تتميز الروبوتات العسكرية بمجموعة من الخصائص أبرزها:
الأتمتة أو الاستقلالية (التشغيل الآلى):
ويقصد بها النظام الذى يقرر التصرف أو عدمه الذى يحكم عمل الأسلحة ذاتية التشغيل دون الاعتماد على مشغل بشرى، كما يعنى القدرة على التصرف بشكل مستقل، بما فيها "الإجراءات" التى تعنى القدرة على التأثير فى العالم، و"التفاعلات" التى تعنى الوعى والتكيف لما يحدث فى العالم، و"القرارات" التى تشير إلى الخوارزمية التى تتحكم فى كيفية تصرف الوكيل فى مواقف مختلفة، ويمكن أن يعنى أشياء كثيرة مختلفة، وهى تشير مباشرة إلى تعقيد خوارزمية التحكم، وتعيين معلومات المستشعر إلى الإجراءات، وبشكل غير مباشر صفات مثل القدرة على التعلم اعتماداعلى خبرة القيام بالعمل السابق.
القدرة على التحسين الذاتى والتكيف مع الأوضاع:
تعمل نظم الروبوتات ذاتية التشغيل عن طريق خاصية التحسين والتطوير من قدرتها ذاتيا بالاعتماد على نماذج معقدة من الخوارزميات الرياضية، وكمية هائلة من البيانات التى تم تحليلها لتحديد الإجراء السريع الذى يعرف بالذكاء الاصطناعى، ويتطلب هذا الإجراء الإشراف المستمر من البشر حتى لا يحيد النظام باختياره، ومن ذلك طريقة اختيار الأهداف العسكرية، أو عدد القتلى، أو ما يمكن أن يقلصه من الأضرار الجانبية، وغير ذلك حسب برمجة تراعى الأنظمة القانونية.
التعقيد فى تعقب الأخطاء البرمجية:
يصعب فهم المسار الذى اتخذته الآلة لتفسير مخرجاتها، ومن الصعب أيضا تقييمها خاصة إذا اعتمدت على طبقات عميقة من الشبكات العصبية (الذكاء الاصطناعى المتطور) ومن ثم لا يمكن تعقب الخطأ، وقد أشار المتخصصون إلى إمكانية تطوير ذكاء اصطناعى قابل للتفسير وتعقب الخطأ، ويرى بعض المحللين أنه يخلق تضادا فى المفاهيم؛ حيث يتطلب الحاجة إلى تفسير وتعقب الخطأ لكى يساعد على قيام أساس المسئولية لأى انتهاك قد يحدث سواء على المطور، أو المبرمج، أو المصمم، أو القائد العسكرى،أو غيرهم.
الفتك بالأهداف والتجرد من المشاعر:
يشير إلى أى تهديد تسببه الآلة كالموت أو الأضرار البشرية، ولا يمكن تحديد نوع هذا التهديد فى أثناء القتال، وذلك ناتج عن اعتداد الروبوتات بالأحاسيس الإنسانية فهى لا تخضع لاعتبارات الضمير الإنسانى فى تنفيذ مهامها، ومن ثم عدم الاهتمام بالحالات الإنسانية.
عدم القدرة على التنبؤ والموثوقية:
وتعنى عدم القدرة على التنبؤ بالنتائج التى ستترتب على استقلال الربوت وقيامه بعملية الاشتباك، وهو ما يثير قلق المجتمع الدولى خاصة المنظمات غير الحكومية بما ستقدم عليه، ومن ثم عدم الموثوقية بقدرتها على الالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى.
المساءلة والمحاسبة:
تنشأ المحاسبة والمساءلة عن التسلسل الهرمى الذى يحدث من طاعة القوات لأوامر القادة، وبالنسبة للروبوتات فإن استقلالها فى اتخاذ القرار سيترتب عليه الغموض فيمن ستقع عليه المسئولية والمحاسبة على موضوع الأضرار الناتجة عن استخدام الآلة، وهذه الخاصية تثير مسألة أخلاق الآلة وأحكام المسئولية بينها وبين الإنسان، وذلك فى إطار القوانين التى تنظم عمل الآلة من عدم إيذاء الإنسان، أو السماح بإلحاق الضرر بأى إنسان فى أثناء عمله. بما سيتطلب إجراء تعديلات فى مفاهيم الآلة.
السحابة القتالية.. تطور الحرب فى عصر المعلومات:
تستخدم السحابة القتالية نموذجا تشغيليا تكون فيه المعلومات وإدارة البيانات والاتصال والقيادة والتحكم (C2) من الأولويات الأساسية للمهمة؛ حيث تتعامل السحابة القتالية مع كل منصة على أنها مستشعر و"مستجيب" وهى تتطلب صيغة قيادة، وتحكم توفر إمكانات الارتباط الأوتوماتكى، ونقل سلس للبيانات، بالإضافة إلى كونها موثوقة وآمنة ومضادة للأعطال.
يعكس مفهوم السحابة القتالية صيغة حرب الأسلحة المدمجة من خلال جعل النقطة المحورية فى الحرب هى (المعلومات)، وليس (المناورة والاشتباكات) فى مجال العمليات، ويمثل هذا المفهوم تطورا حيث تتحول المنصات ذات الشبكات الفردية إلى مؤسسة "نظام النظم" فى أى مجال كان، وتكون مدمجة بواسطة النطاق والروابط المتعلقة بالمهمة.
إن الموجودات المتعددة الوظائف القادرة على أداء مهام المراقبة والاستطلاع، ستحل بشكل ثابت محل الموجودات الخاصة بالمهمة، وسيقوم الاشتباك بالهدف القائم حول الحاجة إلى "تدمير" نقطة معينة بإفساح المجال أمام الاشتباك المرتكز على التأثيرات، بفضل قدرات محسنة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعى.
التكنولوجيا الحديثة وتغير شكل الحرب وموازين القوى:
سيؤدى الذكاء الاصطناعى الدور الأكبر فى تطوير أسلحة المستقبل وتغيير بعض أساليب القتال واستراتيجيات وتكتيكات الحروب، فهذه التكنولوجيا ستقلل الاعتماد على البشر فى العديد من المهمات العسكرية ولاسيما تحسن مستوى الدفاعات الجوية نتيجة الثورة التكنولوجية، ولا يزال الهدف الأساسى من تعزيز قدرات الجيوش على مختلف الأصعدة ردع الخصوم.ولأن عملية التحديث الدائمة للطائرات والمنظومات الدفاعية مكلفة ماليا وتتطلب وقتا لاستيعابها، فإن الدول تتجه لإنشاء تحالفات تضاعف من قدراتها الدفاعية وممارستها قبل نشوب نزاع مسلح.
إشكاليات الاعتماد على نظم الذكاء الاصطناعي:
ينذر التوسع فى الاعتماد على الخوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، خاصة فى المجال العسكرى، باتخاذ قرارات ليست ذات درجة عالية من الكفاءة. ففى وطأة القتال هناك أمور قد تعجز نظم الذكاء الاصطناعى عن إدراكها مثل الحدس والبصيرة، وهى أمور قد يراها المقاتلون جوهرية فى أثناء تبادل إطلاق النيران. لذلك، قد تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعى مثالية من ناحية الرياضيات، ولكنها ليست دائما كذلك فى الواقع العملى، لدرجة التعقيد فى ساحة المعركة.
1- درجة كفاءة البيانات:
يتعلم نظام الذكاء الاصطناعى ويتطور بناء على المعلومات التى يتم تزويد النظام بها. وإذا كانت هناك خطأ أو مشكلة أو نقص فى هذه البيانات، فسوف يترتب على ذلك أن النظام نفسه سيحصل على استنتاجات خاطئة فى بعض الأوقات، ومن الأمثلة على ذلك إغفال إمداد النظام بوجود مدنيين فى منطقة قتال. بما يترتب على ذلك من قيام نظام الذكاء الاصطناعى بتدمير المنطقة كاملا دون الأخذ فى الحسبان حياة المدنيين، أو أن يتم تزويد النظام بعمليات عسكرية تتم فى رؤية غير واضحة، كتصوير ليلى مثلا وتنقصه الدقة فى وصف البيانات، فتتكون لدى النظام رؤية منقوصة، أو يقوم بإجراء تفسيرات خاطئة للبيئة القتالية، بما يترتب عليها إما فشل العملية، أو إصابة أهداف صديقة.
2- التحيز فى إتخاذ القرارات:
هناك إشكالية تحيز يتسم بها الذكاء الاصطناعى مثلما يتسم بها البشر، تدفع نحو التفكير فى قدرة الذكاء الاصطناعى على أخذ الأحكام ، فمثلا إذا كانت المعلومات التى تمت تغذية النظام بها عن عمليات عسكرية، تم استخدام القوة المفرطة فيها، فإن ذلك يدفع النظام إلى تدمير الأهداف حتى البسيطة بأكبر قدر من المتفجرات، فيصبح بذلك عبئا على ميزانية وزارة الدفاع، أو أن تتم تغذية النظام بمعلومات عسكرية سابقة يغلب عليها قتال مرتزقة مثلا من ذوى البشرة السوداء، فيقوم النظام بالوصول لاستنتاج أن كل من له بشرة سوداء يعد مصدر تهديد وهو أمر غير صحيح.
3- القابلية للاختراق:
وتلك مشكلة كل جهاز به برمجة رقمية أو خوارزمية، فإذا تم اختراق نظم الأمن السيبرانى الخاصة بالنظام، فيمكن فى هذه الحالة تحييده من المعركة وإخراجه من الخدمة، أو حتى ضمه إلى صفوف قوات العدو، أو إعادة برمجته مرة أخرى ليقوم بقتل أهداف صديقة.
ختاما:
إن هذه المتغيرات تظهر أن طبيعة الحروب تتطور مع انتقالنا من العصر الصناعى إلى عصر المعلومات بما ينطوى عليه من تحول المعلومات إلى عامل مهيمن فى الحرب، وإن قدرة أى جهة فى المحافظة على الهيمنة الجوية أو البرية أو البحرية فى أى حرب مستقبلية لن تكون طويلة بسبب الشكل الجديد للنزاعات العسكرية التى أحدثها الذكاء الاصطناعى والتطور الإلكترونى والسيبرانى إلى عالم التسلح وإدارة الحروب. ومن المحتمل أن تختلف الحرب فى عصر المعلومات ودور القوة الجوية فى الحرب الحديثة اختلافا كبيرا؛ حيث ستؤدى العمليات الجوية دورا حاسما بما يدفع الطلب على دمج المعلومات التى تعد القوة التى تطور المنصات العسكرية التقليدية من أدوات قوة تقليدية إلى مؤسسة متكاملة؛ حيث يحدد انحسار المعلومات والبيانات وتدفقها من وإلى كل عنصر من عناصر المؤسسة العسكرية النجاح فى حروب المستقبل.
قائمة المراجع:
- إيهاب خليفلة، الخوارزميات القاتلة فى إدارة المعارك العسكرية، مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، العدد 228، إبريل 2022.
- عبد القادر محمود الأقرع، الروبوتات العسكرية فى الحروب المستقبلية ومدى خضوعها لأحكام القانون الدولى الإنسانى، المجلة القانونية، 0758-2537 .
- التكنولوجيا العسكرية، سباق التسلح أم تكافؤ الفرص، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية 2021.
- رياض قهوجى، القوات الجوية وحروب المستقبل، الدار العربية للعلوم ناشرون 2020.
- روبوت مطور بالذكاء الاصطناعى لتوظيفه داخل البيئات القاسية غير المناسبة للبشر، موقع المصرى اليوم متاح على:https://www.almasryalyoum.com/news/details/2961789