بعد عامين من الآن، سوف تُجرى الهند الانتخابات الأكثر أهمية فى تاريخها: الفرصة الأخيرة لوقف احتمال تحويل رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى لأكبر ديمقراطية فى العالم إلى دولة هندوسية غير ليبرالية تؤمن بتفوق السلطة، لكن التصويت الذى قد يحدد نتيجة تلك الانتخابات تم فى 17 أكتوبر 2022، حيث انتخب حزب المؤتمر الهندى أول زعيم له من خارج أسرة نهرو- غاندى منذ أكثر من عقدين، وقد صوت نحو 9000 مندوب فى الانتخابات لاختيار ماليكارجون خارجى، 80 عاما، رئيسا للحزب. وقالت هيئة الانتخابات بالحزب: إنه هزم الدبلوماسى الذى أصبح سياسيا "شاشى ثارور"،ويسعى حزب المؤتمر لتعويض خسائره بعد تكبد أسوأ هزيمة فى الانتخابات التى أجريت 2014، التى أوصلت مودى إلى السلطة.
ويعد حزب المؤتمر البديل العلمانى لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسى، الأول بزعامة مودى، وهو الحزب الوحيد الذى يمكنه أن يضاهى الاعتراف الوطنى للحزب الحاكم وامتداده التنظيمى، وإذا كانت هناك قوة قادرة على حرمان مودى من أغلبية صريحة أخرى فى البرلمان الهندي، إن لم يكن إلحاق الهزيمة به بشكل مباشر، فهى الكونجرس. ومن المؤسف أن الحزب القديم الكبير فى الهند أصبح منهكا بسبب عجز ديمقراطى خاص به.
حزب المؤتمر - الحزب الذى تفاوض ذات مرة على تحرر الهند من الحكم البريطانى، وألهم جيلا من القادة المناهضين للاستعمار من آسيا إلى إفريقيا، واحتضن المؤسسات الديمقراطية فى الهند - عمل بشكل فعال كديكتاتورية وراثية تقودها عائلة غاندى لأكثر من خمسة عقود،بدأ تدهورها فى 1960، عندما قامت رئيسة الوزراء آنذاك أنديرا غاندى بتطهير منافسيها وبناء عبادة شخصية حول نفسها، ما أدى إلى اختزال حزب المؤتمر فى إقطاعية عائلتها. منذ ذلك الحين، باستثناء فترة وجيزة من الفترة الفاصلة فى 1990 الناجمة عن وفاة فى الأسرة، لم يعرف المؤتمر الوطنى الهندى زعيما واحدا خارج أسرة غاندى.
وحتى الآن، عندما يتعين على الحزب أن يركز طاقاته على اختيار أفضل مرشح لقيادة المعركة ضد مودى فى عام 2024، فقد طغى على سباق قيادته ما يسمى بمسيرة الوحدة التى استمرت 150 يوما بقيادة السياسى راهول غاندى. وتعد المسيرة، التى نظمت كحدث تاريخى، فى الغالب وسيلة لإصلاح السمعة الممزقة لراهول، سليل عائلة الجيل الخامس الذى قاد حملات الكونجرس فى الانتخابات البرلمانية فى عام 2014 وكرئيس للحزب حتى عام 2019.وكلاهما كان انتصارا مدويا لحزب بهاراتيا جاناتا؛ حتى إن راهول خسر حتى جيب العائلة فى معقلها فى ولاية أوتار براديش فى عام 2019، وشق طريقه إلى البرلمان من جنوب الهند على حساب اليسار.
بعد أن تسبب فى كارثة انتخابية لحزبه فى عام 2019، لم يفعل راهول شيئا لتخليص نفسه، بين عامى 2015 و2019، مع تكثيف مودى للتحول الاجتماعى فى الهند - تخريب المؤسسات المستقلة، تعزيز عبادة الشخصية، تعميم التفوق الهندوسى العنيف - قام راهول بـ 247 رحلة خارجية، بمعدل نحو خمس رحلات شهريا، لقد كان يفتقد فى كل مناسبة تقريبا تصرفات مودى التى خلقت فرصة للمعارضة لدفع رد قوى. وبصفته عضوا فى مجلس النواب، نادرا ما يحضر البرلمان، ويطرح القليل من الأسئلة (لم يطرح أى شىء خلال فترة ولاية مودى الأولى)، ويغيب بشكل روتينى عن اجتماعات اللجان البرلمانية.
على الرغم من استقالته من رئاسة الحزب فى عام 2019، فلا يزال راهول زعيمه الفعلى، فى حين أن والدته، سونيا غاندى، تمارس السلطة كرئيسة مؤقتة،وكانت الترقية المهمة الوحيدة داخل قيادة الحزب منذ عام 2019 هى شقيقته، بريانكا غاندى فادرا التى لم تكن لديها خبرة سياسية سابقة. وقد سمح هذا الوضع لمودى، وهو سياسى عصامى نشأ على يد أبوين من الطبقة الدنيا، بأن يقدم نفسه بوصفه العدو العادل لثقافة الاستحقاق التى جسدها غاندى، وقد صور مودى الكونجرس على أنه محسوبية لا يمكن إصلاحها، وسعى إلى تشويه سمعة القومية العلمانية التى يدعى الحزب تبنيها.
لم يستفز أىٌّ من هذا الكونجرس للتخلص من سلالة العائلة، وإذا كان هناك أى شىء، فإن انتقاد غاندى داخل الحزب يعاقب بطرق تافهة، وفى عام 2020، عندما حثت مجموعة من كبار القادة على الإصلاح الداخلى، تم تشويه سمعة أعضائها، وطلب إليهم مغادرة الحزب، واستبعادهم من مناصبهم، ثم مررت أعلى هيئة إدارية فى الحزب، اختارها غاندى بعناية، اقتراحا لتعزيز قبضة الأسرة والتغلب على جميع التحديات التى تواجه حكمها. وفى انتخابات الولايات بعد أشهر، فقد الكونجرس السيطرة على ولاية واحدة لصالح حزب بهاراتيا جاناتا وهزم فى ولايات أخرى.
بعد أن كان لا يقهر فى جميع أنحاء الهند، يحكم الكونجرس الآن ولايتين فقط من ولايات الهند الـ 28، وقد غادر العديد من قادة الحزب الشباب ذوى الخبرة والواعدين فى حالة من الإحباط بسبب الافتقار إلى التوجيه فى ظل حكم غاندى. وتحدد العائلة المناصب الحزبية، وهو ترتيب ضمن سيطرتها، لكن مشكلات الحزب أجبرت غاندى على الموافقة على التصويت التنافسى الشهر الفائت، وقرر راهول الابتعاد عن السباق. ولقراره ثلاث غايات مقصودة: التستر على وصمة السلالات الحاكمة؛ التستر على السلالة الحاكمة؛ التستر على السلالة الحاكمة. جعل راهول يبدو مضحيا بنفسه، وطنيا غير مهتم بالمنصب؛ وتكريسه داخل الحزب بوصفه السلطة العليا التى لا تحتاج إلى لقب رسمى لممارسة السلطة.
ولتجنب تحد غير متوقع لسلطتهم، رشحت عائلة غاندى بديلا لخوض انتخابات قيادة الحزب، وموقفهم هو ماليكارجون خارجى، وهو شخصية بارزة من جنوب الهند تغلبت على التحيزات الوحشية الموجهة إليه لكونه من الداليت – وهو عضو فى مجتمع تعده الكتب المقدسة نجسا لدرجة أنهم يقعون خارج النظام الطبقى الهندوسى الهرمى – لرفع نفسه. وما يثير القلق، أن خارجى هو أيضا شخص مطيع يبلغ من العمر 80 عاما، يساعد عائلة غاندى، الذى خسر مقعده البرلمانى فى الانتخابات الأخيرة.
أما منافسه الوحيد فهو شاشى ثارور، وهو عضو فى طبقة دنيا مهيمنة - بالمعنى الدقيق للكلمة - من جنوب الهند،وربما يكون الشخصية الوحيدة التى تتمتع بالبراعة الخطابية والكاريزما والشخصية الوطنية التى تنافس مودى.
وبصفته دبلوماسيا سابقا رفيع المستوى فى الأمم المتحدة، أشرف ثارور على بيروقراطية معقدة، وأشرف على جهود إنقاذ اللاجئين الذين فروا من فيتنام بالسفن والقوارب فى نهاية حرب فيتنام، وساعد على التفاوض على إنهاء الأعمال العدائية فى يوغوسلافيا السابقة، وأنهى السباق خلف بان كى مون فى السباق على منصب الأمين العام للأمم المتحدة فى عام 2006، وفاز ثارور، وهو منتقد قابض للقومية الهندوسية، بثلاث فترات متتالية فى البرلمان على الرغم من ترشحه فى معقل الشيوعيين فى كيرالا. كان ثارور المرشح الأوفر حظا لقيادة أى حزب وسطى تقريبا فى العالم، ومع ذلك يواجه فى حزب المؤتمر إساءة المعاملة لأنه يهدد بإلقاء ظلاله على راهول.
الحزب الذى يعجب بخارجى لانقياده، يصور ثارور على أنه منشق؛ لمعارضته قيادة غاندى ودعوته إلى إصلاحات لإضفاء الطابع الديمقراطى على الحزب، وقد يكون ثارور مجرد قطيعة مدمرة من الماضى يحتاج إليها الكونجرس، لكن يبدو أن الحزب مصمم على إحباطه. واعترف خارجى بأنه نصح ثارور بالانسحاب بدلا من إهدار وقته فى الانتخابات، وعلى الرغم من أن ثارور قد اجتاز البلاد على متن شركات طيران اقتصادية، فإن خارجى سافر حول الهند على متن طائرة خاصة.
ونشر ثارور مخططا تفصيليا لتنشيط الكونجرس، لكنه يواجه احتمالات شبه مستحيلة ضد خارجى، مرشح الوضع الراهن. لقد غض قادة الحزب الطرف عن المسئولين الذين نشروا سلطتهم لحشد الدعم لخارجى – فى انتهاك صارخ لقانون الانتخابات؛ حتى إن ثارور حرم من قائمة كاملة بالناخبين المؤهلين البالغ عددهم 9000 ناخب وتفاصيل الاتصال بهم. والآن ينظر إلى "الهند الجديدة" التى يتزعمها مودى على نطاق واسع بوصفها موقع زوال الديمقراطية، ولكنها أيضا من المفارقات أنها تشكل بيئة الاستصلاح المدنى للديمقراطية، من التحريض الهائل على مستوى البلاد ضد تشريع عام 2019 الذى سعى إلى إدخال اختبار دينى للمواطنة (والذى لم يتم تنفيذه بعد) إلى الاحتجاجات المستمرة ضد القوانين الزراعية المثيرة للجدل التى بلغت ذروتها فى إلغائها العام الماضى، تميزت السنوات الثلاث الماضية أيضا بانتفاضات المواطنين ضد سياسات مودى الطائفية.
كان فوز ثارور من شأنه أن يعزز حظوظ الحزب الغارق من خلال الإعلان عن خروجه عن انحداره الأخير، وكان ثارور فى توحيده المعارضة المجزأة التى سئمت من غاندى. وحتى لو لم يتمكن مثل هذا الائتلاف من هزيمة حزب بهاراتيا جاناتا، فقد يحرمه من الأغلبية الكاملة فى البرلمان ويجبره على تشكيل حكومة ائتلافية. مودى غير معتاد على تقاسم السلطة، وأى ترتيب من هذا القبيل يمكن أن يخفف من أسوأ غرائزه، ولكن بما أن مثل هذا المستقبل سيعتمد على حزب المؤتمر الوطنى الهندى حال إصلاحه، وبما أن الإصلاح من شأنه أن يهدد غاندى، فقد كان هناك جهد منسق جارٍ لإحباط محاولة ثارور.
إن ما يميز الهند اليوم هو غياب معارضة فعالة قادرة على تحويل غضب المواطنين العاديين إلى مكاسب انتخابية، وكانت انتخابات قيادة حزب المؤتمر تمثل أول فرصة حقيقية منذ ثمانى سنوات لإنهاء الهجمات على الديمقراطية الهندية، لكن يبدو أن أقدم حزب سياسى فى البلاد مصمم على إحباط هذه الفرصة، وقد يكون تحرير الكونجرس من غاندى أكثر تحديا من مواجهة مودى.
المصادر:
SHYAM SARAN , It is India’s journey that will decide the future of democracy.. not US , Theprint , 26 January 2021.
Kapil komireddi , The Vote That Could Determine India’s Future,The Foreign Police , October 15 2022.
Aakanksha Dasgupta , My vote has the potential to determine the country’s future: first time voter, E times , may 16 2019.