تتوالى الانقلابات فى القارة السمراء دولة تلو الأخرى، وهذه النيجر دولة جديدة فى سلسلة الانقلابات؛ حيث شهدت انقلابا على إثره عزل الرئيس محمد بازوم البالغ من العمر (63 عاما) الذى تسلم السلطة فى عملية انتقال سلمى بينه وبين الرئيس السابق محمدو إيسوفو فى عملية كانت الأولى من نوعها فى بلد عانى الانقلابات منذ استقلاله عن فرنسا 1960. ويأتى هذا الانقلاب على خلفية صراعات بين الحرس الرئاسى والرئيس محمد بازوم، نتيجة خلافات على التعيينات فى الحرس الرئاسى والمؤسسات الأمنية؛ حيث غيَّر بازوم بعض القيادات والموظفين فى الحرس الرئاسى لتخوفه من أى انقلابات ضده، ليقوم الحرس الرئاسى بمحاصرة الرئيس والدائرة المقربة له، واعتقال عدد من الوزراء وكبار المسئولين ما أدى إلى انتشار الجيش حول القصر الرئاسى.
وهى خلافات ليست وليدة اليوم، وقد سعى زعماء سابقون لوقف تصعيدها، لكن لم تفلح جهودهم وتعطلت المحادثات بل أعلن الانقلابيون استعدادهم لمهاجمة المتورطين مع الرئيس على خلفية تمركز القوات الموالية للرئيس حول القصر الرئاسى الذين شاركوا فى وقف الانقلاب؛ ليعلن بعدها عدد من الجنود عبر التلفزيون الرسمى تغيير النظام الديمقراطى الدستورى للدولة، وعزل الرئيس، وإغلاق حدود البلاد، وتعليق العمل بجميع المؤسسات، وحل الدستور، واحتجاز قوات الحرس الرئاسى.
وفى حين ري البعض الأسباب الرئيسية وراء هذا الانقلاب فهو ما شهدته البلاد من تردٍّ للأوضاع الاقتصادية، وانهيار الوضع الأمنى والاجتماعى. وأعلن الانقلابيون من خلال ما أطلقوا عليه "المجلس الوطنى لحماية الوطن" أنهم قرروا وضع حد للنظام المعمول به فى البلاد، وقطع الطرق المؤدية إلى القصر فى العاصمة نيامى، متعللين بالفساد وسوء الإدارة التى كانت السبب الرئيسى وراء عزل الرئيس بازوم .
يرجع أرجع البعض الآخر الانقلاب إلى نظرية المؤامرة من الموالين للرئيس السابق محمدو إيسوفو، وشهدت البلاد على إثره تجاذبا وتناحرا بين الرئيسين بتغيير القيادات الموالية لكل منهما، وأن ما حدث هو نابع من مشكلات مع الحرس الرئاسى من تمرد الجنرال عمر تيشانى قائد قوات الحرس الرئاسى بوصفه العقل المدبر لهذا الانقلاب بعد فشل المفاوضات مع بازوم، فمحاولة بازوم تقليص نفوذ إيسوفو بإقالة عناصر موالية لم تمر مرور الكرام له. لذا، فما حدث ما هو إلا رسالة قوية لبازوم من إيسوفو خاصة أن الرئيس الحالى (محمد بازوم) كان وزير الداخلية السابق لإيسوفو، ما يعطى ذلك بوادر أمل فى أن يكون من الممكن إقامة تسويات داخل البلاد تعمل على إرجاع الأوضاع لطبيعتها، وهذا ما ستسفر عنه الأيام، وإن كانت فرص ذلك ضئيلة ؛ لأن جميع المعاقل السياسية لحزب التجمع الوطنى الديمقراطى الحاكم موالية لإيسوفو. وجاء فى بيان الانقلابيين تعليق العمل بكل المؤسسات المنبثقة من الجمهورية السابقة ليتولى عمل الوزارات الأمناء العموم لها لتكون بمنزلة حكومة تصريف الأعمال .
خطوة تصعيدية كانت متوقعة من وجهة نظرى، لرؤيتى أن ما حدث وسيحدث وراءه التدخل الخارجى لتفتيت القارة وأمنها وسلامتها لمصلحة الغرب خاصة أن الرئيس بازوم يعد من القادة الموالين للغرب.
وقد نددت الدول الإفريقية مرارا بهذا التدخل الغربى دون أن يسمع أحد صوتها ودون جدوى لتجنى التفتت والتشرذم، وفى هذا ندد الانقلابيون الآن، مطالبين من المجتمع الخارجى بعدم التدخل، لذلك قاموا بغلق الحدود البرية والجوية للنيجر لحين استقرار الأوضاع لحماية بلادهم .
وتابعت دول العالم الوضع بقلق بالغ الأهمية، وتواصلت الدبلوماسية الأمريكية بالرئيس محمد بازوم، ونقلت له دعم واشنطن، ليسير على هذا الحذو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش. و طالعتنا "ايكواس" وهى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا فى بيان أدانت فيه هذا الانقلاب، ذاكرة أن ما حدث هو استيلاء على السلطة بالقوة. وتمثل ردود الفعل الغربية تماثل لذريعة الديمقراطية التى تطالب بها دائما دولنا وتدخلها فيها بكل الأشكال. وفى هذا الصدد، طالبت مالى سابقا مرارا بخروج القوات الغربية من بلادها، فإذا كان السبب وراء الإطاحة بالرئيس بازوم هو إرساء الديمقراطية، فالرئيس انتخب بطريقة ديمقراطية؟ فأين يكمن السبب إذن؟ بالطبع عند الغرب ومطامعه فى القارة لتبتلع شعوبها الطعم وتفتت دولها بأيديها .
ونرى، من خلال هذه الأسباب وما يكمن فى مغزاها، أن يقوم الاتحاد الإفريقى بصورة عاجلة بدور واضح ومحدد تجاه ما يحدث ليس فقط من خلال ما قام به من إدانة لهذا الانقلاب ومناشدة القوات العسكرية بالرجوع لثكناتهم، وهو أيضا ما قام به رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى "موسى فكى"، لكن ليست الإدانة والشجب من قبل الاتحاد والمفوضية كافيين لدرء خطر ما يحدث فى الدول الإفريقيه، فإن لم يكن هناك تحرك جاد بخطة موضوعية على أرض الواقع من قبل الاتحاد الإفريقى ومفوضية الاتحاد الإفريقى للنظر بجدية للتهديدات والتدخلات الخارجية خاصة القوات الغربية مثل وجود قوات فاجنر، والقوات الغربية، والمرتزقة التى تنخر فى جسد إفريقيا ستتكرر الانقلابات والتفتيت وزعزعة الاستقرار طمعا فى ثرواتها وموقعها الجغرافى، فلا بد من صحوة للدول الإفريقية والشعوب الإفريقية إزاء ما يحدث من مخطط خبيث يقبلونه بمحض إرادتهم وبأيديهم لتفتيت دولهم وتناحر شعوبها، ولنا ما حدث فى مالى وبوركينافاسو من انقلابات سابقة أسوة فى ذلك، نتيجة الانتفاضات الجهادية المدعومة من الغرب، واجتاحت الحركات (حركات التمرد الإسلامى وتحالف كل من القاعدة والدولة الإسلامية) النيجر أيضا هذا البلد الذى عانى كثيرا وشهد انقلابات عدة (أربعة انقلابات) منذ الاستقلال عام 1960 عن فرنسا.
آن الأوان لإنقاذ دول القارة من المخططات الخبيثة تحت ذريعة الديمقراطية ومكافحة الفساد بخطة موضوعية بتوعية وإنقاذ شبابها الذين يقبلون التأثير الغربى فى هويتهم وانتماءاتهم الإفريقية الأصيلة بمحض إرادتهم؛ حيث المخططات الجاذبة للشباب فيقبلونها دون إرغام، وسنتناول التأثير فى هوية شبابنا فى مقالات لاحقة، أيضا لا بد من قيام الاتحاد الإفريقى بحل مشكلات دول القارة، والعمل بخطة موضوعية على ملاحقة الفساد الذى يشوب دوله، وتبنى مشروع قومى إقليمى لكل دول القارة، والأهم كما نذكر دائما مراجعة دساتير القارة الإفريقية؛ حيث إن بعض دساتير القارة وضعها المستعمرون؛ ليكون للقارة دساتيرها المعبرة عن هويتها، أيضا الجدية من قبل الاتحاد فى مكافحة الإرهاب والحركات الجهادية التى تهدد أمن القارة. آن الأوان لوقفة جادة وصارمة قبل أن تغيب عن القارة مفهوم الدولة والوطنية، بيد أبنائها الذين تحركهم قوى ذات أجندات خارجية.