أعلن وزير الخزانة البريطاني عن الاستراتيجية الخاصة بالنمو يوم الثلاثاء؛ حيث تضمنت المليارات من الجنيهات الإسترلينية تنفق على البنية التحتية. ويتطلب ذلك تمويل القطاع الخاص، وسيؤدي إلى توسع في برنامج الشراكات الناجحة بين القطاعين العام والخاص. على الجانب الآخر يتوقع البعض اتجاه منطقة اليورو نحو الانهيار، إلا أن الغالبية العظمى تتوقع قيام قادة الدول الأوروبية في النهاية بكل ما يلزم لإنقاذ العملة الموحدة. وكما أشرت، في مقال كتبته منذ أسابيع، يعود هذا إلى عواقب انهيار منطقة اليورو الكارثية التي لا يمكن أن يسمح بحدوثها أي صانع سياسة حكيم.
وبدلا من التكهن بشيء لا يمكن لكثير منا تغييره، وسيكون من الأفضل على مدى الأسبوعين المقبلين التفكير في البرامج المستقلة، أود أن أفكر في اقتراح عرضته منذ أسبوعين في الصحيفة ذاتها وهو تنمية البنية التحتية التي تحتاج إليها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونظرا لأنني شغلت منصب رئيس المجموعة الاستشارية لنظام الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في المملكة لمتحدة لثلاثة أعوام انتهت في يونيو (حزيران) 2010، يربطني بالموضوع أكثر من اهتمام عابر. من الضروري إلقاء نظرة على البنية التحتية على المدى الطويل؛ فهو قطاع يعد بالنمو ويزخر بالفرص لعشرات السنوات المقبلة. وسيلعب مهندسو الغد دورا محوريا في تنمية اقتصاد أكثر الدول تقريبا، سواء في مجال المواصلات أو الطب أو البناء، وسيتضمن إحلال وتجديد البنية التحتية في العالم وتخليصها من الكربون.
ويحتاج مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نطاق استثمار واسع خلال السنوات القليلة المقبلة في مجال بناء بنية تحتية جديدة وتطوير البنية التحتية الموجودة. ويولد هذا طلبا كبيرا على مشاريع الاستثمار الابتكارية وخدمات استشارية مهنية من الطراز الأول. وقد أشارت مؤسسة التمويل الدولية إلى أن استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأقل على مستوى العالم. ووجهة النظر واضحة؛ حيث يقولون إن هناك حاجة إلى المزيد من الاستثمارات في القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية في الشرق الأوسط. وأنا شخصيا أدعم تماما هذا التوجه وأحث عليه، ويعرف أي قارئ رأيي هذا من خلال المؤتمرات التي شاركت فيها خلال الـ10 سنوات الماضية. وللمساعدة في تلبية هذه الحاجة إلى رأسمال يستثمر في البنية التحتية، تعاونت دول الشرق الأوسط مع مستثمرين في الداخل والخارج من أجل تخطيط وتمويل وبناء وتشغيل مشاريع البنية التحتية في قطاعات استراتيجية مثل النفط والمياه والكهرباء، ففي قطاعي المياه والكهرباء على سبيل المثال، قام المستثمرون في الداخل والخارج بالتمويل من خلال مؤسسات منتجة مستقلة تعمل في بناء وتشغيل محطات تحلية وكهرباء في الشرق الأوسط. وتم تأسيس كيانات ذات أغراض خاصة لشراء إنتاج تلك المحطات بأسعار تم الاتفاق عليها لإعادة بيعها لرجال أعمال ومستهلكين في إطار عقود بشروط جزائية. وهذا التوجه ضروري لأن السعر النهائي جزء لا يذكر من تكلفة إنتاج وتوصيل المياه. يعد الكيان ذو الأغراض الخاصة هو الجدار الفاصل بين القائم على عملية التنمية والعميل النهائي، ومن الوسائل التي يصل إليها دعم الحكومة. واتبعت الحكومات في مختلف الدول الكثير من الاستراتيجيات لتشجيع الاستثمار. ويتضمن هذا بيع الأصول الحكومية للمشترين من القطاع الخاص والاستثمارات القائمة على أموال البنية التحتية والأسهم والاكتتاب العام الأولي لشركات البنية التحتية المملوكة للدولة. ويتم إعداد أموال البنية التحتية ليتم استثمارها في المنطقة. منذ نحو ستة أعوام قدم مصرف تشيلي المركزي ورقة بحثية اقتصادية فيما يعد تقييما تجريبيا لتأثير تنمية البنية التحتية على النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل. وكانت النتيجة هي أن النمو يتأثر إيجابا بأصول البنية التحتية وزيادة عدالة الدخول طرديا مع زيادة كم وكيف البنية التحتية. وتشير هذه النتيجة إلى أن تنمية البنية التحتية يمكن أن تكون لها تأثير كبير في محاربة الفقر. إضافة إلى ذلك، يشير نموذج دول أميركا اللاتينية إلى أن هذه التأثيرات كبيرة وتؤكد تحفيز النمو والحد من الظلم الذي من شأنه أن ينتج عن توافر وجودة البنية التحتية. وتتبع الحكومات مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل سد العجز في البنية التحتية في الكثير من الدول. وتم تنفيذ عدد من المبادرات خلال الأعوام القليلة الماضية للترويج لهذا النوع من المشاريع في قطاعات مثل الكهرباء والموانئ والطرق السريعة والمطارات والسياحة والبنية التحتية في المدن، لكن ليس الكثير من هذه المبادرات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولم تنتشر عمليات الاكتتاب العام الأولي في الشرق الأوسط لعدة أسباب، منها أسباب ثقافية. الخط الفاصل بين القطاعين العام والخاص غير واضح؛ حيث لم تتحدد وظائف خاصة بكل قطاع، وتجمع الكيانات المملوكة للقطاع الخاص، التي تتسم بطابع عائلي، ولها علاقات وثيقة بالدولة. كذلك لا يوجد إطار قانوني وتنظيمي لعمليات الاكتتاب العام الأولي. اتجهت الحكومات خلال السنوات الماضية إلى وضع هذا الإطار الذي لا يزال يمر بمراحل متعددة في المنطقة. على سبيل المثال، تهتم مصر بالتنمية وبتقييم مشاريع تجريبية في إطار عمليات الاكتتاب العام الأولي. وفي الكويت تم الإعلان عن خطط تنمية من خلال ما يزيد على 30 مشروع اكتتاب أولي في إطار برامج طموح لم تشهدها المنطقة من قبل. وتولى القسم الفني للشركات مسؤولية برامج الاكتتاب العام الأولي. وتعد عمليات الاكتتاب العام الأولي ترتيبا تعاقديا بين هيئة حكومية وشركة خاصة، تصمم وتبني الشركة الخاصة بموجبه بنية تحتية لمرافق عامة وتتولى صيانتها وتمويلها بكفاءة. ويشمل هذا التزاما جديدا بالنسبة للقطاع العام؛ حيث عليه وضع تعريف للخدمة التي يريد شراءها على المدى الطويل ووضع آلية تحفز القطاع الخاص على تقديم الخدمة وإبرام عقد للخدمة على المدى الطويل. على الأرجح لن يفكر القطاع العام في هذا الإطار الزمني الطويل، بل سيركز فقط على ميزانية العام المقبل. عند وضع آلية الدفع، يجب السعي لتحقيق العدالة لتشجيع القطاع الخاص على تقديم الخدمة في موعدها وفي إطار الميزانية الموضوعة. ويتطلب هذا نظاما من الفحص والحسابات لضمان تحقيق توازن بين حقوق وواجبات القطاعين العام والخاص. نظرا لهذه الالتزامات، سوف يؤدي الاكتتاب العام الأولي بصفته شكلا من أشكال الشراء الذي يقوم به القطاع العام، إلى إصلاح الخدمة العامة من خلال تحسينها في إطار الالتزام بالشفافية والحصول على قيمة أفضل للمال. أحيانا تنظر الحكومات إلى الاكتتاب العام الأولي بأنه يتضمن ميزة إضافية هي زيادة قدرة القطاع الخاص. عندما تتشارك الحكومة مع القطاع الخاص من خلال عمليات الاكتتاب العام الأولي، ينبغي أن نتذكر أن الهدف النهائي هو تقديم خدمات أفضل لا الحصول على بنية تحتية جديدة. وبالنظر إلى استراتيجية النمو التي من المتوقع أن تتبناها المملكة المتحدة، يحتاج العالم العربي إلى توفير فرص عمل وتنمية البنية التحتية وزيادة الفرص. ربما تكون عمليات الاكتتاب العام الأولي طريقة من طرق تحفيز النمو، وأود أن أتناول هذه الفكرة بمزيد من التفصيل الأسبوع المقبل.
--------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية الثلاثاء 6/12/2011.