قد اختلف مع ما يتردد على ألسنة البعض على طاولة الحوار الوطني عند التأكيد على البحث عن المشتركات، وأرى على العكس أهمية البحث عن الأمور المختلف عليها اختصارًا للوقت والجهد لإنجاز الحلول غير ( التوافقية التي تطرح من باب الاستسهال ) ولكنها حلول كشفت على السطح مواقع الخلل للتعامل معها من قبل نخب الحوار الوطني الرائعة، وهي فرصة تاريخية للإصلاح بتناول علمي وطني، وعليه لن يتم الطعن في عدم قدرتها على تحقيق الأمل في تقدم الدولة ورفعتها.
لقد اجتمع أهل التشدد عبر العصور، وأدعياء امتلاك الفهم الصحيح لآيات الأديان، ومن ارتدوا أردية التدين القشري، وسماسرة الاتجار بالأديان ليحدثوا ردة تاريخية سلبيىة في حالة الوعي لدى الجماهير .. لقد اكتشف هؤلاء ــ من وجهة نظرهم ــ أن الناس في زمانهم يعانون حالة فقر روحي وجدب معرفي وتراجع قيمي وأخلاقي، وعليه فلكل داء دواء لتمكينهم من الاقتراب من عتبات الجنة ومفاتيح أبوابها .. منذ زمن من طرحوا ماسمي بصكوك الغفران ( بمفهوم دفع الأموال في مقابل غفران الخطايا ) وحتى ما نراه من صور وأشكال أخرى نتابعها في زماننا، كالحصول على الدعوات من أهل البركات أو دفع النذور لتجاوز الكوارث وغيرها من أشكال مختلفة.. هي أشكال تتجدد وسائطها وحيلها لامتلاك العقول والقلوب لبناء ممالكهم التي تقربهم من حكم البلاد والعباد في النهاية.
وعليه، أرى أهمية تناول الحوار الوطني لكل الجوانب المختلف عليها في شأن إصلاح الخطاب الديني بصراحة ووضوح، فهي فرصة تاريخية لمواجهة علمية ووطنية، لابد من التحول من شكل الخطاب الدينى العاطفى والإعجازى والعلاجى، إلى خطاب إنسانى واقعى يستوعب احتياجات الناس وهمومهم الملحة والآنية التى من شأنها أن تسهم فى إعادة الثقة بالخطاب الدينى الصحيح المطلوب، والارتقاء بمضمون وشكل الإعلام الدينى لمعالجة الفقر الروحي برسائل المحبة والسلام وتجاوز كوارث النزال الطائفي المقيت عبر فضائيات التعصب الكريه.
وهنا يذكرنا المفكر الأردنى "على الحافى" بضحايا الخطاب الديني المتطرف، وبما حدث مع المخرج السينمائى العربى مصطفى العقاد الذى أخرج فيلم الرسالة، والذى يُعدُّ من أعظم الأعمال السينمائية التى تعبر عن المضامين الدينية المستنيرة. والمحزن أن نهاية العقاد كانت مع ضحايا تفجيرات عمان الإرهابية عام 2005، والتى أعلن تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين مسؤوليته عنها! وليس من باب المصادفة أن تكون المرجعية الدينية التى يتبعها هؤلاء الغلاة، تحرِّم السينما والفن والرسم والموسيقى والمسرح من أهل الاستنارة، وترى فيها رذيلة وانحرافًا عن الإسلام !
وهو ما تكرر مع أهل التشدد الديني المسيحي رفضًا لعرض أحد الأفلام السينمائية المصرية في بداية الألفية الجديدة لأسباب قالوا إنها تتعلق بتشويه الديانة المسيحية والكنيسة المصرية وكهنتها، دون تعيين واقعى لملامح ذلك التشويه، وأخذتهم حمية الغضب لإغفال الكثير من القيم والمفاهيم الرائعة التى تضمنتها الجمل الحوارية من قبل الطفل بطل الفيلم والأب. وهنا كان ينبغى للإعلام الدينى المستنير أن يساير ويدعم أهل الإبداع حتى لا يُمنع عرض الفيلم.