فى بدايات القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية، كان المجتمع عشوائيا فقيرا مفتقدا لأبسط احتياجاته الأساسية، ومحاصر بالثالوث اللعين.. «الفقر والجهل والمرض» وفى الوقت ذاته، يوجد أفراد ينعمون بخيرات البلد، والنتيجة إفراز أفراد غير أسوياء، لديهم شعور دائم بالظلم والقهر، مما أدى لظهور العديد من المشكلات المجتمعية التى تفاقمت بشدة فى مصر، خلال العقود السابقة، إلى أن أصبحت بمثابة قنابل موقوتة تحتاج إلى تفكيك على أيدى خبراء متخصصين بكل حكمة وتريث، بل وتحتاج فى رحلة تفكيكها وحلها إلى البحث فى أصولها وأسباب تفاقمها لنصل إلى حلول منطقية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
ولعل السنوات القليلة الماضية أوضحت الترابط والتشابك العميق بين المناطق العشوائية والإرهاب كونها باتت مفرخة للإرهاب والإدمان والتطرف والعنف؛ قنبلة مركبة قد تنفجر فى أى لحظة مدمرة كل ما حولها. لذلك تعد ظاهرة العشوائيات من الظواهر المجتمعية المركبة، التى عانى منها الكثير من دول العالم، خاصة مع انتشار الفقر والمرض ومحدودية التعليم مما هدد أمن وسلامة المجتمع بكل شرائحه. وبتمركز الخدمات والمصالح الحكومية في المدن الرئيسية، وظهور العديد من الصناعات الحديثة، أدى ذلك إلى زيادة الهجرة الداخلية للأفراد والنزوح من الريف إلى المدن سعياً وراء الحصول على فرص العمل إلى جانب عوامل أخرى مثل: زيادة معدلات النمو السكاني، والنقص في عدد الوحدات السكنية المتاحة مع زيادة الطلب والاحتياج لعدد أكبر مع ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، وارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية في المناطق الرسمية، والتي تتمتع بالمرافق العامة (مياه نقية – صرف صحي – كهرباء – شوارع مناسبة).
هذا الأمر أتى على رأس أولويات الجمهورية الجديدة ورؤية مصر 2030، لتصبح مصر خالية من العشوائيات، حيث إن التخلص منها نهائيًا سيكون عامل جذب للمستثمرين من كل أنحاء العالم، بالإضافة إلى دعم المشاريع التجارية الكبيرة التي تعوقها وجود المناطق العشوائية، مما يؤدى إلى الدفع بعجلة الاقتصاد القومى، والتي تعود على الاقتصاد المصري بالنفع. وبالفعل، بدأت الحكومة بمهمة السعى الجاد لإيجاد حلول للعشوائيات وإعادة البناء أو إعادة التوطين فى سكن حضري، مع المحافظة على الشكل الجمالى للمناطق، والنهوض بالمستويين الاجتماعي والاقتصادي للساكنين، ولم يغفل عنها التطوير والتحسين للمستوى المعيشى للأسر، من خلال المساعدات المالية والتقنية، وكذلك خلق فرص عمل جديدة للشباب وتجريم عمالة الأطفال فى سن مبكرة، وتكثيف الأمن فى هذه المناطق وتطهيرها من أوكار الإتجار بالممنوعات، والعمل على أن يسود جو الطمأنينة والهدوء، والعمل على توفير مستشفيات ومدارس ووسائل ترفيهية حتى تتوافر لهم حياة كريمة مثل أى شخص فى العالم.
ولكى تُكلل جهود التجربة المصرية فى القضاء على العشوائيات والتخلص من أضرارها السلبية على المجتمع، يأتى دور التنمية الثقافية، فلا تنمية حقيقة دون الثقافة. علينا أن ننسف مبدأ ومنهج العشوائية للجميع الذى بات أسلوب أغلب شبابنا مع اختلال لقيمهم ومبادئهم. نحتاج لتفعيل فلسفة بناء إنسان متحضر واع مثقف ينبذ الفوضى والقبح؛ لنغرس ونعزز القيم الإيجابية لدى الأطفال من خلال المؤسسات التربوية والثقافية، ومكافحة التطرف الفكري فى الخطاب الدينى ومؤسساتنا الدينية، واكتشاف ورعاية الموهوبين والنابغين والمبدعين، والارتقاء بالفكر والسلوك الإنسانى لتحقيق الأمن الثقافى لدى الشباب، من خلال قصور الثقافة والفن الراقى الهادف.
أتصور أيضًا أن هناك ضرورة لإشراك سكان العشوائيات أنفسهم والمنظمات الأهلية فى دراسة وضع خطط تطوير المناطق العشوائية وصياغة البدائل والحلول الملائمة لكل منطقة على حدة بهدف تحقيق علاج اجتماعى تنموى، والعمل على إكساب سكان العشوائيات القدرات والمهارات الفنية اللازمة، لرفع مستواهم اجتماعيًا وماديًا، وتوفير الخدمات التعليمية والثقافية والصحية الرياضية بهذه المناطق لتحسين أحوالها. لقد وضعنا أقدامنا على أولى خطوات الطريق الصحيح، لنصل إلى مصر الخالية من المناطق العشوائية والأفكار الهدامة. إنه تحد كبير، لكننا سنعلنها فى 2030: لا للعشوائيات فى الجمهورية الجديدة.