يعد نظام الاتصال الدولى نظاما فرعيا للنظام الدولى، وهو يحمل سمات هذا النظام، ويعد من مكوناته وأدوات التفاعل فيه، مثله فى ذلك مثل النظام السياسى الدولى، والنظام الاقتصادى الدولى، والنظام القانونى الدولى. ويتداخل النظام الاتصالى الدولى ويتفاعل مع كل النظم الفرعية فى النظام الدولى بوصفه الناقل والمعالج للمعلومات التى تمثل مدخلات ومخرجات هذه النظم، والنظام الدولى ذاته، وعلى هذا فإن تطور النظام الاتصالى الدولى فى وقت ما، يعبر عن تطور النظام الدولى ذاته، وعن طرق وأشكال التفاعل فيه. ويضم النظام الاتصالى الدولى فى وقت ما، كل الدول ذات السيادة فى النظام الدولى، بغض النظر عن اشتراك جميع الدول فى بناء النظام وتطويره وإدارته، وتمتد مظلته لتشمل المناطق التى لا تشكل دولا.
ويتسم النظام الاتصالى، بالمكون الأيديولوجى بوصفه نظاما فرعيا من النظام الدولى، فضلا عن مجموعة نظم (مكونات) فرعية حددها فورتنز على النحو التالى:
1- مكونات تكنولوجية: مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والاقمار الصناعية، والإنترنت، وتوزيع الترددات، وتوزيع مدارات الأقمار الصناعية.. إلخ.
2- مكونات اقتصادية: مثل المسائل الاقتصادية والتعريفات والنظم الجمركية والضرائبية، واستراتيجيات استثمار رأس المال.
3- مكونات سياسية وتشريعية: مثل المسائل الخاصة بسيادة الدولة، والمعاهدات والاتفاقات الدولية، والتوازن الجيوبوليتكى.
4- مكونات ثقافية: وتشمل صور الأمم والشعوب، والهيمنة على إنتاج وتسويق الناتج الإعلامى.
5- مكونات السيطرة والضبط الاجتماعى: وتدفق المعلومات، والحق فى الاتصال.
وقد حدد شكل النظام الاتصالى الدولى وحركته القوى السياسية، والعسكرية والاقتصادية المركزية فى العالم، وأن النظام الاتصالى الدولى قد ساعد الحكومات الإمبريالية على ممارسة سيطرة مركزية على أغلب شعوب العالم. ويمكن عد التوسع الإمبريالى فى القرن التاسع عشر مؤشرا على كفاءة نظم الاتصال الداخلية والخارجية للدول الإمبريالية، وبالعكس.
النظام الإعلامى العالمى القديم – الجديد:
هو نظام يقوم على تعديل أسلوب تدفق الإعلام الدولى لكى يكون أكثر عدلا وتوازنا بين الدول المتقدمة والدول النامية، ولمواجهة المشكلات التى خلفها التدفق الإعلامى الدولى للدول النامية، طالبت هذه الدول عبر المحافل الدولية بإقامة نظام عالمى جديد للتبادل الإعلامى الدولى، ويعد النظام الإعلامى امتدادا للنظام الدولى.
ولم يعرف اصطلاح (النظام الإعلامى الدولى) حتى نهاية الحرب العالمية الباردة، ولكن الاصطلاح بدأ يتردد فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات عندما شاع استعمال مصطلحات مشابهة فى مجالات السياسة والاقتصاد وغيرهما، ثم سرعان ما أخذ الاصطلاح يشق طريقه إلى الكتابات الإعلامية والأكاديمية عقب المحاولة التى تبنتها منظمة اليونسكو فى منتصف السبعينيات لمناقشة مشكلة الإعلام والاتصال الدولى.
الكارتل يتحكم فى التدفق الإخبارى الدولى:
ظهرت وكالات الأنباء الدولية قبيل منتصف القرن التاسع عشر، وكان أولها ظهورا وكالة هافاس الفرنسية عام 1835، ثم ظهرت وكالة وولف الألمانية عام 1849، ووكالة رويترز البريطانية عام 1851، ويعود تاريخ وكالة الاسوشيتد برس الأمريكية إلى عام 1851. وقد ظهرت وكالات الأنباء الأوروبية كوكالات دولية منذ نشأتها لخدمة المصالح الإمبريالية لدولها. أما الوكالة الامريكية فلم تتحول إلى وكالة دولية إلا مع نهاية القرن التاسع عشر.
إن الكارتل الاحتكارى الذى أنشأته الوكالات الأوروبية عام 1870 قد قسم السوق الدولية للأخبار بما يتناسب مع المجال الحيوى للقوى الإمبريالية، حيث اختصت الوكالة الفرنسية بأنباء دول أوروبا المطلة على البحر المتوسط، واحتكرت الوكالة الألمانية دول وسط وشمال أوروبا، أما الوكالة البريطانية، فقد احتكرت أنباء المناطق الواقعة فى إطار الخطوط الجغرافية للإمبراطورية البريطانية.
تعيد هذه الأحداث إلى الأذهان الأوضاع التى كانت سائدة فى الماضى، عندما كانت رويترز تتحكم فى الأنباء المرسلة من وإلى الولايات المتحدة، وهو الحق الذى اكتسبته طبقا لاتفاقية الاحتكار التى عقدتها مع الوكالات الأوروبية الرئيسية. ومن الناحية العملية، فإن الكارتل الأصلى الذى أنشأته رويترز وهافاس وولف وكانت الأسوشيتد برس عضو فيه لمدة طويلة، بالإضافة إلى مناطق التأثير الأمريكية الطبيعية التى عكست تغير توازن القوى نحو الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، كل ذلك أدى إلى استمرار تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ دائمة وقائمة حتى الآن. وقد ساعد ذلك على تجنب ما كان يمكن أن يسبب تنافسا حادا بين الوكالات. ويعد "كنت كوبر" المدير التنفيذى للأسوشيتد برس، وهو الذى قاد الحملة لتحطيم (الكارتل) وكان نابعا من الرغبة فى التوسع تعبيرا عن الأوضاع السياسية والاقتصادية الأمريكية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية. ونفس الرغبة فى التوسع هى التى تفسر تبنى الولايات المتحدة لمبدأ حرية تدفق المعلومات بعد الحرب العالمية الثانية.
البعد التاريخى لمشكلة التدفق الإخبارى الدولى:
إن المبادئ المتصلة بالتدفق الإعلامـى الحـرInformation of Flow Free كانت قد أخذت مكانها على المستوى الدولى خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، عندما برزت الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب مؤثر فى السياسة الدولية، وأضحت قوة فاعلة على مستوى النظام الدولى. فى هذه الأثناء بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس مـع الدول الغربية الأخرى هيمنتها الفكرية، التى انعكـست فـى معظم الوثائق والمعاهدات الدولية التى تم توقيعها فى أثنـاء الحرب وبعدها. وقـد اتسمت هـذه الوثـائق والمعاهـدات بالأيديولوجية الغربية والمبادئ الليبراليـة. وبحـسب لعبـة القوة، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الـدول الغربية، التى خرجت منتصرة من الحـرب، أن تفـرض مبادئها المتعلقة بالنظام الحر لتدفق المعلومات على المستوى الدولى. هذه المبادئ التى تم تكريسها فـى التعـديل الأولAmendment First على الدستور الأمريكى، حيث عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على فرض هذا النظام بما يحمله من قيم ومبادئ ليصبح "قانونا دوليا" يحكم عملية تدفق المعلومات على مستوى العالم. وقد تجسد ذلك بشكل واضح فى العديد من وثائق الأمم المتحدة ومنظماتها الرئيسية ومن بينها منظمة اليونسكو.
فى عام 1945، صدر دستور اليونسكو الذى أكد فى فقرته الثانية ضرورة تشجيع تبنى فكرة التدفق الحـر للمعلومات بين الدول من خلال الكلمة والصورة. وفى سـنة 1946، أصدرت الأمم المتحدة إعلانها بشأن حريـة تـدفق المعلوماتDeclaration on Freedom of Information الذى دعا دول العالم بـشكل واضـح إلـى تطبيق سياسات إعلامية تدعم سريان المعلومات الحر بـين الدول، وأكد حقوق الأفراد فى البحث ونقل المعلومـات دون قيود أو ضوابط.
فى عام 1948، قادت الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى السابق وجهة النظر المقابلة، ففـى أثنـاء انعقاد مؤتمر جنيف بشأن حرية تدفق المعلومات أكدت هذه الدول أن الحرية الحقيقية لعملية تدفق المعلومات لا يمكن أن تصبح حالة واقعية قابلة للتطبيق ما دامت وسائل الاتـصال الغربية تقع فى دائـرة هيمنـة مجموعـة صـغيرة مـن الرأسماليين. غير أن هذه الأصوات لم تمنع تسارع فـرض المبادئ والقيم الغربية على الوثائق والمعاهدات والدسـاتير الدولية. فخلال العام نفسه، استطاعت الدول الغربية تعزيـز هيمنتها فى مجال التدفق الإخبارى الدولى باستصدار وثيقـة دولية جديدة ومهمة هى الإعلان العالمى لحقـوق الإنسان الذى أكدالمبادئ الغربية، ومن بينهـا حـق الأفـراد فـى البحـث والحصول على المعلومات بواسطة أى وسـيلة اتـصالية وبصرف النظر عن الحدود الدولية.
خلال التسعينيات من القرن الماضـى وبعـد انهيـار الاتحاد السوفيتى والمنظومة الاشـتراكية، والـوهن الـذى أصاب حركة عدم الانحياز، تراجعت الدعوة إلى قيام نظـام إعلامى عالمى جديد، وأخذت السيطرة الغربية تفرض نفسها نتيجة لتحول العالم إلى نظام أحادى القطبية. غيـر أن هـذا العقد قد شهد تطورات عديدة من بينها محاولات العديد مـن دول العالم البحث عن بدائل إعلامية خارج دائرة الـسيطرة الحكومية، بسبب تزايد الضغوط الغربية.
تطور النظام الاتصالى والإعلامى فى مرحلة الحرب الباردة 1945-1989:
تعد فترة الحرب الباردة مرحلة جوهرية فى تطور النظام الاتصالى الإعلامى الدولى؛ لأنها شهدت اندماج مكونات النظم الأساسية التكنولوجية والقانونية لخدمة أهدفها الاستراتيجية فى الصراع. فقد ساعدت تكنولوجيات الاتصال، التى كانت فى حد ذاتها أحد مجالات التنافس والصراع بين الدول الكبرى، على تدويل الاقتصاد وظهور الاقتصاد العالمى، وإلى تحول النظم الرأسمالية من مرحلة المجتمعات الصناعية إلى مرحلة ما بعد التصنيع وظهور مجتمعات المعلومات والخدمات، وأدى الاندماج التكنولوجى/الاقتصادى، والاندماج التكنولوجى/العسكرى، والتكنولوجى السياسى فى مجالات الاتصالات المختلفة إلى إصرار الدول المتقدمة على عدم المساس بأوضاع النظام الاتصالى والإعلامى الدولى فى جوانبه السياسية والقانونية، والثقافية، وعدم فكرة التعديل والإصلاح لجعله نظاما دوليا أكثر عدالة وتوازنا لمصلحة دول الشمال والجنوب، وهو ما حول أوضاع هذا النظام إلى إحدى قضايا الصراع الأساسية فى النظام الدولى فى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ويمكن القول إن وضعية النظام الاتصالى الدولى فى نهاية القرن العشرين، بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1990، كانت مرحلة الانطلاق لتفاعلات مرحلة الحرب الباردة.
التدفق الإعلامى وسيادة الدول:
خلق تمركز وسائل الإعلام والاتصال فى البلدان المتطورة تفاوتا واختلالا فى تدفق المعلومات من الشمال إلى الجنوب، وحتى بين دول الشمال نفسها، خاصة مع بروز المجموعات الكبرى فى مجال الإعلام، التى تحتكر صناعة المعلومات وتدفقها فى العالم، كما أن التقدم التكنولوجى والعلمى فى مجال تقنيات الإتصال، جعل من شعوب العالم أكثر ارتباطا وقربا وأصبح لعنصر الاتصال دور مميز فى مجال العلاقات الدولية، فضلا عن مجال تشكيل وتوظيف السياسة الخارجية للدول. ويمثل عدم التوازن فى الاتصال والتبادل الإعلامى الدولى بين دول العالم أحد الأبعاد المهمة فى السياسة الدولية، وهذا ما أسفر عن ظهور ما يطلق عليه تدفق الإعلام فى اتجاه واحد، أى من الدول المتقدمة التى تملك القوة الاقتصادية والتكنولوجية إلى الدول الأقل تقدما.
توازن نظام القوى:
شهد النظام الدولى مفهوم توازن القوى كمفهوم تقليدى يعتمد أساسا على وجود وحدات متعددة تتوازن فيما بينها وفق آليات وقواعد تنظر إلى الوحدات الدولية جميعها ليتم تحقيق ذلك التوازن، ويشكل توازن نظام القوى حالة التوازن بين الدول، ويشير إلى الاستقرار أو عدم الاستقرار فى النظام الدولى.
وبظهور متغيرات جديدة تربط قضية أمن الفضاء، وتصاعد وتيرة الصراع الدولى، لا سيما فى ظل تحول الفضاء كساحة للبحث عن المكانة والقوة والنفوذ، إلى جانب حالة التعدد فى الفاعلين من غير الدول من جراء الثورة التكنولوجية، فقد أحدثت شبكة الإنترنت تحولا جوهريا فى معنى القوة.
زادت مخاطر الهيمنة والاختلال وعدم التوازن فى ضوء ثورة المعلومات، على ما كانت فى الماضى، وتصاعدت أوجه الانسياب الرأسى، والأحادى الجانب، وغير المتوازن للمعلومات من أعلى إلى أسفل، ومن المراكز إلى الأطراف، ومن الحكومات إلى الأطراف، ومن الدول الغنية تكنولوجيا فى الشمال إلى الدول الأفقر فى الجنوب، كما تفاقمت الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب، وذلك من خلال سيطرة قوى محددة ومعدودة على قنوات الاتصال الأساسية، ما يساعد على الترويج لأيديولوجيات الدول الغربية الغنية المتقدمة، ويشكل هيمنة طاغية ومحتكرة، تتناقض مع المفاهيم الأصلية للحق فى الاتصال.
ومن بين التحولات الإيجابية التى شهدها هذا العقد ظهور وسائل اتصال جديدة، لا تعمل فى إطار السيطرة الدولية، أثبتت فيما بعد أن إصرار الـدول النامية على فكرة السيطرة على وسائل الإعـلام كوسـيلة لمواجهة عدم التوازن فى النظام الحر للإعلام، لا يمثـل مدخلا مقنعا بدرجة كبيرة، حتى إن كانـت تستند فـى مطالبتها إلى تغيير النظام الإعلامى الحر إلى مبررات يمكن تفهمها، كما أثبتت أن قيام نظام إعلامى متعدد هو الطريـق الأنسب لمواجهة الهيمنة الغربية فى مجال تدفق الأخبار،ومع دخول العالم عصر التحولات التقنيـة والاتصالية والمعلوماتية بشكل سريع.
تنعكس محاولة إعادة تشكيل النظام الدولى للمعلومات فى السياسات الجديدة التى تبنتها مختلف الدول، التى تهدف إلى وضع أسس جديدة لما اصطلح على تسميته بالتدفق الدولى الحر للأنباء، والعامل الأساسى المؤثر فى هذه السياسات يتصل بتطوير وسائل الاتصال. وهناك بالطبع عوامل أخرى للنزاع الحالى حول نظام الاتصال العالمى منها بشكل خاص الطبيعة الخاصة بتكنولوجيا الاتصالات الحديثة التى تعطى تفوقا ظاهرا للدول الأكثر نموا.
أوجه الاختلال فى تدفق المعلومات على المستوى الدولى:
يظهر الاختلال فى تدفقات الاتصال بشكل واضح فى كل عمليات تبادل المعلومات على المستويات المختلفة الدولية والإقليمة والوطنية. ويأخذ تدفق المعلومات على النطاق الدولى اتجاها رأسيا أساسيا من الشمال إلى الجنوب، من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، كما يسير التدفق أيضا على محور غرب شرق بين أمريكا الشمالية وأوروبا فى اتجاه دول وسط وشرق أوروبا. ولا يعد الاتجاه الأول من الشمال إلى الجنوب تبادلا دوليا لما يتسم به من كم صارخ نتيجة للتفاوت الصادر عن الدول المتقدمة فى اتجاه الدول النامية، وكم التدفق العكسى.
وتبرز خطورة الاختلال الكيفى فى أنه يمتد إلى كل مجالات جمع ونشر المعلومات فى شتى مجالات المعرفة، فثمة اختلال خطير يتعلق بالمعلومات الاستراتيجية اللازمة لاتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. ولا شك فى أن استمرار هذه الاختلالات يضر بالتفاهم والتعاون الدوليين.
إعادة هيكلة النظام الاتصالى:
عندما انتهت الحرب العالمية، سعت الدول إلى إعادة بناء شبكاتها الاتصالية التى دمرتها الحرب، وشملت عملية إعادة البناء ربط الشبكات الوطنية بالشبكات الدولية، التى شرع فى تطويرها فى ضوء التقنيات الحديثة التى ولدتها الحرب العالمية الثانية. وكان ذلك دليلا على بداية اندماج النظام الاتصالى الدولى تكنولوجيا. وقد شهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ظهور اتجاهين، أولهمها: يسعى إلى تفكيك النظام الاتصالى القائم لإعادة بنائه على أسس جديدة من العدل والمساوة بين الدول، أما الاتجاه الثانى، فقد تمثل فى اتجاه النظام الدولى إلى إنشاء منظمات وهيئات اتصالية وإعلامية دولية تحت مظلة الأمم المتحدة لترشيد النظام الاتصالى والإعلامى الدولى.
بعـد التقـدم المذهل لتقنية الاتصال والمعلومات خلال العقدين الماضيين، ظهرت تغييرات جذرية واسعة فى أساليب الحياة المعاصـرة، وتشكلت طبيعة اتصالية جديدة، الأمر الـذى فرض بيئة جديدة على كل الأصـعدة، ومـن بينهـا الواقـع الإعلامى على الصعيد الدولى. هذا الواقع الإعلامـى الجديـد عزز فرص الخروج من مأزق الهيمنة على عمليـة سـريان الأخبار والمعلومات بعد بروز مبادرات إعلامية جديدة علـى المستوى الدولى، حيث دخل هذا المجال لاعبون جدد من كل مناطق العالم. غير أن هذا التحول لا يعكس بالـضرورة تراجعا حاسما للهيمنة الغربية، وخاصة الأمريكية، التى تتعزز يوميا ببروز الاحتكارات الضخمة فى مجال الاتـصال، التـى تهيمن عليها الشركات المتعددة الجنسيات وقـوى رأس المـال الدولية. من هنا تبرز الحاجة لدراسة مآلات التدفق الإخبـارى الدولى فى تطور تقنية الاتصال وبـروز خريطة إعلامية جديدة.
مكانة الدولة فى سلم القوة:
لدى كل الدول إدراك لمكانتها فى سلم القوة بالنسبة لغيرها من الدول، ويتجه هذا الإدراك جزئيا لأشكال تدفق المعلومات وحجمه واتجاهاته، فالمعلومات الواردة من دولة قوية أو من دولة عدوانية قد تكون معلومات مهمة وحيوية إلى حد كبير بالنسبة لجيرانها من الدول الصغرى التى تضطر لتقرير ما إذا كان يتعين عليها الاستعداد لعدوان محتمل، أو تسعى للدخول فى تحالف مع جارتها الأكثر قوة. بيد أن ما تفعله الدول الصغرى يحتمل أن يكون أقل أهمية لدى الدول الأقوى. وعلى هذا يرى "هستر" أن كم المعلومات الذى يتدفق من الدول الأقوى إلى الدول التى تليها فى سلم القوة يفوق كم المعلومات المتدفق فى الاتجاه العكسى. وبالطبع فإن العوامل ذاتها التى تجعل من القوة عاملا محددا فى هذا الصدد والأكثر تعقيدا تنتج معلومات أكثر من غيره. وتشمل المكونات التى تحدد مكانة الدولة فى سلم القوة: حجمها الجغرافى، وعدد سكانها، ودرجة نموها الاقتصادى، وعمرها كدولة ذات سيادة.
التطور التكنولوجى وإعادة تشكيل النظام العالمى:
تناولت الدراسة الصادرة عن وحدة الأبحاث الخاصة بالبرلمان الأوروبى عن تأثير التكنولوجيا الحديثة Disruption by technology Impacts on politicsالتغيرات التى طرأت على سياسات الدول الداخلية، والسياسات الخارجية والتفاعلات بين الدول على الصعيدين الإقليمى والدولى، على إثر دخول المتغير التكنولوجى كأحد العوامل الرئيسية فى قياس القوى الشاملة للدول. وخلصت الدراسة إلى أهمية تطوير استجابة النظام الدولى للتغيرات الناجم عن تأثير التطورات التكنولوجية الحديثة على البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتى أدت إلى تغير ميزان القوة فى الساحة الدولية، وإيجاد ساحة جديدة من الصراع والتنافس بين مختلف الفاعلين على الساحة الدولية، لا سيما بين الدول الكبرى التى تمتلك القدرات التكنولوجية والاقتصادية التى تمكنها من أداء دور محورى فى الفضاء السيبرانى، ما يتطلب من المنظمات الإقليمية والدولية نهجا أكثر مرونة فى وضع السياسات والقوانين التى تتواءم مع الطبيعة المتغية للبيئة الرقمية الحديثة.
وقدم التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى بعنوان "تشكيل عالم متعدد المفاهيم" (Shaping a Multi Conceptual World) تحليلا عن تأثير التكنولوجيا الحديثة فى إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية والسياسية فى العالم، والأوليات المستقبلية للدول فيما يتعلق بعوامل التنافسية على المستويين الإقليمى والدولى.
ختاما، إن التطورات المطردة فى التطبيقات التكنولوجية الحديثة أسهمت بصورة كبيرة فى معادلة ميزان القوة على الصعيد الدولى، لما لها من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تؤثر فى تشكيل سياسات وتوجهات الدول حيال مختلف القضايا الدولية. والثابت أن التقنيات الرقمية فى الفضاء السيبرانى ستحدث تحولات جذرية فى النظام الاتصالى الدولى، حيث أسفر التنافس التكنولوجى ين القوى الدولية الكبرى على امتلاك وتطوير البيئة الرقمية الملائمة لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الحوسبة الفائقة السرعة ( Quantum computing) والذكاء الاصطناعى Artificial Intelligence) وغيرهما من التقنيات الرقمية المرتبطة بمعايير قياس القدرات الشاملة للدول.
أحدثت الثورة التكنولوجية تغيرا كبيرا فى ميزان القوى، وأصبحت الاختلالات واضحة، من خلال ما أوجده العالم الافتراضى من ترابط وتشابك، وتنوع الفواعل الرسميين ودخولهم المسرح الدولى، ومدى إمكانية وتوظيف الإمكانات التكنولوجية بشكل أكبر، لتفعيل عملية التدفق الإخبارى والمعلوماتى، وتعزيز دور العالم الثالث نحو آليات التحرر من التدفق غير المتوازن للأخبار والمعلومات، ومساعدته على تغيير طبيعة واتجاه هذا التدفق، ما يعزز من التنافس على تحقيق قدر عال من التوازن.
قائمة المراجع:
أحمد الكريدى، تحول مفهوم القوة فى عصر المعلوماتية، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2022.
أسامة منير، تأثير التطور التكنولوجى على توازن القوى على الساحة الدولية، المجلة المصرية للدراسات الاستراتيجية، العدد الأول، أكتوبر 2022.
حسن عماد مكاوى، أبعاد العولمة وإعادة هيكلة وسائل الإعلام، مجلة البحوث والدراسات العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، ديسمبر 1999.
راسم الجمال، الحق فى الاتصال، نحو مفهوم جديد لحرية التعبير والديمقراطية، المنظمة العربية للتربية والعلوم، تونس 1994.
راسم محمد الجمال، العلاقات العامة الدولية والاتصال بين الثقافات، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الرابعة 2014.
سعيد محمد السيد، نماذج التدفق الدولى للأنباء، مجلة السياسة الدولية، العدد :94 أكتوبر 1988.
سهام الشجيرى، وكالات الأنباء والتحكم الإخبارى، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن، 2014.
السيد بخيت، الإنترنت كوسيلة اتصال جديدة، الجوانب الإعلامية والصحفية دار الكتاب الجامعى، الإمارات، 2010.
الصادق رابح، وسائل الإعلام والعولمة، مجلة المستقبل العربى، العدد 243 ص ص 23-37.
عواطف عبد الرحمن، الحق فى الاتصال وحماية الصحفيين، مؤسسة البيان للطباعة والنشر، دبى 1997.
على فرجانى، القوة الإعلامية والمعلوماتية فى النظام العالمى الجديد، موقع السياسة الدولية على شبكة الإنترنت.
ليلى حسين محمد، عولمة مصادر المعلومات وانعكاسها على تدفق الأخبار الأجنبية، مجلة البحوث والدراسات العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، ديسمبر 1999.
ماجى الحلوانى، حسن عماد مكاوى، تبادل الأخبار.. دراسة على الإذاعة المصرية، دار الفكر العربى 1986.
محمد نجيب الصرايرة، مشكلة التدفق الإخبارى الدولى: الأبعاد التاريخية والفكرية وتحولات عصر التقنية، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، المجلد 1 ، العدد 1، 2008
مصطف المصمودى، النشاط السياسى والوسائل الإلكترونية، صحيفة البيان، دبى 1997.
مصطفى سحارى، السيادة الوطنية فى ظل التدفق الإعلامى الدولى، دار غيداء للنشر والتوزيع الأردن، 2016 .
كارتل، شبكة النبأ المعلوماتية، متوفر على:https://annabaa.org/nbanews/69/065.htm