إن روسيا صاحبة أكبر دولة على وجه الأرض من حيث الكتلة الأرضية، وفي غزوها لأوكرانيا، وجهت ضربة موجعة للاقتصاد العالمي تشبه ضربة دب ضخم لم يكتف بتدمير العسل، لكنه حرق النحل الذي قد ينتج العسل، ودهس أزهار الحديقة التي كان يرعى بها.
تتجاوز الآثار الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا حدود الدولتين لتضرب الاقتصاد العالمي ضربات موجعة وتعمق جراحه الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا. تعد روسيا عملاقًا في مجال السلع الأساسية، وتحتل المرتبة الأولى في إنتاج الغاز الطبيعي والنفط والنيكل والبلاديوم والنحاس والفحم والبوتاس والقمح وغير ذلك.
سيؤدي تعطيل الصادرات الروسية - سواء من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو بسبب العقوبات الدولية المحتملة - إلى زيادة تكاليف السلع، مما يزيد من الضغوط التضخمية العالمية وفوضى سلسلة التوريد. إنالحرب الروسية على أوكرانياسوف تجعلأزمة الركود التضخمي العالميةأطولأمدًامماتوقعهالاقتصاديونمطلع العام الجاري، بالإضافة إلى تهديدات خطيرة للأمن الغذائي العالمي نتيجة تقلص إمدادات القمح والذرة من روسيا وأوكرانيا حيث توردان ربع إنتاج الحبوب في العالم، وتوزع الغالبية العظمى من صادراتهما من الحبوب عبر البحر الأسود.
تداعيات الحرب على أسعار النفط والغاز:
ارتفعت الأسعار العالمية للنفط والغاز لمجرد احتمال نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، والآن مع بدء العمليات العسكرية وصلت الأسعار لمستويات قياسية لم تصلها منذ عام 2008، حيث تعد روسيا من أكبر منتجي النفط الخام والغاز الطبيعي في العالم، وتوفر نحو 40% من غاز الاتحاد الأوروبي، ويحصل الاتحاد الأوروبي على 27% من احتياجاته من النفط الخام من روسيا، ومن المتوقع أن يصل سعر خام برنت إلى 150 دولارا للبرميل، ومع اشتعال أزمة الطاقة نتيجة الحرب، فإن كل الحلول المطروحة حاليا -خاصة تعويض الغاز الروسي من خلال الدول الأخرى المنتجة- تبقى مجرد حلول جزئية غير قادرة على التخفيف من حدة الأزمة.
حيث لا تستيطع الدول الأخرى المنتجة للغاز تلبية احتياجات أوروبا من الغاز، لأن قطر على سبيل المثال بالفعل تنتج الغاز حاليا بالطاقة الإنتاجية القصوى وترتبط بعقود طويلة الأجل لتوريد الغاز إلى دول آسيوية، بالإضافة إلى وجود صعوبات لوجيستية في تصدير الغاز المسال إلى بعض الدول الأوروبية.
تداعيات الحرب على النقل الدولي وشحن البضائع:
من المتوقع أن تؤثر الحرب على عمليات الشحن والنقل العالمي للبضائع من خلال تعطل النقل في البحر الأسود وبحر البلطيق خلال مدة العمليات العسكرية وحتى بعدها كرد فعل روسي محتمل تجاه العقوبات الدولية المتوقع فرضها، كما توجد قناة أخرى لتأثير الحرب على النقل الدولي، وهى ارتفاع تكاليف الشحن نتيجة ارتفاع وقود النقل البحري، حيث يتبع سعر وقود السفن سعرخام برنت، فضلا عن احتمالات تأثر بعض النقط اللوجيستية في العالم في إطار مقاطعة بعض المطارات والموانئ كجزء من عقوبات دولية محتملة.
تداعيات الحرب على الأمن الغذائي:
يعاني العالم بالفعل من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية ووصولها إلى مستوي من أعلى مسوياتها في العقد الأخير، ويعني نشوب الحرب إرسال الأسعار إلى طريق وعر يهدد الأمن الغذائي العالمي، حيث تعد روسيا هى أكبر مصدر للقمح في العالم وتعد أوكرانيا مصدر مهم للقمح والذرة، إن البلدين يستحوذان على 30% من تجارة القمح العالمية.
إن الحرب تعني تعطل إمدادات ما يزيد عن ربع واردات العالم من القمح، أي إننا بصدد أمر يتجاوز ارتفاع أسعار الغذاء، إننا أمام نقص الغذاء حتى مع ارتفاع سعره.
وتتضاعف مخاطر الأزمة في الدول العربية، التي تعتمد في واردتها من القمح على روسيا وأوكرانيا، حيث تواجه كثير من الدول العربية تحديا صعبا لتلبية احتياجاتها الغذائية في ظل تعطل إمدادات المواد الزراعية، خاصة القمح، مع الارتفاع المتوقع لأسعار المواد الغذائية على مستوى العالم.
تداعيات الحرب على السياسة النقدية في البنوك المركزية:
إن الارتفاع القياسي في أسعار النفط والغاز والمنتجات الزراعية بالتأكيد سوف يزيد من أزمة التضخم لتجد البنوك المركزية في معظم دول العالم نفسها مضطرة لتسريع وتيرة السياسات النقدية المتشددة ورفع أسعار الفائدة لمحاولة امتصاص التضخم، ويترتب على ذلك معاناة العديد من الدول المدينة من ارتفاع تكلفة خدمة ديونها، فضلا عن التباطؤ المتوقع للنمو الاقتصادي.
يتضح مما سبق أننا أمام تأثيرات اقتصادية، يعد من التهوين أن نصفها بالصعبة، حيث قد تصل إلى حد الأزمة العميقة التي سوف يشعر الجميع بتداعياتها وتقود الاقتصاد العالمي إلى دوامة التباطؤ، ومعاناة آثار الركود التضخمي.