اختلف الباحثون حول تعريف السياسة الضريبية، ويمكن تناولها بوصفها الإطار الذى يتم من خلاله استخدام التنظيم والإجراءات والآليات الضريبية، من أجل تحقيق أهداف اقتصادية، ومالية، واجتماعية، وسياسية.وبالنظر إلى الحالة المصرية نجد أن السياسة الضريبية خلال السنوات الأخيرة تتركز على استهداف تحقيق أكبر قدر من الإيرادات، وتحفيز النشاط الاقتصادى، وتشجيع الاستثمار، مع مراعاة الجانب الاجتماعى وتخفيف العبء عن الفئات الأولى بالرعاية.
وإذا كانت العدالة الاجتماعية تتركز فى الأساس على إزالة الفوارق الاجتماعية بين الطبقات، وتخفيف الأعباء عن البسطاء، فإننا نجد الحديث عنها فى الغالب ينصب فى مطالبات مستمرة برفع حد الإعفاء الضريبى، وتقرير ضرائب تصاعدية. والواقع أن العدالة الاجتماعية فى مجال الضرائب تتجاوز ذلك، فمثلا نجد أنه ليس من قبيل العدالة الاجتماعية أن تتم المحاسبة الضريبيةلأنشطة الاقتصاد الرسمى، وترك أنشطة الاقتصاد غير الرسمى دون محاسبة. كما أنه ليس من العدالة توالى قوانين إسقاط المتأخرات على الممولين المتقاعسين عن سداد الالتزامات الضريبية دون تقرير مزايا للمول الملتزم.
وإذا كان تحقيق أكبر قدر من الإيرادات هو الهدف الأساسى للسياسة الضريبية بما يدعم جانب الإيرادات بالموازنة العامة لتحقيق مستهدفات التنمية، وتحسين مستوى معيشة المواطن، فإننا نجد أن مستوى الإيرادات الضريبية خلال السنوات الأخيرة يدور حول نسبة 14% من الناتج المحلى الإجمالى، بينما المعدلات العالمية تتراوحبين 18% إلى 22% الأمر الذى يجعل من استهداف زيادة الحصيلة الضريبية كنسبة للناتج المحلى هدفا مشروعا، وهو بالفعل هدف تم إعلانه باستهداف الوصول تدريجيا لنسبة الضرائب إلى 16,5% من الناتج المحلى الإجمالى، والسؤال هنا: هل من المتصور الوصول إلى هدف زيادة الإيرادات الضريبية من خلال زيادة نسب شرائحها؟ بالتأكيد لا يمكن ذلك حتى نحافظ على مناخ استثمار تنافسى جاذب يساعد على النمو والتشغيل، ولكن يمكن بالفعل الوصول إلى مستهدفات الزيادة من خلال ضم أكبر قدر من منشآت الاقتصاد غير الرسمى، ما يحقق العدالة فى تحمل التكاليف بين المكلفين فى المجتمع الضريبى، ومن ثم فإن اعتبارات العدالة فى تحمل التكاليف تتعين أن تكون هى أساس الزيادة دون تحميل الأنشطة القائمة أعباء أخرى ما يجعلها تحافظ على تنافسيتها، وإلا فسيكون مصيرها هو الإغلاق لمصلحة منشآت الاقتصاد غير الرسمى التى تمتلك ميزة نسبية بعدم سدادها للضرائب. ولكن ضم كيانات الاقتصاد غير الرسمى يعوقه الكثير من المعوقات أهمها خشية تلك الكيانات من وقوعها فريسة للروتين الحكومى، وتعقيدات التعامل مع الإدارة الضريبية، وهذه الأمر تم التعامل معه نسبيا من خلال محاولة تبسيط الإجراءات بموجب قانون الإجراءات الضريبية، وقانون المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر اللذين قررا نظاما مبسطا للمعاملة الضريبية ومزايا، مثل الإعفاء المتدرج من الضريبة على الأرباح الرأسمالية، والإعفاء من الضريبة والرسوم المقررة على عقود تأسيس الشركات، إلا أن الأثر الفعلى لكل ذلك على أرض الواقع لايزال محدودا.
وفى تحد آخر نجد صعوبة تحقيق نتائج جيدة فى ملف ضم كيانات الاقتصاد غير الرسمى فى انخفاض عدد الموظفين بمصلحة الضرائب المصرية، وزيادة متوسط السن بينهم، فى ظل تأخر ومحدودية تأثير الميكنة للوصول إلى بيانات كيانات الاقتصاد غير الرسمى، ولايزال عدد العاملين ينخفض مع خروج الكثيرين للمعاش بينما تتزايد الإيرادات المستهدفة سنويا ما يجعل القائمين على العمل يركزون على تحقيق المستهدفات من أقل عدد من الممولين، وهو ما يعصف بفكرة العدالة الضريبية كاملة، وإذا كانت هناك محاولة أخيرة لضخ نحو 2000 من أوائل الخريجين للحقل الضريبى، فإنه من غير المتصور أن هذا العدد المحدود يمكن أن يحل المشكلة فى ظل تأخر عمليات إعادة الهيكلة والميكنة ما يحتم العمل على تحفيز الموظفين الحاليين على ترك العمل بالإدارات الإشرافية والعودة للعمل التنفيذى بالمأموريات لزيادة القوة بها، كما يمكن الاستعانة فى حصر المجتمع الضريبى بالخريجين الذين يقضون مدة الخدمة العامة ما يفتح الباب إلى زيادة العمل على حصر المجتمع الضريبى وفحص عدد أكبر من الملفات حتى توزع الحصيلة المستهدفة على عدد أكبر من الممولين لخلق قدر أكبر من العدالة فى تحمل التكاليف، وتخفيف العبء على الأنشطة الرسميةبصورة تحافظ على تنافسيتها.
وفى مجال تحفيز النشاط الاقتصادى الذى يعد أحد أهداف السياسة الضريبية، فإن إجراءات التحفيز لابد من أن تتسم بالعدالة، وإلا فستتحول لأن تكون بمنزلة جائزة للمتقاعسين وهامش ربح إضافى لهم خصما من الممولين الملتزمين، وقد نص قانون ضمانات وحوافز الاستثمار على الكثير من المحفزات الضريبية العادلة التى يمكن أن يستفيد منها الملتزمون وفقًا لقواعد موضوعية، مثل: الخصم المتدرج للتكاليف الاستثمارية من الوعاء الخاضع للضريبة، والإعفاء من ضريبة الدمغة، ومن رسوم توثيق وشهر عقود تأسيس الشركات، والمنشآت، وعقود التسهيلات الائتمانية، وغيرها من الحوافز العادلة التى يمكن أن تحفز النشاط الاقتصادى بالفعل.لكننا نجد أن هناك إجراءات غير عادلة مثل تكرار صدور قوانين تُسقِطُ نسبا من الضريبة عند إنهاء المنازعات، أو تسقط مقابل التأخير أو نسبة منه عند سداد أصل الضريبة المربوطة نهائيا، ومثل هذه الإجراءات وإن كان يمكنها أن تساعد على تحفيز النشاط الاقتصادى، إلا أنها إجراءات غير عادلة، تعد بمنزلة جوائز للمتقاعسين ودعوة للممول الملتزم لتأجيل السداد واختلاق منازعات ضريبة مستمرة، ثم ينتظر قانونا من قوانين التصالح المتعاقبة التى تقرر له المزايا. وهنا، وفى مجال العدالة لابد من منح مزايا معينة للممول الملتزم، حال تقديم مزايا للممول المتقاعس من باب المساواة فى مجال تحمل التكاليف، والحفاظ على التنافسية.
وبشأن المراعاة المباشرة للجانب الاجتماعى وتخفيف العبء عن الفئات الأولى بالرعاية، فهناك إجراءات تمت لمراعاة الجانب الاجتماعى ولتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية من خلال شرائح ضريبية متدرجة، مع زيادة حد الإعفاء الضريبى، ولكن ما يتعارض فعلا مع اعتبارات العدالة هو استحداث شريحة جديدة بسعر 25% تطبق على دخول الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) بينما استقر الحد الأقصى لسعر الضريبة على الأشخاص الاعتباريين عند مستوى 22,5%، الأمر الذى يتعارض مع اعتبارات العدالة، ويعطى رسالة سلبية للمستثمرين، فضلا عن أن تلك السياسة تدفع نحو تغيير الكيان القانونى لبعض ممولى الأشخاص الطبيعيين إلى شركات ما يخلق اضطراب فى المعاملات.
وفى جانب آخر، نجد أن هناك تفاوتا كبيرا بين تحمل أصحاب المرتبات لضرائب حقيقية مخصومة من المنبع، بينما مازالت حصيلة الضرائب على المهن الحرة رغم زيادتها أقل كثيرا من حجم النشاط الحقيقى للمهن الحرة فى مصر، وعليه فإننا فى حاجة إلى تعامل أسرع وأكثر إحكاما مع ملف محاسبة المهن الحرة بما يحقق حصيلة مناسبة تكون عوضًا يسمح بتقديم مزايا وإعفاءات أكثر لأصحاب الرواتب.
وأخيرا، وإذا كانت السياسة الضريبية هى إحدى أدوات السياسة المالية، التى يمكن من خلالها تحقيق أهداف أهمها الوصول إلى أكبر قدر من الإيرادات، وتحفيز النشاط الاقتصادى، وتحقيق العدالة الاجتماعية بتخفيف العبء عن الفئات الأولى بالرعاية، فإن الملاحظ أن السياسة الضريبية المصرية وبعد أن قطعت شوطًافى مجال تحقيق العدالة الضريبية نجد أنها بحاجة لأن تنظر إلى ذلك الملفمن خلال إطار واسع يراعى جميع الاعتبارات، التى منها مراجعة ما تقرر بشأنالمعاملة الضريبية المبسطة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للوصول إلى معاملة ضريبة مقنعة ومناسبة لتلك المشروعات، وكذا مراجعة الإجراءات التى لم تحقق الغاية من إقرارها فى مجال زيادة حجم المجتمع الضريبى، فضلا عن الوصول إلى صيغة تحفيز مالى مستقرة وواقعية للعاملين بصورة تضاعف حجم العمل، وفتح الباب أمام الشباب المكلفين فى الخدمة العامة لقضاء خدمتهم فى مصلحة الضرائب من أجل حصر المجتمع الضريبى، ما يعزز من القدرة على زيادة حجم الإنجاز ويوزع العبء الضريبى على عدد أكبر من الممولين ليكون أخف وطأة، وأكثر عدالة. وأخيرا، فإنه من العدالة الضريبية أن يتم ربط تقديم أى مزايا كإسقاط أو التنازل عن ضرائب أو مقابل تأخير للممولين، بمنح مزايا للممول الملتزم تقريرًا للعدالة والتنافسية، وتوحيد أسعار الضريبة دون تفرقة بين ممولى الأشخاص الطبيعيين، والاعتباريين.