عرض: شيريهان نشأت المنيري - باحثة في مجال الدراسات الإعلامية والمعلوماتية
في ضوء ما تشهدَهُ المنطقة العربية من تحوُلات إستراتيجية نتجت عن ثورات الربيع العربي ازدادت العلاقات العربية الإيرانية صعوبة وضبابية ارتبط بعدم وضوح الرؤية الإيرانية خاصة بعد مواقف طهران المتباينة تجاه البحرين وسوريا وكذلك تخوف بعض الدول العربية خصوصا الخليجية منها من قدرات إيران النووية حتى ولو استخدمت في المجال السلمي في ضوء ذلك، نظم المركز الدولى للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، مؤتمراً بهدف تبادُل وجهات النظر والآراء حول مُستقبل العلاقات العربية الإيرانية، والمصالح والتهديدات المُشتركة التي تفرض تفاهماً وتنسيقاً عربياً إيرانياً، وكيفية تحقيق هذا التفاهُم على النحو الذي يُعظم مصالح الطرفين، ويؤدى إلى الإستقرار الإقليمى وذلك في يوم الإربعاء 16 نوفمبر 2011 بمقر المركز.
مُستقبل الخلافات العربية- الإيرانية
حددت الدكتورة نفين مسعد أستاذ العلوم السياسية المتغيرات التي تواجه مستقبل العلاقات العربية الإيرانية في بعض النقاط من أهمها : انتزاع الشعوب العربية من النُظم المُستبدة التي حكمتها عقوداً طويلة وشعورها بالحُرية، وفكرة أسلمة الثورات العربية، مع إحتمالات تفكُك الشعوب العربية مثلما حدث في العراق وما يحدث في اليمن ومسألة التشطير. وأشارت إلى نُقطة المصداقية التي تفقدها إيران عندما تُثني على الثورات في مصر، وتونس، وليبيا، في الوقت الذي تأخُذ فيه موقفاً مُخالفاً بالنسبة لسوريا، بالإضافة إلى فكرة تدخُل إيران في شؤون الجميع في الوقت الذي لا تقبل فيه التدخُل من أحد.
وأضافت أن هناك قيوداً نابعة عن مسألة ما حدث مع إسرائيل من تزايُد العداء الإسرائيلي لإيران، وأيضاً تغيُر موقف حركة المُقاومة الإسلامية "حماس" عندما إتجهت إلى مصر لإتمام عملية المُصالحة دون طلب أو إنتظار تأييد من سوريا أو إيران.
و تحدثت دكتورة نفين عن اختلاف موقف الخليج من الثورات العربية، وذكرت على سبيل المثال دور السعودية في كبح تطور إنتفاضة البحرين التي كان من المُمكن أن تأتي بنظام لهُ علاقات طيبة بإيران، وأيضاً الدور القطري في الملف الليبي، وترويض الثورات العربية بشكل عام.
أما دكتور مُصطفى اللباد (مُدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية) فقد بدأ حديثهُ بتساؤل حول ما هى أولويات إيران وكيف تتعامل مع الملفات المُختلفة ؟ وإستطرد قائلاً أنهُ لا توجد علاقات عربية إيرانية فهى قُطرية إيرانية، وأنهُ ليس هُناك سياسة مُوحدة. أيضاً إنتقد فكرة أن إيران تضع مسئولية أمن الخليج على عاتقها، لأن حقيقة الأمر أنها تُريد مجالاً أمنياً تهُيمن عليه في المنطقة.
مشيرا إلى أهمية توحيد الموقف الخليجي في كيفية التعامُل مع توجُهات إيران، بالإضافة إلى ضرورة إنتباه دول الخليج أنها تُمثل المركز الأول في التعامل مع إيران. وذكر أن لبنان تختلف طبقاً للخريطة الإيرانية عن دول الخليج، أما سوريا فتُمثل أهمية جيوبوليتيكية فائقة بالنسبة لإيران. ولم يُنكر البُعد المعنوي والعقائدي لفلسطين والذي يؤثر على إيران بشكل كبير مُمتداً بذلك من الإمام الراحل "الخماني"، وكيف أصبح لإيران عن طريق "حزب الله" حدوداً مجازية مع إسرائيل.
بينما أوضح السفير محبتي أماني (رئيس مكتب المصالح الإيرانية بالقاهرة) أن التوجُهات الإيرانية هى توجُهات إسلامية ولكن مع الإحترام لكُل الأديان، وأن الإهتمام بالإسلام ومبدأ النضال على الظُلم هو الذي يُجبِرهُم أخلاقياً في أخذ كثير من التوجُهات السياسية الإيرانية تجاه الثورة.
وطالب بأن تكون هُناك حلقات وصل بين إيران ومصر حتى يعرف كُل طرف كيف يُفكر الآخر، بالإضافة إلى أهمية تقارُب الحوار بين البلدان والشعوب العربية وأن هذا لا يعني أن المشاكل ستزول ولكن على الأقل سيكون هُناك مزيداً من الفهم لهذه المشاكل مما يُمكِن من التعامُل معها. مشيرا إلى ضرورة إستغلال إمكانية التعاون بين البلدان العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبمجرد فتح باب المُشاركة إختلف بعض الحاضرين في الآراء عن المُتحدثين حيث اعتبر دكتور صلاح نصراوي الباحث أن الحديث عن العلاقات العربية - الإيرانية في ظل هذه المرحلة الإنتقالية التي تعيشها الشعوب العربية، لايزال مُبكراً جداً، فهو يرى أن هُناك جموداً وشللاً في العمل السياسي لأن كُل البلدان العربية مُنشغلة في أوضاعها الداخلية.
ومختلفا معه في هذه الرؤية الدكتور عادل سليمان الذي أكد أن تلك الأسباب أدعى لأن تُشرع الجماعة الفكرية من خُبراء وغيرِهم في دراسة هذه الأمور مُنذ هذه المرحلة الخالية إستعداداً للمرحلة القادمة.
ونبه السفير إيهاب وهبه باحتمالات قيام إسرائيل بضربة والتي يعلم أنها من الصعب، و قال أنهُ يجب الإنتباه لمُجرد إحتمال حدوث ذلك. وفي هذا السياق شددت دكتورة مُسعد على أهمية أخذ المُتغيرات المُتعلقة بإسرائيل في الإعتبار لأنها كانت من الأسباب الرئيسية للأزمة بين مصر وإيران.
المصالح العربية وفُرص التعاون
أكد الدكتور عبد المنعم المشاط (أُستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة) أنهُ في إطار البحث عن المصالح المُشتركة، فقد لعبت مصر أربعة أدوار: الأول، الدور الفاعل وهو عن طريق فرض عوامل تكامُل عربي ونظاماً إقليمياً عربياً. الثاني، الدور العاقل (أى العمل) وهو الذي بدأ بالصُلح مع إسرائيل والتي كانت ولازالت مصدر التهديد الرئيسي للأمن القومي والعربي بأكملهُ أيضاً. الثالث، الدور الغائب والذي إستمر حتى عامنا هذا ففي هذه المرحلة لم تكُن هُناك قُدرة أو رغبة في تنمية المصالح المُشتركة مع الأقطار العربية،هذا بالإضافة إلى تدني لُغة الحوار السياسي العربي. الرابع، الدور الواعد وهو الدور المُتوقع في ظل التطورات الأخيرة، فمصر أصبحت تلعب دوراً مُهماً في جذب وتفعيل المصالح المُشتركة مرة أُخرى مع باقي الأطراف العربية.
مشيرا إلى أن إيران تحركت في المنطقة كدولة فارسية قبل أن تتحرك كدولة إسلامية، رغبة في بناء الإمبراطورية الفارسية وتوظيف المذهب الشيعي، والذي يرى أنهُ من حقها مثل توظيف المذهب السُني في مصر، والوهابي في السعودية.. وتساءل هل نلغي المصالح المُشتركة بسبب تصارُع الثوابت السابقة ؟!! وأيضاً هل إيران تُشكل خطراً أكثر من إسرائيل، لكى يكون هُناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ولا يوجد مع إيران؟!! وبالتالي قال : "أنه يجب تنمية هذه المصالح وإحترام هذه الثوابت، وعدم التعرُض لها بما لا يُعرض الأمن القومي للخطر".
واهتم الخبير الاقتصادي ممدوح الولي بالحديث عن واقع التجارة المصرية الإيرانية خلال السنوات الماضية، وتفوق إيران على مصر في الكثير من العوامل والمُقومات الإقتصادية، بالإضافة إلى تميُز إيران في عملية الصادرات. و تطرق إلى الحديث عن نسبة صادراتنا لإيران التي لم تصل إلى 1% مما نُصدرهُ لدول العالم، بالإضافة إلى حجم تجارة مصر مع إسرائيل والتي تُمثل ضعف حجمها مع إيران بنسبة 2.5%.
توصيات وطموحات
جاءت توصيات المؤتمر حامله أمال وطموحات تمثلت في :
1- عدم تجاهُل إيران فهى دولة هامة وفاعل أساسي في العديد من القضايا الإقليمية والعربية ولا يمكن تجاوزها، ولكن يجب التنسيق معها، ووضع آلية للحوار العربي- الإيراني.
2- ضرورة تجاوز الصور الذهنية النمطية التي ترسخت على مدى العقود الثلاثة الماضية منذ الثورة الإسلامية، والنظر إلى مواطن الخلاف وهو الأمر الذي يقتضي إرادة سياسية وتواصُل شعبي ونخبوي بين الطرفين.
3- أهمية البدء بتعزيز علاقات التعاون التُجاري والاقتصادي فهذا يُمثل اطاراً عاماً مُشجعاً للحوار السياسي.
4- النظر إلى إمكانية إستغلال الإمارات كدولة ترانزيت كفُرصة هامة للمُصدرين المصريين والتجارة المصرية في السوق الإيرانية.
5- ضرورة اتخاذ ما يُسمى بـ "إجراءات بناء الثقة" بين الطرفين العربي والإيراني وتفهُم كل طرف لمصالح الطرف الآخر.
6- التنسيق مع إيران فيما يتعلق بالخطاب الديني، أمر هام لأنهُ يجب أن يكون هُناك خطاب ديني إسلامي واحد، ويُعتبر هذا أحد المحاور الأساسية للتعاون العربي الإيراني.
7- أن إيران يجب عليها أن تبذُل جُهداً لتهدئة مخاوف الدول العربية خاصة دول الخليج العربي، والمُبادرة بمد جسور التعاوُن في مُختلف المجالات لاسيما الإقتصادية والثقافية والإهتمام بالشعوب ومُخاطبة الشعوب العربية والتقارُب معها.
8- أهمية تشكيل الوعى العربي بإيران وبلورة رؤية مُشتركة.
9- يجب أن تقوم مصر بمُبادرة إقليمية وأن يكون هُناك سياسة خارجية نشطة وتفاعُلية إيجابية وخاصة مع إيران.
10- أهمية التعاون بعيداً عن الصراعات المذهبية والفصل بينها وبين المصالح المُشتركة.
11- يجب على مصر تسهيل عملية الحصول على التأشيرات في مجال السياحة، وتنشيط فكرة السياحة العلاجية والدينية سواء الإيرانية أوالعراقية.
12- مُحاولات الإستفادة من التقدُم العلمي الإيراني في العديد من المجالات، ومن ثم فتح باب التبادُل العلمي بين البلدين.