لا ريب أن مشكلة الطاقة وكيفية الحصول عليها وضمانات عدم زوالها باتت مشكلة تؤرق العالم كله خاصة مع تداعيات أزمتي كورونا وتصاعد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، والقارئ لكتب تاريخ دول العالم فى العصور الماضية يجد أن إمبراطوريات ضخمة زالت من الوجود حين نضب لديها مصدر الطاقة الرئيسي الذي كانت تعتمد عليه لذلك فإن الأمان الوحيد لأي بلد أن تعتمد على مصادر متعددة ومتنوعة للطاقة لضمان استمرارية وجودها على خريطة العالم، ونجد أن مجلس الطاقة العالمى يرفع مبدأ "الاحتفاظ بجميع خيارات الطاقة مفتوحة" ويروج له في العالم كله منذ أكثر من عشرين عامًا، لينبه دول العالم أنها بحاجة حقيقية لجميع أنواع الطاقات، الأمر الذي كان من شأنه أن يرتقي بمصر إلى مستويات وآفاق أرحب في مسيرة التنمية لاستراتيچية الطاقة التى أعلنتها مصر فى أعقاب أزمة الطاقة الكبرى فى الأعوام 2012 – 2014، أما الآن وبعد البدء في تنفيذ ثلاث مشروعات تنموية كبرى للغاز الطبيعي، لرفع زيادة إنتاج الغاز الطبيعى محليا والزيادة من معدلات إنتاج المتكثفات البترولية وتنمية الحقول، فضلا عن تطوير تسهيلات الإنتاج والمعالجة ضمت القائمة 3 مشروعات جار حاليا تنفيذها طبقا للمستهدفات، بهدف الانتهاء منها على مدارالعام المقبل 2023.
ويتضمن المشروع الأول تنمية حقول شمال غرب سيدى غازى بهدف إنتاج حوالى 24 مليون قدم مكعب غاز طبيعى يوميا من خلال ربط 3 آبار على محطة المعالجة الرئيسية، وإنشاء الخطوط اللازمة لنقل الإنتاج، ومن المخطط بدء تشغيله خلال النصف الثانى من العام المقبل.
أما المشروع الثاني فيشمل تنمية حقول غرب البرلس شركة (بتروويب)، بهدف إنتاج نحو 100 مليون قدم مكعب غاز طبيعي يوميا ونحو 1400 برميل من المتكثفات البترولية، ومن المخطط الانتهاء منه خلال الربع الثالث من العام المقبل.
ويستهدف المشروع الثالث تطوير محطة معالجة الحمد، لتكون محطة معالجة متكاملة سعة 3000 برميل يوميا، لتأمين عمليات المعالجة للزيت الخام الذى يتم إنتاجه من حقول المنطقة الشمالية والشركات الشقيقة بالصحراء الشرقية، فضلا عن احتياجات الشركة المستقبلية.
ومما يساعد على إنجاز تلك المشاريع الضخمة أن بمصر إمكانات لا تتوافر لأى دولة أخرى فى منطقتها .. ففيها شبكات مترامية لأنابيب النفط والغاز، ومعامل تكرير البترول وتخزينه بطاقات ضخمة، وتسهيلات لإسالة الغاز الطبيعي، وفيها شبكة كهربية قوية ترتبط بدول المشرق والمغرب والجنوب منها، كما أنها قامت بدور الناقل لبترول الخليج العربي إلى موانئ البحر المتوسط عن طريق خط أنابيب سوميد منذ وقت طويل، وذلك يشكل إمكانات جوهرية تجعل منها – طبيعيًا مركزًا محوريًا لتجارة وتداول الطاقة في شرق المتوسط ومحيطها الإقليمي كله، وقد تعزز ذلك على نحو رئيسى بواقع الكشوف الضخمة الحديثة للغاز الطبيعي والنفط، وبالرجوع إلى التقارير نجد أن مصر احتلت المركز الـ 14 عالمياً والخامس إقليمياً والثاني إفريقياً في إنتاج الغاز عام 2020 بالرغم من تداعيات أزمات كورونا عالميا ومحليا، كان حجم إنتاجنا السنوي يبلغ 58.5 مليار م3، وذلك وفقاً لبريتش بيتروليم، وأشار التقرير إلى أن العجز تراجع مع بدء تشغيل حقل ظهر حيث سجل 4.9 مليار م3 في عام 2017/2018، وبلغ حجم الإنتاج 54.6 مليار م3، والاستهلاك 59.5 مليار م3.فى حين أنمصر حققت رقما قياسيا في صادرات الغاز الطبيعي المسال خلال الربع الثالث من 2021، مما وضعها على رأس ترتيب الدول العربية المصدرة للغاز، وحافظت مصر على مستويات إنتاجها وتصديرها للغاز الطبيعي بالرغم من أزمة كورونا وتداعيتها، ففي عام 2020/2021 وصل حجم الإنتاج لـ 66.2 مليار م3، والاستهلاك 62.9 مليار م3، والفائض 3.3 مليار م3 ،و استطاعت مصر أن تحقق النمو الأكبر عربيا في حجم صادرات الغاز الطبيعي خلال الربع الثالث من عام 2021، بواقع تصدير مليون طن بنسبة زيادة بلغت نحو 900% مقارنة بالربع الثالث من عام 2020.فيما نجحت وزارة البترول المصرية في إعادة تشغيل مصنع إسالة الغاز بدمياط واستئناف تصدير الغاز الطبيعى المسال منه بعد توقف دام 8 سنوات.
وفى الوقت الذى يُعد لحظة تحوّل فاصلة في أوروبا بسبب تداعيات الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، نجد الدول الأوروبية تستعد للبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي مما يفتح المجال لتعزيز إمدادات الغاز من منطقة شرق البحر المتوسط، وعلى رأسها الغاز المسال المصري واستخدام محطات التسييل الحالية في مصر بأقصى قدرات ممكنة ؛ مع موقع مصر العبقري ليس في محيطها الإقليمي بل في العالم أجمع، كذلك تؤدى قناة السويس – خاصة بعد توسعها – دورًا رئيسيًا في ربط الشرق بالغرب كأهم ممر ملاحي عالمي مما يسهل في عملية نقل وتصدير الغاز لدول أوروبا .
تبلور كل ذلك من خلال رؤية مستقبلية طموحة خاصة بعد عودة اتفاقية تجارة وتصدير الغاز الطبيعي عبر محطتي الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، من المؤكد أن تعود هذه الاتفاقية بالعديد من الفوائد الاقتصادية والسياسية على الدولة المصرية فمصر باتت لديها بنية تحتية وحقول ضخمة لإنتاج الغاز الطبيعي، وأبرزها "ظهر" الذي يعد أكبر حقل إنتاج في منطقة شرق البحر المتوسط حيث إمكانية التحول إلى مركز إقليمي حقيقي لتصدير الوقود الأزرق إلى القارة التي تعاني من قفزات متواصلة في أسعار كل منتجات الطاقة.
كما إنه قد يشكل نعمة لمصر والمصريين مما نأمل فى أن تعود أصداء هذه الاتفاقية بحدوث انفراجة اقتصادية للمواطن العادى فهذه النعمة تضع مصر على طريق "النمو والثروة والنفوذ" في الشرق الأوسط حيث يمكننا القول أن القاهرة يمكن أن تعود إلى لعب دورها السياسي في منطقة الشرق الأوسط كما كان عليه الحال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي؛ ولذلك نتوقع أن يحمل المستقبل القريب أهمية اقتصادية كبرى لمصر وتقدمًا اجتماعيًا وحضاريًا لشعبها، تستعيد بهما مكانتها الرائدة .