لم يأت تاريخ مصر وحضارتها بين ليلة وضحاها، بل هو تاريخ يدرس لكل شعوب العالم، حيث قدًّم الإنسان المصرى حضارة عريقة سبقت حضارات كل الشعوب، وكان لمصر دورها الحضاري والتاريخي فهى دائمًا الملاذ الآمن الذي احتضن الأنبياء، والأرض التي سارت خطواتهم عليها، وشاء الله أن تكون مصر بالذات الملجأ الحصين وواحة السلام والأمان على الدوام؛ لذلك ليس مستغربا مواقف مصر الإنسانية مع شعوب العالم حولها خاصة تلك التى تعانى جراء الأوبئة أو الحروب هناك نزعة إنسانية قوية فى السياسة الخارجية المصرية، وذلك فى ظل تحديات التنمية غير المسبوقة والكوارث الطبيعية والأزمات التى يمر بها العالم، لكنها تمسكت بمبادئ وقيم الإنسانية والتضامن بين الشعوب، وعلى الصعيد الشعبى فإن جزءا كبيرا من القوة الناعمة للدولة المصرية هو التضامن مع الشعوب. خلال أوقات الأزمات والمحن، مما يساعد فى توطيد العلاقات التاريخية وأواصر الصداقة بين الشعوب، بالإضافة إلى تعزيز موضع الجاليات المصرية بالخارج.
فى هذا الإطار، قدمت مصر نموذجا عمليا إنسانيا بالدرجة الأولى، خاصة بعد تأثير تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية على القطاع السياحى بمصر، إلا أنها موقفها تجاه السائحين الموجودين بمصر من الجنسيات التى تأثرت دولهم بالمستجدات فى حركة الطيران الدولى، والتأكيد على استمرار إقامتهم بالفنادق التى يقيمون بها بمصر حتى عودتهم بصورة آمنة إلى بلادهم، وتوفير كل سبل الراحة لضيوفنا من السائحين من مختلف دول العالم يُعد موقفا إنسانيا مشرفا ونبيلا بالدرجة الأولى يليق بمصر الجديدة وقيادتها الواعية، بعدما ألقت التوترات السياسية والعسكرية بين روسيا وأوكرانيا بوجهها القبيح على العالم، وهو لم يكاد يتعافى بعد من جائحة كورونا ولازال يتلمس الشفاء من تداعياتها. فمعروف أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المناطق التي يتأثر فيها قطاع السياحة نتيجة لتلك التوترات، التي تستهدف المقاصد السياحية، ومن بينها السياحة المصرية، وبالطبع سيكون هناك تأثير سلبى على قطاع السياحة وفقدان التدفقات من السوقين الروسية والأوكرانية، لكن نأمل أن يتبدل الحال بحلول فصل الصيف، ويتوافد السياح إلى مصر، لأنها الملاذ الآمن مقارنة بغيرها من الدول المحيطة.
ولا يجب التقليل من خطورة تلك الأزمة على هذا القطاع الحيوى، فقد تضررت أسهم شركات الطيران بشدة بسبب الأحداث الراهنة، حيث انهار سهم مجموعة «إير فرانس- كى إل إم»، بينما هوى سعر سهم شركة «تى يو آى» العملاقة في مجال السياحة، بل يجب علينا تدارك تلك الأزمة سريعًا ومحاولة البحث عن أسواق جديدة، زيادة الاعتماد على السياحة الإلكترونية، وهي مجموعة الخدمات السياحية المرتبطة بالإنترنت. وتشكل السياحة الإلكترونية القسم الأكبر من حجم التجارة الإلكترونية وهي دائماً في ارتفاع مستمر، وتعود بداية السياحة الإلكترونية، إلى عام 1990 مع ظهور الـ "World Wide Web" إحدى الشبكات العنكبوتية العالمية.
إنّ اجتماع قطاعي التكنولوجيا الحديثة تقنيات ناشئة والسياحة معاً أدى إلى ولادة قطاع جديد مشجّع جداً سُمّي السياحة الإلكترونية بتطبيقاتها الحديثة والمتنوعة واستخدام تقنيات الإنترنت من أجل تفعيل عمل الموردين السياحيين والوصول إلى تسهيلات أكثر فعالية للمستهلكين السياحيين، خاصة أن شبكة الإنترنت تتيح ذلك من خلال أشكال متعددة تشمل المعلومات التفصيلية المكتوبة والمصورة التي يستطيع السائح من خلالها زيارة الأثر، أو تصفح المنتج بنفسه، أو حتى إمكانية قيام السائح بتصميم البرنامج السياحى الذي يرغب فيه دون التقيد ببرنامج مُعد سلفاً ووفقاً للتكلفة التي يستطيع دفعها. ومن الضرورى بناء استراتيجية جديدة تهدف للتوعية بأهمية الوعى بالتجارة الإلكترونية، وتهيئة بيئة ثقافية لمثل هذا النوع من التعاملات لضمان التفعيل الجيد لتلك التطبيقات السياحة الإلكترونية والمعاملات المرتبطة بها؛ نحن فى سباق مع الزمن فى تحد جديد لمصر الجديدة.
علينا أيضًا أن نكون مستعدين من الآن لتلك الهجمة الإلكترونية الحديثة، وهى سياحة الميتافيرس، حيث ستصبح فكرة السفر فى متناول الجميع بكل سهولة وسرعة لكل من يريد خوض تجربة السياحة والسفر والهروب من هموم العمل والحياة بمجرد ارتداء نضارة الـVR والقفازات، والأمر لا يتطلب سوى بضعة دقائق لزيارة متحف اللوفر أو سور الصين العظيم، أو أى معلم أثرى وسياحى عظيم فى شتى بقاع العالم. بالطبع، هذه السياحة ستكون أكثر راحة وأمان، وأسرع من السياحة العادية؛ لكن السؤال هنا: هل ستصبح الميتافيرس عدوًا علينا محاربته للحفاظ على قطاع السياحة التقليدية، أم علينا الاستعداد اللازم مع قليل من التطوير لتستفيد السياحة فى مصر؟ وللحديث بقية.