هل كنت تعتقد أنه سيأتى اليوم الذى تنافس فيه الولايات المتحدة الأمريكية وتكون السبب فى التأثير السلبى فى إحدى الصناعات المهمة لديها التى كانت تخطط لتستولى على الجانب الأعظم منمدخلاتهاوتحقيق أرباح تستأثر بها دون منافسة حقيقية؟!
هيهات طبعا! وكيف لنا أن ننافس أمريكا العملاق التى تقع على كل هذا البعد منا اقتصاديا كان أو جغرافيا؟! الفضل يرجع للتخطيط السليم الذى عهدناه فى آخر عشر سنوات، الذى غير وجه مصر كثيرا بمشروعات ضخمة وبنى تحتية وصناعات وغيرها، فما القصة التى نتحدث عنها؟ وما حقيقتها؟
تبدأ القصة منذ عدة سنوات برؤية وتوقع واستباق الحلول بخطوات إيجابية مع بداية التفكير فى مشروع محور قناة السويس؛ حيث وضعت الدولة فى الحسبان إنشاء مصافى تكرير جديدة للبترول، ولكن هل تعلم أن مصافى النفط الجديدة هذه قد شكلت مشكلة للاقتصاد الأمريكى ووضعت مصافى النفط الأمريكية فى ورطة! فكيف تم هذا؟، مع تناقص إنتاج البترول الخام وارتفاع أسعاره كانت الدولة المصرية قد فكرت وأعدت ونفذت!
هل تعرف ما النفط الحامض؟
لقد آن الأوان لنعرف أن هناك نوعا آخر من البترول يطلق عليه النفط الخام الحامض(Sour crude oil) وهو خام يحتوى على كمية عالية من شوائب الكبريت ما يجعله قليل القيمة وغير مرغوب، مقارنة بالبترول الذى نعرفه جميعا الذى يسمى بالبترول الحلو الذى يحتوى على أقل من 0.5% من الكبريت، هذا ويجب إزالة الشوائب قبل أن يتم تكرير هذا الخام الأقل جودة باستخدام مصاف ذات مواصفات خاصة ليمكن استخدامه كوقود للسيارات، ومن ثم ترتفع تكلفة معالجته وينتج عنه بنزين يكون أعلى سعرا من بنزين الخام الحلو، لذا فلم يكن موضع اهتمام كبير سابقا.
وحيث إن النفط الحامض يتطلب مصافى تكرير متخصصة لمعالجته، ونظرا لانتشار النفط الحامض فى الولايات المتحدة فقد قامت أمريكا بالبدء فى استخراجه وتكريره منذ 2009، وبدأت تستورد من دول أخرى بأسعار غاية فى التدنى نظرا لوجود المصافى لديها على ساحل الخليج الأمريكى، لكن مع قرار "أوبك+" خفض إنتاج البترول بداية من مايو2023، للحفاظ على الأسعار، وتدنى المخزون الاستراتيجى من البترول لدى الولايات المتحدة قامت أمريكا بمحاولة زيادة استيراد النفط الحامض إلا أن بدء تشغيل المصافى المصرية الجديدة شرق قناة السويس قد جعل من مصر مستوردا أساسيا للنفط الحامض ينافس ويؤثر فى أهداف الإدارة الأمريكية؛ ما أدى إلى قفزات كبيرة فى أسعار الخام الحامض الذى تسعى الحكومة الأمريكية لاقتناصه لتعويض احتياطيها الاستراتيجى المستنفذ من النفط فى ظل تقلص الإمدادات بعد تخفيضات "أوبك+" للإنتاج وبدء تشغيل مصافى التكرير الجديدة.
ويوجد النفط الحامض فى الشرق الأوسط لدى السعودية، والكويت، والعراق، وسوريا، ومصر، وإيران.ومع تشغيل مصافى تكرير شرق القناة أصبحت مصر منافسا رئيسيا للولايات المتحدة، بما يمكنها من زيادة إمدادات النفط لأوروبا وزيادة صادراتها من الوقود.فى حين تواجه مصافى النفط الواقعة على ساحل الخليج الأمريكى معضلة كبرى مع زيادة الطلب على النفط الحامض بالتزامن مع خفض إنتاج البترول من قِبل "أوبك."+
ولعل من شأن هذا أن يقلص مخزونات النفط الحامض، وأن يزيد من ارتفاع أسعاره، خاصة مع تسريع مصافى النفط الأمريكية وتيرة مشترياتها فى الآونة الأخيرة لزيادة الاحتياطيات الأمريكية؛ إلا أن المصافى المصرية الجديدة مازالت لديها فرصة تكرير النفط الحامض الموجود فى منطقتنا لدى مصر أولا ثم دول السعودية، والعراق، والكويت، وهذا كاف لاستمرار المنافسة خاصة إذا وضعنا فى الحسبان أيضا تقلص احتياطيات البترول الحلو، وكذا عمل منظمة الأوبك+ على تحديد الإنتاج للحفاظ على مستويات الأسعار.
هذا وفى محاولاتها لاقتناص القدر الأكبر من مخزون النفط الحامض، فقد بدأت الولايات المتحدة فى التوجه للبرازيل لاستيراد النفط الحامض بوصفها مصدرا قريبا منها جغرافيا، ومن ثم قد تكون بعيدة عن المنافسة المصرية، إلا أن مصر قادمة لا محالة!
حفظ الله مصر دوما..